كتاب عربي 21

أردوغان التركي وأردوغان المصري

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في يوم الثلاثين من يونيو عام 2011، كتبت مقالة في عمودي اليومي آنذاك في جريدة اليوم السابع، مقالة بعنوان (أردوغان المصري)، قلت فيها:

"يحلم المصريون بقائد يلهم خيالهم، ويحفز طاقتهم للعمل، ويجسد عزتهم القومية مثل رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان.

كانت المقارنة قبل ثورة يناير المجيدة بين القيادة التركية والقيادة المصرية مثل المقارنة بين البغل والحصان المجنح!

ولكن الآن، تغير الأمر، وأصبح من حق المصريين أن يحلموا بزعيم يمثل أجلَّ وأجمل ما فيهم من القيم.

أنا أعتقد أن هذا الزعيم موجود بيننا، وهو فى العقد الثانى من عمره، وسوف يتعلم السياسة فى مدرسة الحياة، وسوف يبدأ ممارسة العمل العام فى الجامعة، ثم فى المحليات، أو فى العمل النقابى، ثم سيتدرج فى خدمة الناس، حتى يدفعوه دفعا للترشح كعضو للبرلمان، وخلال مسيرته سيتعرف على عشرات الشباب الذين يحبون هذا البلد، والذين شاركوا - رغم صغر سنهم - فى أحداث الثورة العظيمة.

سيكون إنجازه الأعظم أنه تمكن من إنصاف الطبقة الوسطى، وأنه تمكن من رفع مستوى الخدمات العامة، وتمكن كذلك من تقليل حجم الفساد.

سيكون هذا الزعيم (بعد ما يقرب من عشرين عاما من الآن) قد اختزل تجارب السياسيين المصريين الذين سبقوه، وسيكون قد تعلم من أخطائهم، وسيواصل المسيرة إلى أن يصل إلى لحظة معينة، وسيقرر الانسحاب، وهو فى قمة مجده وشعبيته".

هذه هي خلاصة مقالتي التي نشرت منذ ثلاثة أعوام تقريبا، وما زلت متفائلا بما كتبته، فكل ما يحدث اليوم في مصر يساعد على خلق زعامات وطنية شابة، ستكون بعد فترة غير طويلة مثل أردوغان. 

سأحاول اليوم أن أحلل أسباب الحقد الرهيب الذي يحمله إعلام انقلاب الثالث من يوليو في مصر ضد هذا الرجل.

يحقدون عليه لأنه يذكرهم بوضاعتهم، وعجزهم !

كيف ذلك؟

أولا : لأنه منتخب.

ثانيا : لأنه رئيس الوزراء المنتخب الذي استطاع أن يروض المؤسسة العسكرية الحاكمة في بلده بعد عهود وعقود من الانقلابات العسكرية التي لم يجرؤ أي سياسي تركي على مواجهتها.

ثالثا : لأنه منتخب في بلد يشبه مصر في أشياء كثيرة، وأثبت أن الديمقراطية هي الحل، وأن سبب تخلف تركيا لم يكن إلا تدخل العسكريين في السياسة.

رابعا : لأنه صاحب إنجاز على الأرض، وليس مجرد جعجاع يخطب في الناس ليحرك عواطفهم، بينما المواطن يعيش في أسوأ الظروف.

خامسا : لأن جميع محاولات إمساكه متلبسا بفساد باءت بالفشل.

سادسا : لأنه يمثل – بالنسبة للانقلاب وأنصاره – أنموذجا لتعايش الأفكار المختلفة مع بعضها، ففي الوقت الذي يقسم الانقلاب شعب مصر إلى شعبين يثبت أردوغان لهم أن التعايش بين المختلفين ممكن بالديمقراطية، ويفعل ذلك عمليا من خلال صهر الشعب التركي في معركة البناء، واصطفاف الشعب كله صفا واحدا، وإذا حدث اختلاف يرضى الجميع بحكم الصندوق لا الدبابة.

سابعا : لأنه استطاع أن يخرج من كل المؤامرات أقوى، ومع كل مؤامرة من المؤامرات كانت تتضح فيه خصال خير جديدة، فحين أمسك أحد أقربائه متلبسا بجرم، طبق القانون على قريب رئيس الوزراء، فازدادت مصداقيته عند الناس أكثر وأكثر.

ثامنا : لأنه استطاع أن يقف ضد أسياد القادة العرب (أعني أمريكا وإسرائيل)، وفعل ذلك دون أن يزعم أنه سيلقي إسرائيل في البحر، ودون أن يزعم أن أمريكا ستذوق الويلات على يديه !

تاسعا :لأنه يمر الآن بمؤامرة لم يكن لها حل سوى أن يتدخل العسكريون بانقلاب، ولكنه استطاع أن يحسم الأمر بالاحتكام للأمة، ولم تخذله هذه الأمة، فتحولت الانتخابات المحلية (وهي انتخابات غير مهمة، أساسها الخدمات والعصبيات وليس التوجه السياسي للحكومة) أقول تحولت هذه الانتخابات إلى استفتاء لمواصلة مسيرة الديمقراطية.

عاشرا وأخيرا : لأنه لم يقف صامتا أمام القضايا الكبرى في المنطقة، فترى سياسته الخارجية تناصر الحق ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
من يتابع إعلام الانقلاب في مصر سيرى استخفافا شديدا وسطحية مضحكة في التعامل مع الملف التركي، وكل من يتحدث فيه لا يعطي المشاهد أي معلومات حقيقية، لذلك كانت الصفعة قوية حين فاز حزب أردوغان بانتخابات البلديات هذا الأسبوع.

تخيل عزيزي القارئ أن بعض المساكين ممن يصدقون الإعلام المصري كانوا ينتظرون خسارة أردوغان، وإحالته إلى التحقيق، وأنهم سوف يرونه خلف القضبان!

بقيت كلمة أخيرة تتعلق بأخطاء أردوغان، وهي كثيرة، ولا داعي لتبريرها، وهي أخطاء لا تنقص من إنجازاته شيئا، ولا شك أن طول البقاء في السلطة خطأ، وأنا من الذين يتمنون أن يروا أردوغان خارج السلطة قريبا ... بإرادته.

في النهاية ... الزعامة مزيج من العبقرية والعمل،وتصقلها المحن والشدائد، ونحن اليوم في محنة عظيمة، وسيكون من منح هذه المحنة أن يرزقنا الله بقيادات شابة، تستطيع أن توجه دفة هذا الوطن الحبيب إلى مرفأ السلام ... ولكننا مستعجلون .

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...

موقع الكتروني :www.arahman.net

بريد الكتروني :[email protected]
التعليقات (4)
نور الهدى
الأحد، 13-04-2014 01:09 ص
حلم جميل أن يكون لدينا أردوغان مصرى ولكن هل تعتقد أن ذلك ممكن ؟؟ ستقول لى من الممكن وأقول أننا بُلينا بأُناس من الداخل لا يريدون لمصرنا الحبيب سوى الخراب ومن الخارج من يريدنا عبيد وتابعين ولكن سيخيب أملهم بإذن الله وأكرر أننا فعلا مستعجلين فليصبرنا الله
فاطمة الزهراء
الأحد، 06-04-2014 07:41 ص
عنوسة سياسية.... فى الثقافة التقليدية نجد الفتاة ترزح تحت وطأة مجتمع لايرحم؛ مما يجعلها قد ترضى بما لم يكن يرضيها يوما خشية أن تنعت بالعانس،أو البايرة، أو من فاتها قطار الزواج.. وتتقيد إرادتها فى المفاضلة دوما بين السىء والأسوأ ( فكلّه محصّل بعضه) ، (وضلّ راجل ولا ضلّ حيطة) ... ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب وإنما تنتقل عدوى ذلك الفكر التقليدى من (المرأة) إلى (مصر) الوطن عبر وسطاء ثقافيين يعملون دون كلل أو ملل فى شيوعه وفى بث روح اليأس والاستكانة؛ مما يجعلنا نتعامل مع بلدنا مصر بهذه الخلفية الثقافية العاجزة ... ثقافة (ما فيش بديل ) ونظلّ نفاضل بين السىء والأسوأ كقدر محتوم لا نقوى على الفكاك منه أولى بنا بعد ثورة عظيمة كثورة 25 يناير أن نمتلك خيالا يتسق مع تلك الثورة ... وأن نتبنى فكرا ثائرا يصل به منسوب طموحنا عنان السماء... وأن نشعر بقدرتنا الحقيقية على الفعل والإنجاز وألا نرضى بفتات الحكام فمصرنا جميلة وتستحق الأفضل دائما ... حفظها الله
ابو محمد
السبت، 05-04-2014 12:24 م
عوزين نسال اوردعان لو كان في موقفنا من سد النهضه كان هيعمل ايه ويعلم الحمير ال عندنا الاسلوب الامثل لحل المشكله قبل ممصر تنتهي بسبب المياه
كريم على
السبت، 05-04-2014 11:23 ص
مقال اكثر من رائع.