صحافة دولية

كاتب بريطاني: الدين والسياسية متعايشان في المغرب

ملك المغرب محمد السادس مع رئيس وزرائه بن كيران - أرشيفية
ملك المغرب محمد السادس مع رئيس وزرائه بن كيران - أرشيفية
ناقش الصحفي البريطاني جوناثان ستيل في مقاله الأخير بصحيفة ميدل إيست آي (عين الشرق الأوسط) التجربة الإسلامية في المغرب مع مرور 30 شهرا من قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة.

وألقى ستيل الضوء على التغيير التدريجي في تجربة حزب العدالة والتنمية (مرجعيته الإخوان المسلمين) والذي وصفه المتحدث باسم الحكومة ووزير الاتصالات مصطفي الخلفي ب "الإصلاح في ظل الاستقرار".

وقارن ستيل تجربة العدالة والتنمية مع الأحزاب الأخرى ذات المرجعية الإسلامية الوسطية في أنحاء أخرى من العالم قائلا أن معظمها قد تحطمت آمالها على مدار الثلاثة أعوام الماضية، مثل الإخوان المسلمين في مصر (الذين يواجهون أحكاما بالإعدام في أعقاب انقلاب عسكري) وحركة النهضة التونسية (التي تنازلت عن الحكم لصالح حكومة تكنوقراط)، كما تعاني الأحزاب الإسلامية في ليبيا من انعدام الاستقرار وغياب سلطة الدولة، وفي سوريا تسيطر التيارات المتطرفة على المعارضة بعد انحسار دور التيارات المعتلة بسبب ضعف تسليحها.

أما في المغرب فالوضع مختلف، على حد قول ستيل. فهناك بعض مظاهر الاحتجاج السياسي ولكن الإسلاميين لازالوا يقودون الحكومة في ظل غياب شبه كامل لكافة أشكال العنف السياسي، ويستطيع معارضي النظام والصحفيين عقد اجتماعات علنية بدون الخوف من الملاحقة.

وتابع ستيل قائلا أن المغرب بها نسبة قليلة من السلفيين وأغلبهم مشاركين بالنظام، وقد أعفى الملك محمد السادس في 2012 العديد من قيادات السلفية التي كانت معتقلة بتهمة الحث على تفجيرات انتحارية في الدار البيضاء والتي أودت بحياة 45 شخص في 2003. وبعدها بثلاثة أشهر حضر الملك خطبة لمحمد فزازي وهو أحد الشيوخ الذين تم إطلاق سراحهم، في خطوة ترمز إلى المصالحة والإدماج. وقد تم تعيين مصطفى رامد أحد المحامين الذين دافعوا عن المعتقلين السلفيين وزيرا للعدل، وهو لازال يشغل المنصب الآن.

ووفقا لستيل يقول المحللين أن السبب وراء الهدوء الذي تتمتع به المغرب منذ بدء ثورات الربيع العربي هو أن حزب العدالة والتنمية مضطر للعمل في ظل تحالفات مع أحزاب أخرى، وهو ما قلل من احتمالات النزوع إلى التطرف، على حد قوله.

أما السبب الأعمق من وجهة نظره فهو قوة النظام الملكي المنوط بوضع أسس النظام السياسي. وقد لجأ الملك الحسن الثاني إلى القمع في مواجهة النقاد والإصلاحيين، وفي سنوات حكمه الأخيرة لجأ إلى أساليب خفية لاحتواء معارضيه، أما نجله محمد السادس الذي ورث العرش في عام 1999 فقد لجأ إلى نفس الأسلوب في احتواء المعارضة. فبعد الاحتجاجات التي بدأت منذ عام 2011 كان الملك هو من اقترح دستورا جديدا في صيف 2011، وقد ألزمه الدستور بتعيين رئيس الحزب الأكبر رئيسا للوزراء بعد الانتخابات.

ولكن ستيل أوضح أن هذه الخطوة نحو الممارسة البرلمانية العادية قد تم تقويضها من خلال وضع شروط أخرى مثل عدم أحقية أي حزب أن يحصل على أكثر من 20 بالمائة من مقاعد البرلمان، بغض النظر عن عدد المقاعد التي يفوز بها.

ويقول محمد البوقيلي من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في حواره مع ستيل أن "المستشارين الفرنسيين والسفارة الأمريكية لم يرغبوا أن تتشكل الحكومة من اليساريين، ولكنهم حاولوا جادين أن يقنعوا الملك بتشكيل حكومة إسلامية معتدلة. وقد وجدوا أن العدالة والتنمية لديه ما يؤهله لذلك من تنظيم وشعبية لدى الطبقات الفقيرة بسبب نظامه الخيري."

 

ويصف ستيل العدالة والتنمية بالحزب المحافظ، ويدلل على ذلك بحث أنصاره على عدم المشاركة في التظاهرات المضادة للحكومة في فبراير 2011، وعندما تولى الحكم في يناير 2012 بعد فوزه بالانتخابات تحالف مع حزب نخبوي وهو الاستقلال، وعندما سحب الأخير وزرائه من الحكومة الصيف الماضي أعطى العدالة والتنمية حقائب وزارية لحزب علماني آخر.

ويصف عبد الرازق الحنوشي المسئول في المجلس القومي لحقوق الإنسان الحكومة بالائتلافية، وليست الإسلامية، لأنها تحتوي على وزراء من ثلاثة أحزاب، وليس العدالة والتنمية فحسب.

أما مصطفى الخلفي المتحدث باسم الحكومة فيصف حزب العدالة والتنمية ب "حزب سياسي له مرجعية إسلامية، وليس حزبا إسلاميا." ويحث الإعلام والمجتمع المدني بالحكم على الحزب من خلال أعماله وليس بناء على أفكار نمطية. ويحدد أولويات الحزب كالتالي: "محاربة الفساد، دعم التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وتحسين الخدمات المقدمة إلى الفقراء والمحتاجين."

ويضيف ستيل أن حكومة العدالة والتنمية قد عملت على تحقيق شروط صندوق النقد الدولي مثل الخصخصة والإصلاحات في نظام المعاشات، فضلا عن خفض الدعم على الكهرباء والماء والبنزين وكذلك بعض المواد الغذائية، وذلك لخفض العجز في الميزانية، ويقول البنك الدولي أن الاقتصاد المغربي قد نما بمعدل سنوي نسبته 5% على مدار السنوات القليلة الماضية، وبالتالي فقد قلل من الفقر المدقع، ولكن لازال خمس السكان يعيشون تحت خط الفقر، ويعاني ثلث الشباب في المدن من البطالة.

ويتابع ستيل أنه على الرغم من تمتع العدالة والتنمية بشعبية لدى الطبقات الفقيرة إلا أن حي القورة في الرباط يشهد سخط ضد الحزب بسبب رغبة الحكومة في هدم الحي العشوائي.

ويقارن البعض العدالة والتنمية بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي برز كأكبر حزب سياسي في انتخابات 1997 وقام الملك آنذاك بتعيين قائده رئيسا للوزراء، وسميت بحكومة "التناوب"، والتي انهارت شعبيتها بعدما فشلت في تحقيق نمو اقتصادي أو سياسي، بسبب تقييد دورها في مقابل الدور الفعلي للملك.

ويقول ستيل أن نفس المصير قد يواجه العدالة والتنمية  اليوم. وقد تأسس الحزب في منتصف التسعينيات على يد عبد الكريم الخطيب السياسي المقرب من القصر، والذي فرض على الأعضاء تقديم البيعة للملك.

ولكن وزراء العدالة والتنمية، كما يقول ستيل، يؤكدون أنهم يقومون بإصلاحات هامة ستؤدي إلى المزيد من استقلال القضاء، وفرض سيادة القانون، ودعم حقوق المرأة، والمزيد من الشفافية من خلال إلزام رئيس الوزراء بتلقي مسائلات في البرلمان بشكل دوري وعرضها على التلفزيون الحكومي.

 ويقول آخرون أن العملية يشوبها البطء الشديد، وأن اثنين فقط من القوانين الإصلاحية التي نص عليها دستور 2011 قد تم تمريرها، ولازال ميثاق الصحافة الذي سيمنع الصحفيين من الاعتقال في قضايا الرأي معلق وسوف يستغرق شهورا كي يتم تنفيذه، ونفس الأمر ينطبق على التغييرات المرتقبة في القضاء العسكري كي يتم منع الجيش من محاكمة المدنيين.

ويصف الكاتب المغرب بأنها تعتبر نسبيا "واحة لحرية التعبير والسلم الاجتماعي في المنطقة"، ولكنه أردف بالقول أن النقاد يرون أن المغرب لا يجب أن ينظر إليها بشكل أفقي فحسب، ولكن يجب أيضا النظر إلى المحور الرأسي كذلك.

حيث يقول متوكل عبد الواحد رئيس القسم السياسي لجماعة العدال والإحسان ذات البعد الصوفي، أن "جميع الأحزاب قد فشلت في إصلاح النظام من الداخل، لماذا إذا نسلك نفس الطريق كي نفشل مجددا؟"

ويواجه العدالة والتنمية انتقادات مشابهة من أحزاب علمانية مثل الحزب الاشتراكي المتحد الذي تأسس في عام 2006. ويقول القيادي في الحزب مهدي لحلوح أن العدالة والتنمية هو "حزب القصر" وأنه ينفذ ما يريده القصر، وأن الملك يستخدمهم "لتوفير الحماية الاجتماعية لنفسه". 

ويقول مصطفى الخلفي وزير الاتصالات المغربي في حواره مع الكاتب في ختام التقرير أن الاستقرار في المغرب له أربعة عوامل: التعددية السياسية وحكمة الأحزاب الرئيسية في رفض الانضمام للحركات الثورية، وفعالية المجتمع المدني، والإجماع وراء خارطة طريق للإصلاح عبر الدستور الجديد، والدور المركزي للملكية في قيادة الإصلاحات. ويؤكد: "نحن لسنا هنا لتحدي جلالة الملك، بل للعمل تحت قيادته بالتعاون مع الآخرين. ولن تنجح إلا إذا فعلنا ذلك بطريقة تدريجية. الملكية ليست هي المشكلة. إنها الحل".
0
التعليقات (0)

خبر عاجل