كتاب عربي 21

نبيل فهمى: مربع التصريحات الفاضح

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
من الخطورة بمكان أن تخرج عن الجوقة الانقلابية جملة من التصريحات هنا وهناك وهم معتقدون أن مناخ التعتيم يمكن أن يسود، وكذلك ازدواجية الخطاب والتصريحات في إطار ثنائية الداخل والخارج معتقدين أنهم قد يصدرون خطابا للخارج لا يعلم به الداخل، وخطابا للداخل لا يتأثر به الخارج، وبدا هؤلاء يمارسون لعبة التصريحات تلك لتعبر عن حالة كاشفة حيث تعبر في محتواها عن حالة الانفصال عن الواقع ومقتضياته وعن قواعد تفاعل الاتصال وأدواته، ومن المؤسف حقا أن يقوم هؤلاء ليس فقط بإصدار التصريحات ولكن يترافق مع ذلك عملية تمريرها وتبريرها وأخطر من ذلك القيام بعملية ممنهجة في إنكارها بعد صدورها. لاشك أن تصريحات وزير الخارجية الانقلابي نبيل فهمي مؤخرا تعبر عن حالة نموذجية في هذا المقام إذ أكد مربع التصريحات عن تصريحات كاشفة، تدل على مشاهد إنقلابية فاضحة.

الأول يتمثل في تصريحات سابقة ساقطة تتواصل مع تصريحات لاحقة فاضحة تمثل عبثا بقضية الهوية؛ إذ يستخف المسؤول الانقلابي بهذه القضية ؛ ففي تصريح قديم له يبرر الحالة الانقلابية على ما أسماه نظام الإخوان شارحا أن "الخلاف مع الإخوان المسلمين ليس خلافا حول طبيعة الأداء السياسي للإخوان أو أسلوب إدارة الحكم، وإنما ينبع الخلاف من أسباب الحفاظ علي هوية المصريين التي هدمها تنظيم الإخوان عبر عام كامل من الحكم"؛ وهو أمر كاشف لهذه الحقيقة فاضح لهذا المشهد الانقلابي مشيرا الى التعامل باستخفاف كامل مع قضية الهوية، ومن ثم يأتي ويتواصل مع ذلك تصريح آخر للمسؤول نفسه يبرر من خلاله الانقلاب على الشرعية بأن "الرئيس محمد مرسي أراد تأسيس نظام إسلامي، ولم نكن نسمح له بذلك، ولم نجد إلا اللجوء للجيش"، وكذلك التعبير عن أن حقيقة الأزمة لم تكن فى كونها أزمة سياسية ولكن باعتبار ذلك صراعا وجوديا على حد تعبيره، وهذا يزكي المقولة السائدة بأن هناك حرباً علي الاسلام لا الإخوان– تزكية للمباراة الصفرية وتأكيدا على المسار الأمنى القائم على استئصال فصيل مجتمعى وسياسى بغطاء محاربة العنف والإرهاب المحتمل بما يؤكد خيار العنف كخيار سلطوي بالضرورة.

أما التصريح الثاني الذي ينفي من خلاله نبيل فهمي "أن يكون تولى المرشح لرئاسة الجمهورية المشير عبد الفتاح السيسى، (حال فوزه فى الانتخابات)، منصب رئيس الجمهورية بمثابة عودة للماضى، الذى يرغب الشعب المصرى فى تخطيه"؛ فرغم وجود مؤشرات واضحة ومشاهد كاشفة تؤكد على اعتماد حملة المرشح "السيسي" على رموز من النظام القديم بل واعتراف أحد أعضاء الحزب الوطني بقيام عدد من نوابه في مجالس الشعب السابقة بدور لا ينكر حتى الآن ولا يزال في حملة السيسي الانتخابية، وكذلك فإن جملة المصالح التي تشير إليها هذه التكوينات المساندة هى ذاتها التي كانت تعتمد عليها منظومة مبارك المخلوع في الحكم، وفي كثير من مشاهد أخرى تدل دلالة واضحة على تلك الاستمرارية بين منظومة الانقلاب والنظام القديم وفي إطار واضح من إنكار ثورة 25 يناير وتمرير وصفها بالمؤامرة أو على الأقل التشكيك في هذه الثورة استبدالا لها بـ"سهرة 30 يونيو" وانقلاب الثالث من يوليو، في هذا الإطار فإن هذا القول المرسل من وزير الخارجية ليس إلا من قبيل الدعاية وفائض الكلام تكشفه كثير من المواقف والممارسات، وتفضحه كثير من الأفعال والسياسات. 

التصريح الثالث: والذي مفاده أن مصر ليس لديها خيار.. فسلاحنا وطعامنا وطاقتنا ومياهنا من الخارج، إن هذا التصريح يعبر عن تبرير فاضح لحالة التبعية للخارج يؤكد فيها على مسار السياسة الخارجية لمصر وعلاقاتها، رغم أن الخطاب الإعلامي في الداخل قد صدع رؤوسنا بمزيد من الكلام حول النظام المستقل وحول تحركات السيسي في إطار مسيرة الاستقلال والاستقلالية بما يعبر عن حالة عنترية روّج لها هؤلاء استحضارا واستدعاء  للحقبة الناصرية في حملة إعلامية وإعلانية من وقوف النظام المصري في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والتبعية لها، ومتابعة التصريحات التي أدلى بها المشير السيسي إلى شبكة فوكس نيوز والذي يعبر فيه عن الامتنان للمساعدات الأمريكية وأنه لا يستطيع أن ينقلب على هذه العلاقات مواصلا منطقه "أنتم مش عارفين إن أنتم نور عنينا"، إنها حالة من الانفصام فى المواقف والازدواج فى الخطاب للتعبير تلك الحالة الإنقلابية.

أما التصريح الرابع فيشير إلى هذا الوصف الذي يتعلق بطبيعة العلاقات المصرية الأمريكية باعتبارها علاقة "زواج شرعي وليس نزوة عابرة"، ليعبر بشكل فاضح وبتعبيرات فجة عن هذه الحالة من التبعية والتعبير عن عدم القدرة على اختيار التعبيرات المناسبة في وصف هذه العلاقة رغم أن هؤلاء قد صدعوا رؤوسنا من قبل على ضرورة أن من يتعرض لحكم هذه الدولة أن يكون رجل دولة فى خطابه وتصرفاته، هذا الأداء المتدني إنما يعبر بحق عن مزاج عام فى خطاب بعد الحالة الانقلابية ملىء بـ"الايحاءات الجنسية" وإقحامها على الحالة السياسية من مثل أن يكون المتحدث العسكري "جاذب للسيدات" كأحد مسوغات تعيينه، والخطاب الذي شاع وذاع بين هؤلاء الذين تحدثوا عن "وسامته" وبعض هؤلاء الذين أشاروا إلى أنهم "رهن إشارته ليكونوا له ملك يمين" أو أن "نساء مصر حبلى بنجم السيسي"؛ كل هذه الإيحاءات ورؤية تصريحات وزير الخارجية الانقلابي عن طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية تشير إلى حالة مزاج عام يختلط فيه الخطاب الجنسي بالسياسى، يمتد فى تجلياته بين أدعياء الدعوة، وأدعياء السياسة حينما يعبر شيخ "حزب النور" عن تخلي الزوج عن زوجته المغتصبة في حال تيقن الضرر الذي يحيط به في محاولة منه لإسقاط ذلك على قضية اغتصاب السلطة، تبريرا لمواقف الانصياع والانبطاح والاستسلام للاغتصاب الانقلابى.

مربع التصريحات تلك إنما يعبر عن منظومة شديدة الخطورة تعبر عن تصريحات كاشفة وعن شواهد ومشاهد انقلابية فاضحة لطبيعة الرؤى والسياسات المختلفة التي تتبناها المنظومة الانقلابية ضمن لغة تتدنى في مفرداتها، وتهوي في تشبيهاتها إلى درك من الأوصاف الدنيا تعبر عن حالة صادمة لا يمكن أن تؤشر على سلوك يتعلق بحال المسئولية أو بحال خطاب رجال الدولة؛ فالأمر هنا يعبر عن تهافت المنظومة الانقلابية في خطابها وسياساتها ظنا منها أن ذلك الخطاب قد يكسبها شرعية أو يؤسس لها طريقة تقدم فيها القرابين من موقف ضعف لاكتساب شرعية من داخل أو من خارج يتدنى فى أدائه لينال من كرامة المواطن ومكانة الوطن.  
التعليقات (0)