كتاب عربي 21

من أجل مقاربة التونسي للتعامل مع السلفية الجهادية (1-2)

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
مما لا شك فيه تطرح مسألة التيار السلفي الجهادي، وتورط عناصر منه في الإرهاب في تونس مسائل عامة مكررة من تجارب سابقة. حيث لا يمكن فصل الإرهاب في السياق العربي عن العوامل العميقة سواء من حيث الاغتراب الثقافي أو الفقر والتفقير الاقتصادي والاجتماعي.

بيد أننا نعيشها في سياق التقدم بشكل جدي في التأسيس للديمقراطية بعكس تجارب عربية سابقة، كما أنها تحدث في سياق تغيير يتم في إطار التيار السلفي الجهادي خاصة بعد الثورات العربية.

وهنا نحتاج في سياق صياغة مقاربة مجابهة هذا التهديد النظر للثوابت والمعطيات المتكررة ولن خاصة في المتغيرات والخصوصيات التونسية.

منذ الصيف الماضي وبشكل تدريجي تم افتكاك المبادرة من المجموعات الارهابية وأصبحت القوات العسكرية والأمنية تستبق حدوث العمليات.

في البداية كانت هناك أساسا صدامات غير مخططة في سياق عرضي يتمثل أساسا في اعتراض محاولات تهريب اسلحة.

نذكر من بين الأمثلة على الفترة التي حكم فيها الائتلاف الثلاثي المعروف بالترويكا: مواجهات في
مستوى منطقة بئر علي بن خليفة في ولاية صفاقس في فيفري 2012، إثر اكتشاف محاولة تهريب أسلحة، إحباط عملية تهريب أسلحة في عمق الصحراء في جوان 2012، حجز أسلحة في حافلة في تطاوين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، حجز أسلحة في سيارة في فرنانة في ولاية القصرين في كانون الأول/ ديسمبر 2012، إحباط عملية تهريب أسلحة ومتفجرات على الحدود في المنطقة الجنوبية في نفس الشهر، اكتشاف مخزن أسلحة في مدنين على الحدود التونسية الليبية، في جانفي 2013، اكتشاف مخزن أسلحة في أحواز العاصمة في منطقتي المنيهلة ودوار هيشر في فيفري 2013.

غير أنه بعد الاغتيال الذي استهدف السياسي المعارض التونسي شكري بلعيد في شهر فبراير 2013 والتعرف السريع على المجموعة المسؤولة على العملية، تبين بشكل أوضح أننا ليس  بصدد مرحلة "أعداد" فقط مثلما يقول منتسبو التيار السلفي الجهادي، وأن تونس "أرض دعوة وليست أرض جهاد" بعد، فإن عملية الاغتيال ادت الى بدئ تريدي لمواجهة حقيقية، وتبين أن هناك مجموعات معنية ببدئ المواجهة مع الدولة التونسية والدفع نحو خلق حالة "التوحش" أو "الفوضى"، التعبير والتكتيك الذي تم شرحه بوضوح في أحد المؤلفات الأكثر قراءة بين قيادات وكوادر التيار والصادر سنة 2008 بإمضاء أبو بكر ناجي "إدارة
التوحش".

وهكذا ليس من المصادفة أن أشهرا قليلة بعد الاغتيال وتحديدا في شهر مايو تم القبض على 37 إرهابيا بمناطق تونسية مختلفة وإحباط مخطّط كانوا ينوون من خلاله زعزعة أمن البلاد، كما أفاد المتحدثون باسم الحكومة أن قوات الأمن والجيش الوطني تمكنت من حجز معدّات وخرائط بالمنطقة الجبلية الشعانبي المحاذية للحدود التونسية الجزائرية وبحضور مؤثر كما ونوعا للعنصار الجزائرية المنتمية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.

التموقع المسلح في منطقة جبلية محاذية لنشاط المجموعات القاعدية في المنطقة الشرقية من
الجزائر بدى بداية للتكتيك المرادف للاغتيالات لخلق مواقع فراغ وأدوات زعزعة للأمن.

بعد الاغتيال الثاني لمعارض سياسي وعضو الجملس التاسيسي محمد الإبراهمي في آخر شهر جويلية ونصب كمين وقتل عدد من الجنود الوتنكيل بجثث بعضهم، تصاعدت ملاحقة الجيش الوطني قوات الأمن للمجموعات الإرهابية خاصة منذ شهر أوت واستطاعت عبر عمليات متواصلة تصفية عدد من قياداتها وإحباط عدد من عملياتها قبل حدوثها (مثلا عملية سوسة في بداية شهر آب).

وهكذا فإن تشتت واساتسلام المجموعة الناشطة في الشعانبي بعد الضربات القوية من قبل الجيش وتصفية المتهم الرئيسي باغتيال بلعيد منذ اسابيع قليلة ومجموعة من اهم اعوانه في ولاية ارياة المحاذية للعاصمة كان اخر حلقات تصاعد العمليات العسكرية والامنية .

والأهم مع مؤشرات واضحة على استعادة العافية الاستعلماتية لاستباق واعتراض نشاط هذه المجموعات.

استعادة المبادرة التي تمت على أشهر تم في اطار حالة ضغط داخلية يعيشها التيار السلفي الجهادي بما في ذلك الجزء الذي بدأ منه في حالة هيكلة وتنظم منذ سنة 2012 اي "أنصار الشريعة".

انتساب عدد من كوادر المجموعات الإرهابية إلى التنظيم واعترافاتهم المطولة والتي تمت في الكثير منها بشكل عفوي أكدت هذا التداخل. وقد سجلت شكايات حالات تعذيب واحتجاج لقوى حقوقية بالنسبة لبعض المساجين من التيار السلفي لكن بالنسبة للاعترافات التي نقصدها هنا لم تسجل فيها أي تشكيات بالتعذيب مثل ياسر المولهي والعوادي وعبد اللاوي وهي قيادات مهمة في "أنصار الشريعة" وأيضا المجموعات المورطة في الإرهاب.

وهكذا مر التيار وأنصاره بمرحلة طويلة من التشكيك وعدم الاعتراف بمسؤولية بعض المنتسبين إليه للعمليات الإرهابية.

وفقط في الأشهر الأخيرة بدأت حالة اعتراف بأن ما يحصل حقيقي، وحالة دهشة لدى البعض من وجود حالة ازدواجية تنظيمية أي تنظيم سياسي-دعوي- خيري مقابل هيئة أخرى سرية تمارس العمل المسلح داخل البلاد.

ما عقد الضغوط داخل التيار هو أن ساحة المواجهة "الرئيسية" بالنسبة لمعظمهم أي الجبهة السورية تعرف انقساما عميقا بين التنظيمات "الجهادية" التي اعتادوا الانضمام إليها خاصة تنظيمي "داعش" و"النصرة".

حيث تمت ملاحظة انضمام مقاتلين تونسيين إلى التنظيمين وقت احتدام الصراع والقتال بينهما، وهذا ما يبدو أثر حتى على بعض من كان ينوي الالتحاق بالجبهة السورية وتراجع وبقي في محطات انتقالية أخرى.

حالة الضغط التي يعشيها التيار تعكس أن المجموعات الإرهابية التي تورطت في سياقه وتعرضت لحملة محاصرة وملاحقة جعلته في وضع أضعف، لكنها تطرح أسئلة حول انتقال عدد من أنصاره إلى الابتعاد عن مؤشرات الانتساب اليه (من خلال حلق اللحية) والتحول إلى "خلايا نائمة".

كل ذلك يطرح بوضوح مسالة بديهية: لا يمكن مواجهة هذه التنظيمات بالوسائل الأمنية فقط على أهميتها. هناك معركة فكرية أساسية تعترض تونس.

الاستفادة من تجارب أجنبية مهم لكن يبقى الأهم تكييف أي مقاربة ضمن الخصوصيات التونسية.
التعليقات (0)