سياسة عربية

الصحفيون الفرنسيون الأربعة يروون معاناتهم في سورية

الرئيس الفرنسي يستقبل الصحفيين الأربعة لدى وصولهم إلى قاعدة عسكرية قرب باريس الاثنين (أ ف ب)
الرئيس الفرنسي يستقبل الصحفيين الأربعة لدى وصولهم إلى قاعدة عسكرية قرب باريس الاثنين (أ ف ب)

الإيهام بالإعدام والجوع والظلمة ورقعة الشطرنج المصنوعة من علبة جبنة فارغة وتذكر الاحداث الكبرى في تاريخ فرنسا لتمضية الوقت او التراشق بكرات الثلج مع الخاطفين، تلك كانت حياة الصحفيين الفرنسيين الاربعة المفرج عنهم في سورية.

فبعد يومين من الافراج عنهم بعد احتجازهم 10 اشهر على أيدي مجموعة يعتقد أنها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، روى الصحفيون الفرنسيون الاربعة بالتفصيل يومياتهم الصعبة، لكنهم حرصوا في المقابل على عدم البوح بمعلومات قد تعرض صحفيين غربيين لا يزالون محتجزين في هذا البلد للخطر، خصوصا الامريكيان اوستن تايس الذي فقد في آب/ اغسطس 2012 وجيمس فولي الذي تعاون مع وكالة فرانس برس وفقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

وخطف الصحفيان في اذاعة "اوروبا 1" ديدييه فرنسوا (53 عاما) والمصور ادوار إلياس (23 عاما) في السادس من حزيران/ يونيو 2013 بعد ان عبرا الحدود التركية السورية.

وروى ديدييه فرنسوا للإذاعة: "قال لنا رجال ملثمون لا تقلقوا قد نتمكن من معالجة الامور خلال ساعة (...) الا أننا وجدنا انفسنا بعد قليل من دون أحزمة أو أحذية لكي لا نهرب، وطبعا من دون هواتف نقالة".

وأضاف منذ الايام الاولى كان "الضغط كبيرا" وبقيا أربعة ايام من دون طعام او شراب "وتم تكبيلنا بجهاز تدفئة"، موضحا ان الهدف من الضرب كان "القضاء على أي مقاومة لدينا".

وروى فرنسوا "تعرضت لأعمال إيهام بالاعدام، فوهة مسدس على صدغي او جبيني". لكن "الإيهام بالإعدام لم يثر توتري بشكل خاص حيث كان باديا ان الامر كان ممارسة الضغط" عليه، بحسب الصحفي البالغ 53 عاما.

"لو قرروا قطع رأسي او اطلاق الرصاص علي، فالمسألة لها طقوس. لكنني محظوظ لأنني اعلم تماما هذا النوع من الامور. تابعت قضايا الرهائن فترة طويلة وعن قرب، وأعرف آلياتها الى حد ما... أدركت انهم لم يصلوا الى حدهم الاقصى".

وتابع: "هذا امر مطمئن ويجيز مزيدا من السكينة"، علما انه غطى نزاعات كثيرة كالشيشان وكوسوفو والشرق الاوسط والعراق.

كما تحدث فرنسوا عن حياته اليومية في الحجز، حيث امضى اغلبية الوقت برفقة ثلاثة رهائن اخرين صحفيين في كهوف "ذات ابواب حديدية وقضبان على جميع الفتحات".

الايام الاولى كانت الاكثر صعوبة. "يضعونك مباشرة في الجو، والضغط هائل جدا. اربعة ايام بلا طعام او شراب. في اليوم الرابع بلا مياه، تبدأ المعاناة الفعلية، وأنت موثق اليدين الى الحائط مع الضربات. الهدف هو كسر ارادة المقاومة".

وروى ادوار إلياس المصور الذي اختطف مع فرنسوا في شمال حلب في 6 حزيران/يونيو 2013 انه فكر على الاخص بعائلته في اثناء اعتقاله. "وهذا امر معقد جدا"، بحسبه.

وقال: "كان يمكن ان يكون الامر اسوأ. حصلت تقلبات في الوضع، كنا بصحة جيدة، وهذا الاهم" متحدثا عن "مخاطر المهنة".

وبعد اسبوعين في 22 حزيران/ يونيو خطف نيكولا اينان (37 عاما) والصحفي لمجلة لو بوان الفرنسية بيار توريس المصور المستقل الذي خطف في الرقة شرقا.

وفي اليوم الثالث نجح اينان في الفرار وركض مسافة 10 كيلومترات "في الارياف السورية قبل ان يحتجز مجددا". ولم يحاول ديدييه فرنسوا وادوار الياس الفرار. وقال ديدييه فرنسوا: "بقينا دون احذية لعشرة اشهر". ثم "أرغمنا على ارتداء ملابس ذات الوان قوية وزاهية. فمن غير الممكن ألا يراك احد".

وبعد استجواب كل واحد على انفراد تم تجميع الصحفيين الاربعة وظلوا معا معظم الاوقات في "قبو بابه حديدي وضعت قضبان على كل فتحاته". وكبل الصحفيون الاربعة لشهر ونصف، ولم يروا النور إلا لاسبوعين او ثلاثة عندما كانوا في منزل.

وقال اينان انه تم نقلهم من مكان الى اخر 10 مرات وأحيانا قرب خط الجبهة. وعانوا من البرد وقلة الطعام وكانوا يعرفون الساعة من أوقات الصلاة اليومية. وكان الصحفيون منقطعين تماما عن العالم الخارجي، لكنهم علموا بوفاة نيلسون مانديلا التي أبلغهم الخاطفون بها.

ولتمضية الوقت، صنع ادوار الياس مع ديدييه فرنسوا رقعة شطرنج من علبة جبنة فارغة. وبدأ الاثنان يستذكران الاحداث المهمة في تاريخ فرنسا، ويعلم الواحد الاخر فن التصوير او الغطس.

ورفض الصحفيون التحدث عن العنف الجسدي. وذكر اينان ان "سورية كانت على الدوام مركزا عالميا كبيرا للتعذيب". وأشار ديدييه فرنسوا الى "الضرب" والايهام بالإعدام "بوضع المسدس على الجبين".

وقال ديدييه فرنسوا "كانت معاناة طويلة لكننا لم نفقد أبدا الأمل. من حين لآخر كنا نحصل على القليل من الاخبار وكنا نعلم ان الجميع في حالة تعبئة من اجلنا" قبل ان يشكر "الدبلوماسيين ورجال الاستخبارات الذين قاموا بعمل رائع في تكتم شديد على مدار الساعة وطيلة ايام الاسبوع السبعة لمحاولة إخراجنا من هناك".

ومع الخاطفين الذين كانوا يتحدثون الفرنسية بطلاقة، كانت المعاملة "قاسية احيانا" و"هادئة احيانا". ويستذكر ديدييه فرنسوا "المشهد السريالي" عندما دخل الخاطفون الى الغرفة التي كنا مجتجزين فيها واعتقدنا انهم يدخلون الينا الطعام، وبدلا من ذلك "ادخلوا كميات من الثلج وبدأوا يرشقوننا بها".


وقال فرنسوا "امضينا عشرة اشهر كاملة في اقبية تحت الارض لا نرى منها ضوء النهار وشهرا ونصف كاملين مقيدين إلى بعضنا البعض"، مؤكدا ان ظروف الاحتجاز كانت "قاسية".

وأضاف: "في بلد يعيش حالة حرب لا يكون الامر سهلا دائما سواء بالنسبة للطعام او المياه او الكهرباء، وأحيانا كانت المعارك قريبة جدا من مكاننا وكان يتم نقلنا سريعا في ظروف صعبة".

وبدا التأثر الشديد على نيكولا اينان امام الكاميرات وهو يحمل طفليه بين ذراعيه. وقال بصوت مخنوق من شدة التأثر ردا على سؤال حول ما اذا كان لقي معاملة جيدة: "ليس دائما"، مضيفا: "لم تكن الامور سهلة دائما".

وكان روى قبل ذلك لشبكة "فرانس 24" انه حاول الفرار وفشل، موضحا انه تم "نقله لفترة طويلة من مكان احتجاز الى آخر".

وقال: "ان الخطر الاكبر واجهته بعد ثلاثة ايام من خطفي لأنني هربت وقضيت الليل اجري تائها في الريف السوري قبل ان يمسك بي الخاطفون مجددا".

وتابع مراسل مجلة لو بوان: "تنقلت بين عشرة مواقع احتجاز بالاجمال... وفي معظم الوقت كنت مع اشخاص آخرين، ولا سيما بيار توريس الذي سرعان ما انضم إلي"، واصفا تجربته في الاسر بأنها "متاهة طويلة من موقع احتجاز الى آخر".

وعثرت دورية للجيش التركي ليل الجمعة السبت على الصحفيين الفرنسيين الاربعة مكبلي الايدي ومعصوبي العيون في منطقة عازلة عند الحدود بين تركيا وسورية، قرب مدينة اكجاكالي الصغيرة جنوب شرق تركيا.

وعاد الصحفيون إلى بلادهم الاثنين، حيث كان في استقبالهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

وكشف وزير الخارجية الفرنسي ان بعض محتجزيهم كانوا يتحدثون الفرنسية، مذكرا بأن "فرنسيين وبلجيكيين وإيطاليين وأوروبيين عامة توجهوا إلى سورية للجهاد".

من جانبه، شدد الرئيس الفرنسي على ان بلاده "لا تدفع فدية" في قضايا الرهائن. وقال "انه مبدأ مهم جدا بالنسبة لنا ان لا نشجع محتجزي الرهائن على اسر اخرين. كل شيء جرى عبر مفاوضات ومباحثات".

وتحدث النائب الفرنسي آلان مارسو الجمعة عن امكانية حدوث "بادرة" من "دول صديقة" أي تقديم اموال او اسلحة من قطر او الامارات العربية المتحدة.

وقال مصدر قريب من الملف ان اجهزة الاستخبارات الفرنسية كانت "منذ البداية تترصد آثار" الرهائن.

وأضاف المصدر نفسه ان الاستخبارات الفرنسية "كانت قادرة دوما على رصد الرهائن" في سورية، مشيرا الى "تنسيق وثيق" مع اجهزة الاستخبارات البريطانية والاسبانية والأمريكية، وأيضا مع تركيا "الشريك في إخراج الرهائن".

من جهتها، قالت مصادر في الكتائب المقاتلة في سورية لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء؛ إن دولة "قطر وليس غيرها" لعبت "دوراً أساسياً في تحرير أربعة صحفيين فرنسيين مختطفين في سورية منذ حزيران/ يونيو العام الماضي، وقد شاركت شخصيات في المعارضة السورية السياسية والمسلحة في عمليات التفاوض والإفراج عن الصحفيين". وأضافت المصادر أن "قصة اختطف الصحفيين معقدة للغاية، وتم تنقلهم من جهة مسلحة إلى جهة مسلحة أخرى، وعملية الإفراج عنهم لا تقل تعقيداً عن اختطافهم".

ومنذ آذار/ مارس 2011، خطف نحو ثلاثين صحفيا أجنبيا في سورية. ورغم الإفراج في الاسابيع الاخيرة عن العديد من الصحفيين الأوروبيين، فإن عددا كبيرا آخر من الصحفيين بينهم الامريكيان اوستين تايس الذي اختفى منذ اب/اغسطس 2012 وجيمس فولي الذي اختفى في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 والذي كان يتعامل مع فرانس برس، ما زالوا محتجزين. ويعتقد أن بعض هؤلاء الصحفيين محتجزون لدى النظام السوري بحجة دخولهم بطريقة غير مشروعة.
التعليقات (0)

خبر عاجل