مقالات مختارة

"داعش" على الطريقة الإسرائيلية

عثمان ميرغني
1300x600
1300x600
كتب عثمان ميرغني:

عندما قتل أميركيان وفرنسي في غزة خلال مشاركتهم في عمليات الجيش الإسرائيلي، مرَّ الخبر بصورة عادية ولم يُقِم الدنيا أو يُقعدها في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية.

نقلت وسائل الإعلام الخبر، لكن لم تحدث ضجة للتنديد أو للمطالبة بالتحقيق مع من يسافرون من بلدانهم للمشاركة مع الجيش الإسرائيلي في عمليات اعتبرها مسؤول حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مجازر للمدنيين تدفع للتحقيق حول ما إذا كانت تقع تحت طائلة جرائم الحرب، ولم نرَ سياسيين يصطفون للمطالبة بإجراءات لوقف سفر المقاتلين والمتطوعين إلى إسرائيل.

هذا الأمر يدفع إلى التساؤل: كيف كانت أميركا أو أوروبا ستنظر إلى مواطنيها الفلسطينيين، لو قرر هؤلاء أو بعضهم التوجه إلى الضفة أو غزة للقتال ضد إسرائيل؟

الأرجح، بل ربما المؤكد، أن الأمر كان سيثير ضجة واسعة وسيوصم هؤلاء بالإرهابيين وتوضع أسماؤهم في قوائم الرقابة الأمنية. فهناك حالات كثيرة لفلسطينيين أو عرب أخضعوا في الماضي للملاحقة والمتابعة لأنهم جمعوا أموالا لإرسالها إلى تنظيمات فلسطينية، أو لأنهم كانوا ناشطين ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذه بالطبع تحركات أخف من التطوع للقتال الذي كان سيؤدي حتما إلى إجراءات أشد.

الصورة تبدو مختلفة تماما في التعامل مع آلاف المتطوعين الذين يسافرون سنويا من أوروبا وأميركا ومن دول أخرى للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي كمتدربين أو كمقاتلين يشتركون في العمليات الميدانية بشكل مباشر مثلما يحدث في حرب غزة اليوم؛ فهؤلاء لا يدمغون بأي صفة مثل الإرهاب ولا يوصفون حتى بالمرتزقة، بل يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي ويعودون إلى بلدانهم من دون أن يتعرض لهم أحد بالمساءلة أو الملاحقة الأمنية، وإذا حدث أن قتل أحدهم في العمليات العسكرية فإنه سيكرم في إسرائيل وسيجد من يدافع عنه في وسائل الإعلام الغربية ويبرر مشاركته في قتل العرب والفلسطينيين؛ فالدعاية الإسرائيلية، التي تجد تجاوبا في كثير من الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، تروّج لهؤلاء المتطوعين وتسعى لإقناع العالم بأنهم «أبطال» ويختلفون عن المتطوعين الذين يتوجهون إلى دول عربية أو إسلامية، فهؤلاء إرهابيون بالضرورة.

هناك آلاف المتطوعين من اليهود الأميركيين والأوروبيين ومن دول أخرى يخدمون في الجيش الإسرائيلي، ووفقا للأرقام المعلنة فإن عددهم في عام 2012 بلغ 5500، بينما يقدر عددهم في الوقت الراهن بنحو أربعة آلاف يشاركون بشكل أو بآخر في العمليات العسكرية بغزة، سواء في الصفوف الأمامية أو الخلفية. فالجيش الإسرائيلي لديه برامج لاستقطاب واستيعاب «المتطوعين» اليهود الذين يأتي أغلبهم من أميركا وأوروبا، فيتلقون التدريبات العسكرية ويخدمون لفترة قد تمتد 18 شهرا.

ومن بين آلاف المجندين المتطوعين، هناك نسبة لا تعود إلى بلدانها وتبقى في إسرائيل، بينما يعوّل على الذين يغادرون أن يصبحوا «جنودا» في الترويج لإسرائيل والدفاع عنها في بلدانهم.

وحتى لا ينبري أحد لانتقاد هؤلاء، فإن آلة الدعاية الإسرائيلية تقول إنهم «وطنيون» ملتزمون بالدفاع عن «الدولة اليهودية» التي يشعرون بالولاء لعقيدتها وبالانتماء لأفكارها، وإنهم ليسوا مرتزقة يقاتلون من أجل المال. هذا المنطق لا يختلف بالطبع عن منطق أي فكر حركي أو ديني متطرف، ومثله موجود في حركات التطرف بالعالم العربي والإسلامي.

فمقاتلو تنظيم مثل «داعش» مثلا يروّجون لأنفسهم بأنهم لا يقاتلون طمعا في مال أو دنيا، بل يريدون فرض دولتهم «الإسلامية» على طريقتهم الخاصة، وينضوون في صفوف التنظيم لأنهم يشعرون بالانتماء إلى أفكاره وعقيدته وبرنامجه.

الواقع أن المناخ الذي يغذي عقول المتطوعين اليهود لا يختلف كثيرا عن المناخ الذي يفرز متطرفين في أي مكان بما في ذلك الدول العربية والإسلامية، لأن التطرف يولد دائما تطرفا مضادا ويغذيه.

فالمتطوعون الذين ينضمون إلى الجيش الإسرائيلي يكونون نتاج برامج الاستقطاب الواسعة وعمليات ضخ الدعاية العنصرية ضد العرب والمسلمين وتصويرهم على أنهم إرهابيون ومتطرفون يريدون إبادة اليهود واقتلاع دولتهم، ولذلك فإن اليهود يجب ألا يسمحوا أبدا بتكرار ما وقع عليهم في أوروبا، وكأن الفلسطينيين والعرب هم المسؤولون عن ذلك الماضي القبيح.

من هنا لم يكن غريبا أن تتسرب تغريدات أو رسائل وصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمجندين يتباهون بالتصويب على رؤوس مدنيين من بينهم أطفال، أو يتفاخرون بأنهم يريدون قتل الفلسطينيين والعرب. كما لم يكن غريبا أن يخرج نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي ليدعو إلى تدمير غزة بأكملها وترحيل سكانها إلى «معسكرات» وإبادة كل المقاتلين وأنصارهم.

الكيل بمكيالين أمر بات معتادا في السياسة الدولية، لكن غض النظر عن المتطرفين في الجانب الإسرائيلي وعن «المتطوعين» من أميركا وأوروبا ودول أخرى الذين ينضمون للجيش الإسرائيلي، لن يفاقم الأوضاع في المنطقة فحسب، بل سيغذي أجواء التطرف الذي لن يسلم منه أحد.

(نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية 8 آب/ أغسطس)
التعليقات (0)