مدونات

الطوبيا بين الواقع والمأمول

ابراهيم هلال إبراهيم
ابراهيم هلال إبراهيم
ما هي الطوبيا ؟ 

الطوبيا كلمة نتجت عن تعريب مصطلح " يوتوبيا" والذى يعني المدينة الفاضلة.

ظهر هذا المصطلح أول ما ظهر عند فلاسفة اليونان الأوائل قبل الميلاد وخاصة عند الفيلسوف أفلاطون الذي قدم نظريته في فلسفة "المثل"، وبعيدا عن تلك النظرية التي لن نتعرض لشرحها إلا أن المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا التي نادى بها أفلاطون كانت متتالية  لنظريته تلك فقد نادى أفلاطون في كتابه الشهير " الجمهورية" بإقامة المدينة الفاضلة التي سيحكمها الفلاسفة وستقيم العدل والمساواة المطلقة  وتنتهى عندها كل المشاكل في تلك المدينة لا مكان للضعفاء والمرضى والكسالى والعاطلين وعديمي القيمة وسيبقى فقط الأسوياء الأصحاء الأقوياء وذوى الفائدة والنفع للمجتمع وهذه المدينة الفاضلة أو حتى تصورها كانت ومازالت موجود في عقل الإنسان منذ الأزل .

فلم تكن محاولات أفلاطون هي الأخيرة بل جاءت بعده محاولات عديدة منها ما طرحه" توماس مور" عن تصوره للمدينة الفاضلة فقد اقترح مدينة على هيئة هلال يوجد بها عدد معين من البيوت وعدد معين من الناس وعدد معين من المزارع وكل الناس بتلك  المدينة تصرفاتهم كلها محسوبة ومضبوطة ومُرَشدة فهم لهم معاد محدد لتناول طعامهم في مكان معين مع بعضهم ولهم وقت نوم معين ولكل منهم وظائف محددة لا يستطيعوا تغيرها وبذلك كما يقول "توماس مور" سوف يتم تفادى جميع المشاكل وتحقيق السعادة والمساواة المطلقة كذلك لا ننسى ما طرحه "الفارابي" الفيلسوف المسلم في كتابه المدينة الفاضلة.

لكن كل تلك التصورات ظلت حبيسة العقول والكتب حتى آتى "ماركس" الذي عاصر بداية التحول من الإقطاع إلى الرأسمالية وشاهد معاناة العمال والفقراء والكادحين وعاين كبار  رجال الأعمال وأصحاب المصانع وهم يكدسون الأموال ويسرقون قوت الكادحين فقرر ماركس أن يغير العالم، كان ماركس إنسانا حقا عندما شعر بغياب العدالة والمساواة في ذلك العالم وقرر أن يسعى لتحقيق العدالة والمساوة والسعادة في عالمه الجديد.

فاستفاد ماركس من الفلسفة الجدلية التي قدمها الفيلسوف "هيجل" وقرر أن يطورها ويبنى عليها فلسفته فطرح سلم التدرج الماركسي الذي سيقود للعالم المثالي أو الطوبيا أو المدينة الفاضلة الذي يبدأ بالثورة على هذه الأوضاع الراهنة وتلك الممارسات الظالمة لرجال الأعمال ورجال الدين المسيحي لاستعادة الثروة ليد الكادحين فيما يعرف بديكتاتورية البورليتاريا.

ثم يبدأ العصر الاشتراكي الذي تصبح فيه كل الثروات فب يد الدولة التي تحكمها البروليتاريا " الطبقة الكادحة" .

ثم ننتقل إلى العصر الشيوعي الذي تصبح فيه كل الأموال وكل الملكيات مشاع للجميع وتنتهى فيه كل الأزمات والمشاكل والصراعات !!ألا يذكرنا ذلك بشيء يخص الإسلامين؟؟

المهم هنا أن تلك المحاولة لم تبق حبيسة الكتب أو العقول بل تحققت على ارض الواقع بقيام الثورة البلشفية 1917 ثم قيام الاتحاد السوفيتي بعدها وخوضه الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.

ثم الانتصار بقيادة ستالين ثم بدأت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينات القرن العشرين. 

وبذلك انتهت التجربة الشيوعية بالفشل وسقط الحلم الذي حلم به ماركس ولم يتحقق العالم المثالي ولم توجد المدينة الفاضلة.

وبعيدا عن مناقشة أسباب سقوط الاتحاد السوفيتي سواء السياسية أو الفلسفية ألا أننا نناقش هنا فكرة الطوبيا.

لقد ناقش عديد من المفكرين تلك الفكرة بالذات لأنها كانت و راء قيام كل إيديولوجية وخلف كل حركة تحرير أو تغير عبر التاريخ 
فلا تزال تلك المحاولات التي طرحها فلاسفة ومفكرون عبر التاريخ تعبر عن نفسها في أحداث كثيرة نشهدها تلك الأيام. 

وإن كانت فكرة الشيوعية قد سقطت فلا تزال هناك أفكار عديدة تبغى تحقيق العالم المثالي بطرق مختلفة لا تزال قائمة قيد التجريب إلى أن تسقطها سنن التاريخ.

فمثلا فكرة الدولة القومية الحديثة التي تحتكر السلاح ربما تكون أيضا شكل من أشكال الوسائل التي طرحها الفلاسفة لتحقيق العالم المثالي فربما تعود تلك الفكرة للفيلسوف هوبز الذي اقترح الدولة التنين كما سماها لحل المشاكل أو تعود إلى هيجل الذي طرح أن نهاية الديالاكتيك أو الجدل بين الفكرة ونقيضها سيظهر في شكل الحق الذي يتجلى في  التاريخ في ثوب الدولة.

ليست الدولة الطرح أو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العالم المثالي فهناك الصهيونية و الرأسمالية وحركات وأفكار وايدولوجيات عديدة تبحث عن ذلك العالم المثالي. 

لقد سعى الإنسان طويلا وما زال يسعى نحو عالم مثالي لا توجد به صراعات وتتحقق فيه قيم العدل والسعادة فهل هذا العالم موجود حقا أو يمكن تحقيقه على الأرض ؟

يتبع 
التعليقات (0)