اقتصاد عربي

سبعة أسباب حولت أزمة الكهرباء في مصر إلى كابوس

(أرشيفية)
(أرشيفية)
تعيش مصر منذ عدة أشهر انقطاعا متكررا للتيار الكهربائي، لكن الأزمة تفاقمت بصورة غير مسبوقة منذ بداية شهر آب/ أغسطس الجاري حيث باتت الكهرباء تنقطع لمدد طويلة ولعدة مرات في اليوم.

وأعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر أن الشبكة القومية تتعرض منذ عدة أيام لأسوأ موجة انقطاعات فى تاريخها، حيث يبدأ تخفيف الأحمال عن المواطنين من الثامنة صباحا وحتى الثالثة من فجر اليوم التالي، ما تسبب في تزايد السخط بين المواطنين الذين أعربوا عن غضبهم من عجز الحكومة عن تقديم حلول ناجعة للمشكلة.

ويقول خبراء إن الأزمة في مصر آخذة في التصاعد ووصلت إلى حد الكارثة بعد أن دخلت في دائرة مفرغة، إذ تتكالب على شبكة الكهرباء القومية عدة عوامل تزيد من تفاقم المشكلة وتجعل من حلها أمرا بعيد المنال في المستقبل القريب.

توقف بناء محطات جديدة

وتسببت الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية التي تمر بها مصر منذ أربع سنوات تقريبا في توقف بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء، في الوقت الذي يتزايد فيه الاستهلاك بشكل سريع، حتى تحولت البلاد في غضون سنوات قليلة من دولة لديها فائض في الكهرباء كانت تتعاقد على تصديره للخارج، إلى دولة تعاني عجزا كبيرا من الكهرباء.

ويقول خبراء إن بناء محطة واحدة لتوليد الكهرباء يستغرق وقتا يتراوح بين 3 و5 سنوات، في حال توافرت الموارد المالية اللازمة، ويبدو أن مصر لا تمتلك لا الأموال ولا الوقت اللازمين لحل المشكلة.

ويزيد ارتفاع حراراة الجو في أشهر الصيف من الأحمال على الشبكة بسبب تشغيل أجهزة المكيفات التي انتشرت في ملايين المنازل المصرية في السنوات الأخيرة، بسبب انخفاض أسعارها التي جعلتها في متناول أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة.

وقالت وزارة الكهرباء إن الأحمال على شبكة الكهرباء القومية تبلغ 27 ألف ميجا وات وأن إجمالي قدرة الشبكة على إنتاج الكهرباء تبلغ 26 ألف ميجا وات فقط، ما يعني أن الشبكة القومية تعمل بكامل طاقتها لسد احتياجات البلاد من الكهرباء.

وأضافت الوزارة - في بيان لها - أن الإنتاج الفعلي للكهرباء في الأسبوع الماضي بلغ 22 ألف ميجا وات فقط، وأن هناك عجزا مقداره 5 آلاف ميجا وات بين الاستهلاك والإنتاج تسبب في الانقطاعات الطويلة والمتكررة في الكهرباء.

كما أن اضطرار الحكومة لتشغيل كل المحطات بكامل طاقتها دون توقف لتوفير الاحتياجات الملحة من الكهرباء وتجنب المزيد من السخط الشعبي، منع إخراج عدد من المحطات بشكل دوري من الخدمة حتى تجرى لها عمليات الصيانة اللازمة.

وأدى شح الموارد المالية إلى توقف الصيانة، وهذا ما أكده حافظ سلماوي رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، حيث قال إن قطاع الكهرباء فشل في توفير الأموال اللازمة لصيانة محطات الكهرباء.

ووفقا لظروف التشغيل الحالية، فإن عمل المحطات في مصر دون إخضاعها للصيانة الدورية يقصر عمرها الافتراضي كما أنه يقلل بشدة من طاقتها الإنتاجية.

نقص الغاز واستعمال المازوت

الأمر الثاني هو وجود عجز حاد في إمدادات الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات التوليد، وهو ما يؤدي إلى توقف عدد منها تماما عن الإنتاج وبالتالي وجود عجز في الإنتاج.

ويتسبب نقص الوقود في عجز يصل إلى 3 آلاف ميجا وات يوميا، حيث تحتاج مصر إلى توفير 125 مليون متر مكعب من الغاز يوميا.

وفي هذا الصدد، فشل اجتماع عقد الخميس بين قيادات وزارة الكهرباء ووزارة البترول لبحث توفير الكميات اللازمة من الغاز لتشغيل محطات التوليد، وأشارت وزارة البترول إلى عدم وجود اعتمادات مالية لشراء شحنات الغاز المطلوبة وأن الكميات المتاحة للمحطات الآن هو أقصى ما يمكنها توفيره.

ولحل هذه المشكلة، تستخدم الحكومة المازوت والسولار لتشغيل محطات التوليد المصممة للعمل بالغاز.

ويؤثر استخدام السولار والمازوت سلبا على محطات الكهرباء حيث يقلل كفاءتها بنسبة 20%، فضلا عن أنه يقلل عمرها الافتراضي بشكل كبير.

ويؤدي هذا الوقود الرديء إلى تعطل المولدات وتوقفها عن العمل، ما يتطلب خروجها من الخدمة للصيانة كل أسبوعين تقريبا.

وأكد محمد اليماني المتحدث باسم وزارة الكهرباء - في مقابلة تلفزيونية - أن محطتي الكريمات وأبي قير - وهما من أكبر المحطات في البلاد - توقفتا عن العمل الأسبوع الماضي وخرجتا من الخدمة بعد تعطلها بسبب تشغيلهما باستخدام السولار والمازوت، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة بعد فقدان الشبكة 1250 ميحا وات.

شح الموارد المالية

وبعد ثورة يناير امتنع عدد كبير من المواطنين عن دفع قمية استهلاك الكهرباء بسبب غياب هيبة الدولة، ووصل نسبة التوقف عن سداد الفواتير إلى 75% من المشتركين.

وزاد انقطاع الكهرباء من غضب المواطنين ودفعهم إلى التوقف عن سداد الفواتير، ما أدى إلى فقدان وزارة الكهرباء لمبالغ تقدر بالمليارات كانت تستخدم في صيانة المحطات وبناء أخرى جديدة.

وبعد الانقلاب العسكري، دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة للتوقف عن تسديد أي فواتير للحكومة غير الشرعية التي اغتصبت السلطة، والطريف أن من بين الآلاف الذين تجاوبوا مع الحملة كثير من مؤيدي الإنقلاب.

وانتشرت بعد الثورة أيضا التوصيلات العشوائية نتيجة التوسع في المباني والمنشآت السكنية المخالفة وسرقة التيار الكهربائي من أعمدة الإنارة وغيرها، ما تسبب في تحميل الشبكة القومية بأحمال إضافية غير مخطط لها، فضلا عن أن كل هذه التوصيلات لا يدفع أصحابها قيمة استهلاكهم من الكهرباء، ما يزيد من الأعباء المالية على الحكومة.

وفي الأشهر الأخيرة، ابتكر المصريون طريقة جديدة للتحايل على قطع الكهرباء، حيث إنهم يقومون بتوصيل كابلات بين المنازل، فإذا انقطعت الكهرباء عن منزل، يحصلون على الكهرباء من منزل مقابل له لم ينقطع فيه التيار، وعندما يتم قطع التيار عن المنزل الثاني يحصل بدوره على الكهرباء من المنزل الأول، وهكذا.

وأدت هذه التوصيلات إلى تفريغ سياسة قطع التيار بالتبادل بين المناطق المختلفة من مضمونها، حيث يظل التحميل على الشبكة مستمرا دون توقف.

وأخيرا، فإن ما تشهده شبكة الكهرباء في مصر من عمليات تخريب وتفجير لأبراج الضغط العالي بوتيرة متسارعة في الأسابيع الأخيرة، زاد الطين بلة، وأدى إلى إنقطاع التيار عن مدن بأكملها لفترات طويلة.

ففي مدينة سمالوط التابعة لمحافظة المنيا سقط برجا كهرباء فجر الخميس، نتيجة أعمال تخريب، ما أثر على الكهرباء المنتجة، وانقطاع التيار عن 20 قرية. وفي الفيوم، أطلق مجهولون النار على 14 محولا على مستوى المحافظ، وتسببوا في أعطال بعدد من المدن والقرى.

ويصعب على الحكومة، إن لم يكن مستحيلا، توفير الحماية لمحطات التوليد وأبراج الضغط العالي ومحولات الكهرباء المنتشرة في كل مكان في البلاد، ويسهل استهدافهم بوسائل بدائية، كما أن تكلفة إعادة تشغيل المدمر منهم والوقت اللازم لإصلاحهم يضع مزيدا من الضغوط على حكومة، لا تنقصها الضغوط ولا تجد من يحتمل فشلها.
التعليقات (0)