مقالات مختارة

أيها العُربان: تعلموا من أردوغان!

فيصل القاسم
1300x600
1300x600
كتب فيصل القاسم: لا شك أن فوز حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان بشكل كاسح في الانتخابات البلدية الأخيرة وقع كالصاعقة على خصوم أردوغان في الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً.

ولو كانت هناك حنكة سياسية حقيقية لدى الأطراف التي تناصب أردوغان العداء لبدأت تعيد النظر في مواقفها على ضوء الشعبية المتصاعدة للحزب الإسلامي في تركيا رغم كل المؤامرات والشيطنات التي تعرض لها أردوغان منذ أكثر من عام. 

لا أدري لماذا يستعدي بعض العرب أكثر من نصف الشعب التركي الذي يقف صفاً واحداً إلى جانب حزب العدالة والتنمية؟ أين الحنكة السياسية؟ أين الحكمة؟ وعندما نتحدث عن الشعب التركي الذي يناصر أردوغان بقوة، فنحن لا نتحدث عن شعب متخلف يسوقونه إلى الاستفتاءات كالقطعان كما هو الوضع في الديكتاتوريات العربية المجاورة كي يصوت بالروح والدم للقائد المفدى المفروض بقوة كلاب الصيد والمخابرات، بل هو شعب واع ومتقدم على كل الصعد، وتعلم من تجاربه المريرة في ظل الانقلابات العسكرية الحقيرة، وأصبح ناضجاً ويعرف مصلحته، ويعرف من يختار، على عكس الكثير من شعوبنا التي يمكن للحملات الإعلامية الرخيصة أن تلعب بها كما يلعب اللاعبون بكرة القدم. 

لا نريد من العرب الذين يكيدون لأردوغان، ويحاولون تشويه سمعته وإنجازاته، لا نريد منهم أن يحترموا الديمقراطية التركية وخيارات الشعب، فربما لديهم أسبابهم الخاصة التي تمنعهم من مباركة نتائج صناديق الاقتراع التركية. ولا نريد منهم أيضاً أن يتحالفوا مع أردوغان وحزبه لأنه أصبح رقماً صعباً في الحياة السياسية التركية، بل نريدهم أن يتوقفوا قليلاً مع أنفسهم، وينظروا بتجرد وعقلانية وحكمة إلى طبيعة وسجل هذا الحزب وزعيمه على مدى أكثر من اثني عشر عاماً.

هل حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان حزب إسلامي متطرف؟ هل هو حزب إرهابي؟ هل فاز في الانتخابات بالبلطجة والتشبيح؟ هل وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري أو بطرق ملتوية؟

أم إنه حزب إسلامي نموذجي فريد من نوعه أثبت للعالم أجمع أن الإسلام لا يعادي الديمقراطية، ولا المفاهيم السياسية الحديثة، بل هو قادر على تطويعها لخدمة المفاهيم الإسلامية، لا بل إنه قادر أيضاً على تحقيق إنجازات اقتصادية عظيمة لا تحلم بها الأحزاب الديمقراطية التاريخية في الغرب؟

ألا يقيسون نجاح الأحزاب وقادتها في العالم المتقدم من خلال أدائها الاقتصادي بالدرجة الأولى؟ ألم يتفوق حزب أردوغان ذو الطبيعة الإسلامية الحضارية المعتدلة الحديثة على كل الأحزاب التركية العلمانية؟ ألم ينتقل بتركيا إلى مصاف العظام اقتصادياً؟ هل كان ليفوز في الانتخابات في مواجهة أحزاب علمانية شرسة المرة تلو الأخرى لولا أنه أصبح ذا قاعدة شعبية عريضة جداً تترسخ مفاهيمها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية يوماً بعد يوم؟ 

لننظر سريعاً إلى إنجازات أردوغان وحزبه منذ توليه الحكم حتى الآن. لقد ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى 152 مليار دولار خلال العام الماضي، أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة. ألم ينقل تركيا من المرتبة الـ 111 إلى المرتبة الـ 17 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي؟ ألم تظهر الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار في هذه الفترة، أي أنه ثلاثة أضعاف ما كان عليه؟

وقد حدد أردوغان العام 2023 الذي يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم. لاحظوا أنه عندما تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم كان متوسط دخل الفرد السنوي في تركيا 3.5 ألف دولار، بينما أصبح في عهده 10.5 ألف دولار. وهي نقلة نوعية عظيمة.

باختصار شديد، لقد التزم أردوغان التزاماً حرفياً بالاسم الذي أطلقه على حزبه، واستخدمه لاحقاً كشعار سياسي. كان شعاره من كلمتين: ‘العدالة و التنمية’، فحقق العدالة، وأنجز تنمية فريدة من نوعها، بحيث أصبح مضرباً للمثل في الارتقاء الاقتصادي. لقد غدا مثل مهاتير محمد في ماليزيا رمزاً إسلامياً عظيماً ينافس عالمياً بكل ثقة. 

مهاتير رائد نهضة ماليزيا، وأردوغان رائد نهضة تركيا. وكما يقول حسان الرواد: ‘ليس لتركيا ثروات العرب، ولا نفطهم، ولا بحارهم ولا أرضهم. كان شعبها كشعوبنا وأقل. كانت من العالم الثالث كنحن، لكنّ الله منّ عليها بزعيم وطني حقيقي ذي يد نظيفة، فنهض نهضة لم تنهضها العرب والعجم في وقت قياسي، فأخلص، وصدق، فتوفق ليصبح عملاق النهضة الإسلامية الحديثة’.

لماذا إذاَ يعادي بعض العرب حزب العدالة والتنمية التركي وقادته؟ أعطونا سبباً مقنعاً واحداً يجعلنا نقف إلى جانبكم في الهجمة الشرسة على أردوغان. لو كان حزباً متطرفاً مثلاً جديراً بقوائم الإرهاب المحلية والدولية لقلنا عادوه وحاصروه، وشيطنوه، لكنه متهم بأنه معتدل إسلامياً أكثر من اللازم في نظر بعض الجماعات والتيارات الإسلامية.

ألا يحظى أيضاً بسمعة ديمقراطية عالمية طيبة؟ ألا يقبله العالم المتقدم المتمثل بأوروبا شريكاً ديمقراطياً؟ فلماذا نناصبه إذاً نحن العداء؟

لماذا لا نتعلم من حزب العدالة والتنمية التركي كيف ننتقل باقتصادياتنا الهزيلة إلى مصاف الاقتصاديات الصاعدة؟ لماذا لا نتقرب منه، ونستفيد من خبراته العظيمة في المجال الاقتصادي والتنمية البشرية، خاصة وأن تركيا دولة جارة لنا، ونشترك معها في إرث حضاري وإسلامي كبير؟ ولمن يبني تحالفاته عادة على أسس مذهبية، فحزب أردوغان حزب إسلامي سُني بامتياز، وهو يشترك بذلك مع أكثر من مليار مسلم في العالم.

باختصار، فإن حزب أردوغان حزب مثالي للعرب كي يتحالفوا معه على الصعيد المذهبي والاقتصادي والديمقراطي. أليس من السخف أن يشتكي البعض من الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة، ثم يعادي في الوقت نفسه الأحزاب الإسلامية السُنية التي يمكن أن تكون سنداً له في مواجهة ما يسمونه بالخطر الشيعي"الرافضي"؟

(عن صحيفة القدس العربي 5 نيسان/ أبريل 2014) 
التعليقات (0)