كتاب عربي 21

تحذير لجماهير الهجرة الموسمية إلى الشمال

جعفر عباس
1300x600
1300x600
ربما يذكر بعضكم حكاية الطالب السعودي التي أوردتها وكالة رويترز، عندما نزل في مطار فيلادلفيا بالولايات المتحدة وسبب حالة من الذعر، استوجبت الإعلان عن حالة الطوارئ القصوى، ولا بأس في استعادة بعض تفاصيلها، فقد كان الطالب يحمل في حقيبة يده عبوة فيها مادة سائلة مضغوطة، ولأنه عربي ومسلم فإن ذلك السائل أثار الشبهات: ربما هو مكلّفٌ من قبل منظمة إرهابية لرش السموم في الأجواء أو خزانات المياه المركزية في مدينة ما في الولايات المتحدة!! 

ربما طوّر تنظيم القاعدة قنبلة سائلة صغيرة الحجم وشديدة التدمير، وكان بديهيا أن يتراجع موظف الجمارك مترين عن الطالب ويسأله عن محتوى تلك القارورة، وكان أكثر بداهية أن يبتسم الطالب بعد أن أدرك أن عقل الموظف "يتأرجح" ما بين برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وغوانتنامو في كوبا، وتذكّر أنه من قوم موصومين بالإرهاب، فرأى أن يطمئن الموظف بأن السائل غير سام وغير قاتل، ومد يده متناولا القارورة، وخلال ثوان كانت ثلة من رجال الأمن تحيط به، دون أن يتجرأ أحدهم على الاقتراب منه لأنه "مسلح" بمادة قد تكون متفجرة أو جرثومية أو كيمائية أو إشعاعية، ولتقديم الدليل العملي والعلمي القاطع بأن السائل مجرد كولونيا مصنوعة في فرنسا، نثر الطالب قليلا منها على قميصه، ولكنه كاد يفقد عقله لما رأى رجال الأمن يمدون أيديهم إلى مسدساتهم، فاهتزت يده الممسكة بالقارورة وطاش بعض رذاذ الكولونيا وسقط على اثنين منهم!! 

هنا قامت القيامة وارتفع العويل عبر أجهزة الراديو اليدوية: اثنان من جماعتنا لحقت بهما "إصابات"، وخلال ثوان كانت صافرات الإنذار تولول داخل المطار، وتدفق رجال المباحث الفيدرالية، وممثلو حلف الناتو والفيفا، إلى البوابات لإحكام السيطرة عليها، لمنع الإرهابي من الهرب، واقتحم المطار رجال الدفاع المدني مرتدين الأقنعة الواقية، واتخذ قناصو الشرطة المحلية في فيلادلفيا مواقعهم وراء سواتر معدنية، وربما اتصل أحدهم بوزير الدفاع ليبلغه بوقوع إرهابي سعودي في كمين، فقالوا له إن سعادته في الحمام، وربما اتصلوا بمستشارة أخينا الرئيس باراك أوباما لشؤون الأمن القومي لتأتي إلى المطار لتقود عمليات القبض على مسلح عربي يحمل الدليل الدامغ على أن درويش البيت الأبيض السابق جورج دبليو بوش كان على حق في الزعم بأن صدام حسين أنتج المواد الجرثومية المحظورة بكميات تجارية، وأنه نجح في تهريب كميات منها إلى جماعة إرهابية، وصل عضو فيها إلى فيلادلفيا، فقالت لهم المستشارة: لا شأن لي بأمور اعتقال الإرهابيين.. أنا مسؤولة عن التنظير في تلك الأمور، ولا أتدخل في أمور بوووم بانق، وطاخ طراخ، وإزاء كل هذا لم يجد ولدنا المسكين سوى أن يرفع يديه بعلامة الاستسلام وأن يقول بأعلى صوته: هاي... ذِس إز كولون! هذه كولونيا! فرد عليه قائد الشرطة الذي يبدو أنه معجب بالممثل المصري في مسرحية مدرسة المشاغبين: حُطي كولونيا؟ حُطي كولونيا ليه؟.

المهم: اعتقلوه ولكن حالة الذعر استشرت بعد أن قال رجلا الأمن اللذان تعرضا للهجوم بالرذاذ السام، إنهما فرا من موقع العدوان إلى مطعم مجاور ثم صيدلية، فرأت السلطات أن ذلك قد يتسبب في نشر العدوى إذا كانت القارورة سلاحا جرثوميا، فأعلنت الحجر الصحي على المنطقة "لا أحد يدخل فيها أو يخرج منها"، وفي تلك الأثناء انطلقت سيارة مصفحة حاملة قارورة العطر الملغوم داخل صندوق معدني مصفح إلى المختبر، حيث ارتدى العلماء الملابس الواقية وبدأوا في دراسة مكونات السائل، وخلال بضع دقائق استنتجوا أنها كولونيا عادية.

كانت فعلا كولونيا عادية، ولكن مجرد العثور عليها لدى عربي ومسلم "كمان" يجعلها كولونيا معدية، ولم تكن تلك واقعة استثنائية فقبلها اعتقلت سلطات مطار كندي مصريا يحمل مادة داكنة اللون في كيس بلاستيكي ضخم، وتم إعلان حالة استنفار قصوى، وحبسوا صاحبنا في زنزانة تحت رقابة مشددة، وأرسلوا الكيس إلى المختبرات، ولسوء حظ صاحبنا أفادت تقارير المختبرات أن المادة عشبية "ولكننا لا نعرف خواصها واستخداماتها ونحتاج لمهلة أطول لفك طلاسمها"، وبموازاة كل ذلك ظل الرجل يقول للمحققين إن تلك المادة ملوخية مجففة، فأدخلوا كلمة "ملوخية: في محرك البحث "غوغل" الذي أنكر معرفته بها. 

وعندما أدرك الرجل أنهم يشتبهون في أنه إرهابي مسلم يحمل مادة للدمار الجزئي أو الشامل، قال لهم: انظروا إلى جواز سفري وستكتشفون أنني مسيحي (قبطي)، فكان الرد: أعلى هامان يا "فرعوني"، أنتم معشر الإرهابيين ترتدون ملابس نسائية لتنفيذ مخططاتكم الإجرامية، فما الذي يمنعكم من الارتداد عن الإسلام على الورق؟ وسافر وفد أمني رفيع المستوى إلى القاهرة للقاء نظرائهم المصريين المشهود لهم بأنهم يستجوبون الأرنب لدقائق فيعترف بأنه "أسد"، وبعد نظرة بالعين المجردة إلى تلك المادة ضحك رجال المخابرات المصرية وقالوا للكنديين إنها ملوخية، وتحدث دمارا فقط للجهاز الهضمي لمن يأكل منها كثيرا.

والشاهد يا أحباب، ونحن على أعتاب الصيف الذي هو موسم الهجرة إلى الشمال، هو ألا تورطوا أنفسكم في الشبهات فلا تحملوا معكم كولونيا، وإياكم وأكلاتنا ذات الأسماء المريبة: المنسف والكبسة والهريس والفسيخ... إلخ، والويل لمن يحمل معه خلطة غذائية، وعندما يسألونه عنها في مطار غربي يقول: هذه أم علي وهي أكلة شهية!! هذا كلام سيمرغ سمعتنا أكثر في التراب، لأنهم سيتهموننا بأننا أكلة لحوم بشر مجففة ومهروسة، ومخلوطة بالمكسرات
0
التعليقات (0)