ملفات وتقارير

كيف تدير الاستخبارات العسكرية الإعلام الإسرائيلي؟

يعمل في الرقابة العشرات من المدنيين الإسرائيليين بالإضافة للجنود - أرشيفية
يعمل في الرقابة العشرات من المدنيين الإسرائيليين بالإضافة للجنود - أرشيفية
"علينا ألا نعطي معلومة للعدو، علينا ألا نساهم في دب الفزع في أوساط الجمهور". جملة قالها أول رئيس وزراء في إسرائيل ديفيد بن غوريون عام 1948، رسمت استراتيجية يسير فيها الإعلام العبري، وعبرت عن حرصه للحفاظ على صورة دولته وتماسك كيانه الداخلي.

هذا الحرص جعل وسائل الإعلام الإسرائيلية أسيرة لما يسمى بـ"الرقيب العسكري"، الذي أصبح الآمر الناهي في نشر أي خبر يخص ما يدعي الاحتلال أنه "الأمن القومي الإسرائيلي"، وتفرض من تعتبر نفسها "الديموقراطية" الوحيدة في الشرق الأوسط، رقابة مسبقة بحكم القانون، تحظر نشر وبث مواد قبل الحصول على إذن من سلطات الجيش، الممثلة بمؤسسة الرقابة العسكرية.

ويقول الباحث والمحلل الفلسطيني حمزة إسماعيل أبو شنب: "عملت الرقابة العسكرية على فرض القيود والتعتيم على الأسرار الاستراتيجية كالسلاح النووي والعمليات الخارجية لجهاز الموساد، التي قد تسبب إحراجا لإسرائيل مع الدول كالاغتيالات وجمع المعلومات، ووصل الأمر بعد حرب تموز 2006 إلى منع خطابات قادة المقاومة فضلا عن مهرجاناتهم".

ويضيف أبو شنب لـ"عربي 21": "بعد ذلك أصبحت الرقابة العسكرية تخفي أماكن سقوط صواريخ المقاومة بدعوى أن المقاومة تستفيد منها في توجيه الصواريخ، لكن الإعلام يذكر الإصابات والأضرار"، ويتابع: "الأمر في الحرب على غزة اختلف، حيث منع الحديث عن الإصابات المادية والبشرية ما دون القتل واختصر الحديث عن القتلى".

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح عبد الستار قاسم، أن هذه الرقابة التي تفرضها إسرائيل منذ السنة الأولى للاحتلال، تهدف بالشكل الرئيسي إلى "عدم التأثير على معنويات الإسرائيليين، على مستوى الجيش وعلى المستوى الشعبي، وما ينتج عنه من تشكيل ضغط شعبي على حكومة بلادهم، معتبراً في حديثه لـ"عربي 21" أن ذلك قد يغير الكثير من المعادلات السياسية، وقد يصل الأمر للتنازل عن كثير من الأهداف الموضوعة لحروبهم، عوضاً عن الرضوخ للطرف المقاوم".

ويحق للرقيب العسكري، الاطلاع على المواد المتعلقة بالأمن، كما يفوض القانون الرقيب حظر نشر كل مادة يرى هو أن نشرها قد يمس بقدرة البلاد على الدفاع عن نفسها، ويضر بسلامة الجمهور والنظام العام، وذلك بحسب موقع "المجد".

ويعمل في الرقابة التي تتبع لوحدة الاستخبارت العسكرية (أمان) عشرات المدنيين في الجيش، وضباط من الخدمة النظامية، وجنود في الخدمة الإلزامية (والاحتياط).

كيف يتلقى الإعلام الإسرائيلي وصاية "الرقيب" عليهم؟!

تأتي المفارقة في تعامل وسائل الإعلام الإسرائيلي مع الرقابة، في أن محرري الصحف العبرية كانوا من بادروا بالاقتراح لفرض رقابة عسكرية على ما تنشره صحفهم. وتطوعت نقابة الصحفيين الإسرائيليين عام 1948 بإنشاء مقر لضابط عسكري لكي يقوم بدور الرقيب على الإعلام.

ويقول قاسم: "هناك من تحدث من الإسرائيليين ضد هذه الرقابة، لكن الأصوات قليلة، ويبدو أن الإعلاميين الإسرائيليين يتفقون على ضرورة الإخفاء والالتزام بالرقابة العسكرية، ظنا منهم أن ذلك يساعد إسرائيل في كسبها للحرب.

ويتفق معه أبو شنب، حيث يؤكد أن "الصحفيين لديهم رقابة ذاتية على أنفسهم على الأمور الأمنية، لكنهم لا يمتنعون عن مهاجمة السياسيين، وبدون أي خط أحمر". 

مواقع التواصل وإعلام المقاومة تسرق الضوء!

فرضت مواقع التواصل الاجتماعي واقعاً جديداً غير حسابات "الرقيب العسكري"، حيث أصبح نقل المعلومات أكثر سهولة، وتقلصت صلاحيات وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفاز والراديو، لصالح شبكات التواصل، وظهرت بعض التطبيقات على الهواتف الذكية، التي من الصعب لجم نقل المعلومات فيها. 

ويشير قاسم إلى أن: "تأثير الرقابة العسكرية قل، حيث الكثير من الأخبار تنقل من الميدان إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها إلى المواقع الالكترونية الإسرائيلية، ولا تمر على الرقابة العسكرية قبل نشرها".

ويختلف معه أبو شنب، حيث أكد أن "الرقابة العسكرية ما زالت لها الكلمة الفصل في ذلك، حيث بإمكانها الدخول على أي من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وحذف ما فيه من معلومات أو صور تخالف الرقابة".

 ويشير أبو شنب إلى أن الرقابة يمكنها أيضا، معاقبة من يخالف تعليماتها بهذا الصدد، فالحوادث السابقة من اعتقال ومعاقبة الجنود الذين قاموا بنشر صور للقواعد العسكرية تشكل رادعا قويا لهم.

"أما الذي لن تستطيع الرقابة حجبه والتقليص من تأثيره هو إعلام المقاومة"، يقول أبو شنب، حيث أكد على دور المقاومة في توصيل وتوثيق المعلومات للمشاهد العربي والإسرائيلي.

ويقول أستاذ العلوم السياسية: "المجتمع الإسرائيلي تحول للاستماع إلى وسائل الإعلام الفلسطيني، وخاصة وسائل إعلام حماس"، مؤكداً أن الإعلام الإسرائيلي بات يعتبر أن إعلام المقاومة بات أكثر صدقاً".

وتؤكد ذلك الأستاذة الإسرائيلية في جامعة واشنطن كيري نهون، في حوارها مع القناة الإسرائيلية العاشرة: "نحن نتلقى المعلومات من حماس ونعلمه من الجزيرة، أي من مصادر موثوقة أكثر".

ونشر القسام العديد من التسجيلات المصورة التي تثبت إصابة الجنود الإسرائيليين ومقتلهم، وتدمير عدد من الآليات العسكرية الإسرائيلية.

وكان الباحث الفلسطيني زياد ابحيص قال لـ"عربي 21" في وقت سابق إن "بناء خطاب تجاه الجمهور الإسرائيلي كان مؤلما للصهاينة، وكثير من الكتاب الإسرائيليين في أشهر الصحف كتبوا ينفون كلام وروايات المقاومة الموجهة لجمهورهم، ومحاولة التصدي لخطاب القسام يثبت فشلهم".
التعليقات (0)