بورتريه

بورتريه.. يساري يجلس على كرسي الإسلاميين

المرزوقي - بورتريه
المرزوقي - بورتريه

يتهمه خصومه بأنه يساري صعد على سلم الإسلاميين في حين يرى آخرون في ذلك براعة سياسية كبيرة أتاحت له الوصول بتونس إلى حالة من التوافق والتعايش الوطني.

سياسي بملامحه السمراء، وشخصيته العنيدة، وموهبته في الخطابة واستخدامه للجمل الموجزة والمعبرة، أصبح الرئيس الرابع لتونس منذ الاستقلال، وهو أيضا مفكر وسياسي ومدافع عن حقوق الإنسان، ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منذ تأسيسه حتى كانون الأول/ ديسمبر عام 2011، ويحمل شهادة الدكتوراه في الطب. 

ولد المنصف المرزوقي لعائله من جنوب تونس في قرية قرنبالية عام1945، ونشأ في ظروف صعبة للغاية كانت تمر بها أسرته بسبب ملاحقة السلطات لوالده، ويقول في مذكراته أن والدته باعت مصاغها وكل ما تملك من أجل إلحاقه في هذه المدرسة (الصادقية) لأنها كانت تعتبر مدرسة النخبة في تلك الفترة.

غادر تونس للالتحاق بوالده عام 1961، الذي عمل وعاش في المغرب مدة 33 عاما هرباً من أجهزة الأمن التي كانت تحكم البلاد أثناء مرحلة الاستقلال، وتزوج والده من امرأة مغربية.

درس بطنجة بالمغرب حتى عام 1964 حصل خلالها على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ثم سافر إلى فرنسا لمتابعة الدراسة في جامعة ستراسبورغ، كلية العلوم الإنسانية، وهناك تزوج  من الفرنسية بياتريكس راين. ليعود بعدها  إلى تونس في عام 1979، للعمل  كأستاذ مساعد في قسم الأعصاب في جامعة تونس. 

شهدت سنوات التسعينيات بدء نشاطه السياسي ومواجهته مع السلطة، فاعتقل في عام 1994 بعد أن أعلن أن حزبه هو حزب مقاومة لا حزب معارضة، وطالب من خلاله بإسقاط نظام بن علي، وذلك لـ"إيمانه بأنه نظام فاسد غير قابل للإصلاح". ثم أطلق بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية بعد حملة دولية وتدخل من نيلسون مانديلا شخصيا. 

دعا إلى عصيان مدني بهدف إسقاط نظام بن علي، ولكنه رحل إلى فرنسا بعد خمسة أيام تعرض خلالها إلى الترهيب والتضييق الشديد من قبل البوليس السياسي.

وغادر إلى المنفى في عام 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس وبقي هناك حتى أعلن عن عزمه العودة بدون أخذ الإذن من السلطات التونسية، وعاد إلى تونس في كانون الثاني/ يناير من عام 2011.
وشارك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 مع حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي حاز على المركز الثاني بـ29 مقعدا بعد "حركة النهضة الإسلامية" وحصل المرزوقي على مقعد البرلمان.

انتخب رئيساً مؤقتاً لتونس في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2011 بواسطة المجلس الوطني التأسيسي بعد حصوله علي أغلبية 153 صوتاً.

وأعلن بعد انتخابه، عن تخفيض في "المرتب القانوني" لرئيس الجمهورية إلى الثلث، قائلاً إنه أعطى تعليمات بمزيد من التقليص في نفقات رئاسة الجمهورية قدر الإمكان وقال: "نحن نواجه أزمة مالية واقتصادية وعلى الدولة أن تعطي النموذج والقدوة ". ويبلغ راتب المرزوقي 30 ألف دينار تونسي (19 ألف دولار).

يحاول دائما إعطاء انطباع بمدنية الدولة التونسية رغم أنه يعتقد "أن الدولة ليست محقة دائما" مضيفا "لا تصدقوا الدولة ولا تثقوا فيها لأن الدولة يمكن أن تخطئ ويمكن أن تسقط في أيادي غير أمينة وبالتالي فمن الضرورة أن يكون هناك مجتمع مدني قوي جدّا".

وكنوع من كسب الرأي العام التونسي اعتذر المرزوقي لكل المعذبين طيلة 50 سنة في تونس قائلا: "سنناضل ضد التعذيب والمعاملة غير الإنسانية لأن هذه الآفة تدمر الإنسان. وأضاف "أن أي دولة تقبل التعذيب هي غير جديرة بالسلطة "مطالبا الدول العربية بتوقيع لائحة ترفض التعذيب وتجرمه.

وينادي المرزوقي مثل سائر الليبراليين "بضرورة فصل الدين عن الدولة" لماذا؟ " لأن كل تجربة تاريخية لكل الشعوب تثبت أن المزج بينهما دوما يقع لصالح الدولة التي تستعمل الدين كغطاء للاستبداد، فالدولة بطبيعتها سياسية والسياسة صراع مصالح، والدين داخل هذه المنظومة ليس سوى ورقة في يد الفرق السياسية".

لا يحب التشهير والانتقام من خصومه، وعندما صدر في أواخر عام 2013، عن رئاسة الجمهورية كتاب بعنوان "منظومة الدعاية تحت حكم ابن علي - الكتاب الأسود" الذي يفتح أرشيف الإعلاميين الذي تعاملوا مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من التونسيين والعرب والأجانب، حاول تبرير نشر الكتاب  بقوله "أعطينا الوثائق التي عثرنا عليها إلى المجلس التأسيسي، وطلبنا منه تقديمها للعدالة الانتقالية، ولما تأخر المجلس في ذلك، قمت بواجبي".

وأوضح أن "الكتاب الأسود" لم يكن أصلا معدا للنشر، لكنه جهز لتوزيع نسخ منه إلى الجهات المختصة، وسرق من المطبعة".

يبدو المرزوقي منسجما مع نفسه دون أن يجامل اللاعبين الرئيسيين في تونس بقوله : "الناس في الغرب يعتقدون أن في تونس ومصر الإسلام السياسي تغلب على الديمقراطية، والوضع كليا عكس ذلك(...). الجزء المركزي من  الطيف الإسلامي، هو الآن جزء من المنظومة الديمقراطية واللعبة الديمقراطية (...) لذا يمكنني القول بأن الديمقراطية متغلبة على الحركة الإسلامية لأن الإسلاميين أصبحوا ديمقراطيين".

واعتبر أن حزب "النهضة ليس الشيطان ويجب عدم اعتبارهم طالبان تونس لأنهم فصيل معتدل من الإسلاميين".

ولا تبتعد مواقفه عن القضايا العربية بعيدا عن مثل هذا الموقف، ولم يقف مع رؤية الأحزاب العربية اليسارية لهذه القضايا، فلم يجامل الحكم الجديد في مصر بعد الانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي، ففي  أيلول/ سبتمبر من عام 2013، وأثناء كلمته في الأمم المتحدة في نيويورك، طالب السلطات المصرية بإطلاق سراح مرسي وفتح معبر رفح مع غزة بسبب "المشاكل التي تواجهها فلسطين وأخواتنا هناك" كما قال.

المرزوقي لا يدعم  أي نوع من التدخل الأجنبي في سورية فهو يؤمن أن "تسليح السوريين سيؤدي إلى حرب أهلية، وأعتقد أن ذلك ليس خيارا جيدا" يضيف" أنا لا أزال أؤمن أن الحل الوحيد لا بد أن يكون سياسي، وأننا يجب أن نجد أرضية مشتركة بين المعارضة والنظام (...) أنا لا أزال أؤمن أن الحل الوحيد هو السيناريو اليمني".

تونس لم تدخل في حرب أهلية، والثورة المضادة لم تنتصر، والمال السياسي العربي الذي ضخ في تونس لجر البلاد لحرب أهلية فشل في تكرار السيناريو المصري، فتونس منذ التأسيس كانت دولة عصرية، وبعد الثورة أكد دستورها الجديد على أن "تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب وعلوية". و"يعتبر الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء".

يمثل المنصف المرزوقي جيل الثورة، وهو يدرك الواقع الدقيق لتونس وللأمة العربية، لذلك اختلف مع رفاق دربه ممن وصفهم بـ "اليسار العلماني والفرنكفوني القديم المنقطعين كليا عن القضايا الحقيقية للشعب التونسي" بدءا من عام 2003 وبخاصة فيما يتعلق بموقفهم من حزب النهضة.

ويتهم المرزوقي أحزاب أقصى اليسار باستغلال الاحتجاجات الاجتماعية ''لتخريب الثورة''، هم ''ومجموعة من أزلام النظام البائد''.

ومع تمسكه بموقعه اليساري، اقترب من الإسلاميين بسبب إيمانه الشديد بضرورة التمسك بالهوية العربية الإسلامية، وهو ما ساعده في حملته الانتخابية الأخيرة. وربما في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ينوي الترشح لها.
التعليقات (0)