نجح السياسي العراقي المخضرم أحمد الجلبي في إحداث اختراق في العقلية الأميركية تجاه إيران، مستفيدا من تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بأن روج لنظرية تقول إن
الإرهاب سُنّي، وإن على أميركا أن تتحالف مع إيران لمواجهة الإرهابيين
السنة. وبالفعل، تحالفت إيران مع أميركا في حربيها على أفغانستان والعراق. واليوم، في ظل الصفقة النووية مع إيران، جرى إحياء هذه النظرية، وأدرج فيها بشار الأسد الذي يراد إعادة إنتاجه أمام العالم من مستبد وحشي دموي إلى حاكم منتخب يحارب الإرهاب "السني".
يمكن ترويج النظرية إعلاميا، لكنها تسقط إن جرى لها فحص تاريخي. وبعيدا عن الجدل المبدئي حول مفهوم الإرهاب، يمكن "سياسيا" إجراء الفحص وفق المفهوم البراغماتي الأميركي للإرهاب، باعتباره أي عمل عنيف يستهدف المصالح الأميركية، سواء كانت عسكرية أم سياسية، في منطقة الشرق الأوسط. ونجد أن تلك المصالح لم تستهدف من منطلق "ديني" قبل الثورة الإسلامية في إيران العام 1979.
في ذلك العام، نقل الخميني العداء إلى أميركا من حيز السياسة المتغيرة إلى العقيدة الثابتة. فوصفها بـ"الشيطان الأكبر"، وصار الإيرانيون يرددون مع تسابيح الصلاة "الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل". ميدانيا، بدأ العمل "الإرهابي" باستيلاء الطلاب الثائرين على مبنى السفارة الأميركية، واختطاف الفريق العامل فيها. وبعدها في العام 1982 استهدفت مجموعات شيعية تابعة لإيران مباني السفارة الأميركية ومقرات المارينز في لبنان بهجمات انتحارية. وذلك بموازاة استهداف حزب الدعوة للسفارة العراقية في بيروت.
في الأثناء، كان السُنّة يتحالفون مع أميركا؛ البلدان السنية الأساسية من تركيا إلى باكستان وأندونسيا إلى مصر والسعودية.. وحتى حركات الإسلام السياسي. في أفغانستان، قاتل الملا عمر وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري الاتحاد السوفيتي بدعم أميركي. وزودت أميركا وقتها المجاهدين بصواريخ "ستينغر" المضادة للطيران التي قضت على التفوق الجوي السوفيتي.
بعد دخول القوات الأميركية للمنطقة إثر احتلال صدام حسين للكويت العام 1990، بدأت المواجهة مع أميركا، ورفع ابن لادن شعاره "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب". وحصل تحالف موضوعي بين "القاعدة" وإيران؛ إذ قامت عناصر حزب الله السعودي بتنفيذ تفجير الخبر العام 1996، وكان من بين المتهمين لبناني مجهول الهوية يعتقد أنه عماد مغنية. في التحقيقات، ضمت الزنازين جهاديي "القاعدة" مع جهاديي حزب الله السعودي. وبعدها، لم يستهدف "الشيعة" المصالح الأميركية، في الوقت الذي توسع فيه استهداف القاعدة "السنية" للمصالح الأميركية في سفاراتها بأفريقيا، والمدمرة كول، وصولا إلى 11 أيلول (سبتمبر) 2001.
تبادل الاتهامات اليوم بين الطرفين؛ السنة والشيعة، هو محاولة للتقرب من أميركا وتعميق التحالف معها. وهذا يعكس ضعف الطرفين، بقدر ما يعبر عن عمق الحرب الأهلية الطائفية في المنطقة، بحيث يجد كل منهما أن أميركا أقرب إليه. في الواقع، أميركا حاربت في العالم كله وحوربت، وأول هجمات انتحارية تلقتها في تاريخها كانت على يد الطيارين اليابانيين. والأكرم لنا أن نتحدث عن مفهوم الإرهاب باعتباره ظاهرة بشرية لا تستثني طائفة ولا ثقافة ولا بلدا. الصحيح القول إن الإرهاب ليس سنيا ولا شيعيا.