فنون منوعة

الحراك الثوري العربي أنعش سوق الأفلام الوثائقية

(تعبيرية)
(تعبيرية)
قال مدير قناة الجزيرة القطرية الوثائقية أحمد محفوظ، في حوار له مع وكالة "الأناضول" التركية إن تحولات الربيع العربي "أنعشت" سوق الأفلام الوثائقية، واختلف التعامل معها من قُطر لآخر، مضيفا أنه رغم أن مرحلة "المواطن الوثائقي"، لم تتجلى بعد.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

س: هل الفيلم "الإغاثي" يعد نوعا جديدا في عالم الأفلام الوثائقية؟

نعم هذه هي المرة الأولى التى تقام فيها مسابقة لأفلام وثائقية، تنتجها جمعيات إغاثة في سوريا، وآثر القائمون على المؤتمر، تنظيم مسابقة للأفلام الوثائقية، من إنتاج جمعيات الإغاثة المشاركة في المؤتمر، للترويج لأعمال الإغاثة خارج نطاق المتبرعين، ولدى جمهور المشاهدين لهذا الأفلام، وهو ما حفزني على التواجد في هذه المسابقة.

س: وماذا عن مستوى الأفلام المشاركة؟

أفلام المهرجان الـ11 لم تكن على المستوى الذي كنت أتوقعه، وأتمناه، فجاءت في أغلبها عبارة عن تقارير، وسرد لأعمال الإغاثة، وافتقدت إلى الجانب الفني، السينمائي، وأوصيت في تقرير لجنة التحكيم، هذه الجمعيات الخيرية أن تراعى المعايير الجمالية، وأن تستعين ببعض الموهوبين المتطوعين لعمل هذه الأفلام.

س: هل الإمكانيات المادية وحدها كانت تمثل العائق أمام هذه الجمعيات لإنتاج فيلم وثائقي جيد؟

الناحية المادية هامة جدا فى العمل، لكنها ليست كل شيئ، فالأمر يحتاج إلى درجة من الوعي، والموهبة عند من يصنع هذا الفيلم، فقد كان بمقدور هذه الجمعيات الخيرية أو الإغاثية، أن تستعين ببعض محترفي العمل السينمائي، الذين يقبلون التبرع بالجهد تطوعا، ويمكن لهذه الفرق الفنية توسيع دائرة المتعاونين لإنتاج الفيلم الوثائقي.

س: ما هو الأمر الذي لفت نظرك فى المسابقة؟

كانت هناك لفتة طيبة خلال المهرجان، حيث فوجئت رغم علمى بقسوة الأوضاع فى فلسطين، بوجود جمعية إغاثة فلسطينية، تقوم بواجب إنساني للمنكوبين في سوريا، وقامت بعمل فيلم جيد من الناحية المهنية، وهو ما يمثل تجسيدا حقيقيا لفكرة التكافل بين أطراف الأمة، وبعضها.

واستخدم القائمون على الفيلم، خطبة للشيخ رائد صلاح (رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل) ، كنوع من أنواع الوصلات، بين المشاهد، وبعضها، والتى قال فيها "إن أهل فلسطين عليهم دين لأهل سوريا، فعندما احتل بيت المقدس قامت سيدة سورية بقص ضفيرتيها، وتبرعت بهما كلجام للفرس في جيش المسلمين".

س: هل استفادت الأفلام الوثائقية من حالة الحراك الثوري في العالم العربي؟

أي فن يتم تطوره، أو تدفق الإنتاج فيه، لا يمكن أن يرتبط بحالة استقرار، لكن فى فترات الحراك، والتطور المجتمعى، السياسي، العسكري ربما، فى حالات التفاعل، وكتابة التاريخ، ينتعش سوق الفن، بكافة أشكاله الأدبي والشعري والسينمائي، والمسرحي، والوثائقي، كما وكيفا، حيث يتفجر الإبداع، ويتواتر الإنتاج بغزارة، فيعبر الفنانون عن مشاكل الإنسان، ومعاناته.

إذا ما لاحظنا أن معظم المدارس الفنية التى نعمل بها حتى اليوم، سواء التأثيرية، أو الانطباعية، أو السيريالية، والدادية، كلها خرجت من رحم الأزمات في أوروبا فى ذلك الوقت، حيث ظهرت هذه المدارس، بعد الحرب العالمية الثانية.

أوروبا والغرب الآن، في حالة استقرار بشكل أو بآخر، واللحظة التاريخية التى يعاد كتابة التاريخ فيها بشكل متسارع، هو العالم العربي والإسلامي، الذي يشهد تغيرات ليست سياسية فقط، لكنها على مستوى المفاهيم، والمجتمعات، والأخلاقيات، وكل هذا الحراك هو الزخم والمادة الخام للفنون، فتفاعل هذه الفنون مع اللحظة التاريخية، هو ما يمكن أن يثمر عن كم كبير من الأعمال على مستوى السينما، والأعمال الوثائقية.

س: هل واكبت الجزيرة الوثائقية الثورات العربية العربية التى انطلقت شرارتها فجأة ودون سابق إنذار؟

عندما بدات الثورات العربية منذ ثلاث أعوام وبدأت من تونس، لم تكن الجزيرة الوثائقية ولا غيرها من الوثائقيات مستعدة لهذا الحدث، الذي جاء فجأة، لكن فى نهاية أحداث الثورة التونسية، اتصلت الجزيرة الوثائقية ببعض المنتجين والسينمائيين هناك، وطلبت منهم توثيق كل شيء على الأرض.

لكن ما حدث في تونس فجأة جعلنا نستعد للحراك المتوقع في مصر منذ 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وحتى 18 شباط/ فبراير، وتنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، فقمنا بتوثيق 18 يوما كاملة ساعة بساعة، ولحظة بلحظة، وكنا نؤمن حفظ المادة المصورة، وتجمعت لدينا ساعات طويلة من الأحداث لكنها لقطات تفتقد إلى التفاصيل، وهنا يأتي دوري كمنتج للفيلم الوثائقي، وخرجنا فى النهاية ب 45 ساعة تسجيلية عن الثورة المصرية منها يوميات الثورة المصرية وهي عبارة عن 20 ساعة، وأزعم في ظل الاتجاه لمحو ثورة 25 يناير، أن الـ 20 ساعة هذه ستكون هي الوثيقة السينمائية الوحيدة أو المتكاملة للثورة المصرية.

س:: البعض يشير إلى حالة من التشبع فى سوق العمل الوثائقي سواء من ناحية القوالب الفنية إن صح التعبير التى يخرج فيه الشكل التقليدي للفيلم الوثائقي أو من ناحية المحتوى أيضا والأفكار ما مدى صحة هذه المقولة؟

فكرة التشبع في سوق الأفلام الوثائقية غير واردة، لأن الإنسان لا يتوقف، ومادمنا نحيا ونعيش، إذا الفن الذى يحاكي الإنسان، وطبيعة الإنسان، ومشاكل هذا الإنسان لا يتوقف إلا بتوقف المبدع أو تتوقف الإنسانية، ربما تتطور أشكال هذا الفن، وبالنسبة للأفلام الوثائقية، لا شك أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة أصبح هناك تدفق وزخم في عدد الأفلام المنتجة.

س: كم تمتلكون فى أرشيف الجزيرة الوثائقية من أفلام؟

نحن لدينا تقريبا أكثر من 2200 فيلم وثائقي في أرشيف الجزيرة، التى يقدم لها من 2000 إلى 3000 مشاريع أفلام وثائقية كل عام، نقوم على دراستها لنختار فقط 250 ساعة يتم إنتاجها سنويا، فالرقم المقدم من المشاريع كبير جدا، وهو ما يجعل الاعتذارات أيضا كبيرة جدا، وهو أيضا ما صدر وجود حالة من التشبع، ولكن هذا ليس صحيحا.

س: كيف تعمل الوثائقية في ظل حروب ومواجهات عسكرية؟

س: لابد أن تأتي المبادرة من المنتج والمخرج نفسه، الذي سيدخل ويصور، لكن لابد أن نعلم أن هناك فرقا بين الجزيرة الإخبارية، والوثائقية، فنحن ليس عندنا مراسلين نستطيع أن نرسلهم إلى أماكن المعارك، ليس عندنا هذا القدر من الاحترافية الإخبارية لخوض غمار أماكن المعارك، فأنا أعرف بعض زملائنا المصورين بالجزيرة الإخبارية ممن لهم خبرة في تغطية الحروب، يستطيع أن يتنبأ من خلال حاسته الإخبارية، أن هذا المكان سيقصف بعد قليل، وبالفعل يقصف.

طبيعة العمل بالجزيرة الوثائقية يختلف، فنحن لا نتابع حدثا جاريا يحدث على الأرض مثل الجزيرة الإخبارية، لكننا ربما نهتم بالقصص الإنسانية التى تخرج من رحم هذه الأحداث، والكوارث، والحروب.

أضرب مثلا على ذلك أننا فى حرب غزة 2009 لم يكن عندنا أى شيء وثائقي عما يحدث هناك، فما كان منا إلا أن تواصلنا مع بعض المنتجين الموجودين داخل غزة الذين نعرفهم بشكل جيد وطلبنا منهم عمل "فيلرز" (فواصل) 3 دقائق صور، وحكايات، فهذا الرجل المسعف الذى تراه فى كل نشرات الأخبار، صورنا معه كيف يكون يومه كيف يستعد للأحداث، وصورنا مع المؤذن، ومقيم الشعائر الذى أصر على أن يقوم بعمله فى المسجد الذى هدم.

س: كيف تغلبتم على المشكلات التى تواجه عملكم على الأرض، في ضوء الانتكاسة التى تعرضت لها بعض بلدان الربيع العربي مثل مصر مثلا؟

حقيقة الشركات، والمنتجين، الذين نتعاون معهم، هم من يستحقون التحية، لأنهم هم من يواجهون هذه المصاعب، ويسعون دائما لتخطيها لاستكمال الأعمال الوثائقية، وبالتأكيد فى ظل الأوضاع الأمنية الصعبة، اختلفت أساليب وطرق العمل، والمونتاج، وسبل إرسال المادة إلى الجزيرة الوثائقية، لكن فى النهاية، يبقى أن الهدف هو التوثيق الدائم للأحداث، الذي لا ننكر أنه تأثر بهذه الأوضاع الأمنية الصعبة.

س: في ظل التضييق الذي يتعرض له العاملون بالجزيرة فى مصر، هل يمكن أن تلجأوا إلى "المواطن الوثائقي"، على غرار "المواطن الصحفي" ليوثق لكم الأحداث؟

المواطن الصحفي مهمته أسهل بكثير، لأنه يقوم بنقل حدث ما، سواء كانت معلومة أو صورة سريعة خاطفة، لكن المواطن الوثائقي ربما يحتاح إلى بعض الحرفيات، والخبرات الخاصة فى العمل السينمائي، لكن بشكل عام لقطة الفيديو للحدث، هي الأساس، فإذا تواجدت الصورة، تستطيع أن تقول وتنقل بها ما تشاء، فربما تكون اللقطات المصورة بأجهزة الموبايل أو الكاميرات البسيطة مادة خام وخصبة جدا عند إنتاج فيلم وثائقي بعد ذلك، لكن لم نصل بعد إلى مرحلة المواطن الوثائقي أو التوثيقي، لكن نتمنى ذلك لا شك.

س: بخلاف مصر، هل قامت الجزيرة بتوثيق أحداث ثورات الربيع العربي الأخرى في بلدان مثل تونس وليبيا واليمن؟

باقي حراك الربيع العربي الثوري في سوريا واليمن وليبيا وتونس، هناك محاولات جيدة من الجزيرة الوثائقية لتغطية هذا الثورات وتوثيقها، حيث قمنا بإنتاج فيلمين وثائقيين في تونس هما "المعارض"، و"وتستمر الثورة"، ولم يكن التوثيق في ليبيا بنفس القدر، بسبب ضعف تواصل الفنانين في ليبيا، مع الحراك السينمائي الوثائقي في ظل الحكم الاستبدادي السابق، لكن أنتجنا عددا أقل منالأفلام عن ثورة 17 شباط/ فبراير في ليبيا، وبدأنا مؤخرا الاهتما بها.

في اليمن هناك أيضا بعض التجارب التي توثق وتؤرخ لما بعد ثورة 27 كانون ثاني/ يناير 2011، وكان من المهم أن تبدأ أولى حلقات البرنامج الوثائقي للجزيرة "كاميرا ومدينة"، (برنامج وثائقي جديد يتجول بالكاميرا داخل المدن العربية)، من شارع الاستقلال في اليمن.

كان لدينا كم من الإنتاج الوثائقي متواتر من سوريا، وكان هناك بعض الشركات، والمنتجين يتعاونون معنا بشكل دائم، لكن بعد بدء الحرب والعمليات العسكرية، لم يكن من الممكن أن تدخل ذبابة إلى سوريا، ولم نستطع أن تواصل فيها.

س: هل أنتجتم أفلاما وثائقية عن تركيا وما هي خططكم لاقتحام السوق التركي؟

لا ينكر أحد أن تركيا، تملك بعدا حضاريا مهما، وبعدا ثقافيا خاصا، وبعدا سياسيا فرض نفسه على المستوى الإقليمي، والعالمي، وهو ما يعني أن هناك حالة من الحراك، والثقافة تنبئ عن إمكانية إنتاج أفلام وثائقية تركية، تهم المشاهد العربي الذي تربطه صلة تاريخية ما بتركيا.

نحن حاليا لدينا تعاون مع بعض الشركات، والمنتجين الأتراك، الذين لديهم خصوصية فى إنتاجاتهم، حيث يقدمون لنا أفلاما عن تركيا، بعيون تركية، وبدون تحيز، لكن تقدم هذه الثقافة للمشاهد العربي، الذي يريد أن يعرف عن تركيا.

صنعنا بعض الأفلام عن تركيا، عن الخط، والآذان، والموسيقى، والأعراس التركية، وخصوصيات الثقافة فى تركيا، لدينا فيلما وثائقيا من إنتاج الجزيرة، عن سيدنا جلال الدين الرومي، وهو شخصية تاريخية، لها كثير من المحبين والمعجبين، في الوطن العربي، وهو رمز ثقافي مهم جدا كان لابد من تقديمه للمشاهد العربي، فمازلنا ننهل من ثقافة تركيا، وتقديمها إلى الأمة العربية.

أيضا أتمنى أن يسير النهر من الجنوب إلى الشمال، فيكون للوطن العربي، والجزيرة الوثائقية، دور في إثراء حالة الحوار بين الثقافة العربية، والتركية، وتقديم بعض الأعمال التى يمكن أن تخبر الأتراك، ومن يتحدثون بالتركية، عن ثقافة وخصوصية الوطن العربي. 

الحدث: مسابقة للفيلم الوثائقي (الإغاثي)، المكان: اسطنبول، الزمان: 18 و19 و20 فبراير/ شباط الجاري، الجهة المنظمة: جمعية الأيادي البيضاء، عددالأفلام المشاركة: 11 فيلما من البحرين، والكويت، وفلسطين، ورومانيا، والجزائر، وإيرلندا وغيرهم من الدول، وعلى قائمة المحكمين، يتصدر أحمد محفوظ.
التعليقات (0)