كتاب عربي 21

تجربة حزب الدعوة الاسلامية في حكم العراق وضرورة المراجعة النقدية

قاسم قصير
1300x600
1300x600
نشأ حزب الدعوة الاسلامية في العراق في منتصف خمسينات القرن الماضي برعاية من المرجع الديني  الشهيد السيد محمد باقر الصدر وبمشاركة ودعم عدد كبير من علماء  ومفكري العراق  ولبنان والخليج، وإن كان السيد الصدر وعلماء آخرين تخلوا عن العمل التنظيمي المباشر لأسباب عديدة، لكن ذلك لم يمنع من انتشار الحزب وتمدده الى كل مناطق العراق والى خارج العراق وخصوصا لبنان والبحرين والإمارات والأردن وسوريا ولاحقا ايران ودول اوروبية وأميركية وإلى بعض دول شمال إفريقية وإن كان نشاطه الأساسي قد تركز في العراق ولبنان وبعض دول الخليج.

ومن المعروف أن الأفكار الأساسية للحزب هي خليط من فكر الأخوان المسلمين وحزب التحرير مع إضافات من الاجتهادات والأفكار الدينية والعملية من مدرسة أهل البيت والمرجعية النجفية، كما تأثر الحزب على الصعيد التنظيمي والعملي بالأحزاب اليسارية وخصوصا الشيوعية من خلال اعتماد السرية والخلايا وإقامة الواجهات الاجتماعية والنقابية والطلابية.

وخاض حزب الدعوة الاسلامية وبالتعاون مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف وقوى إسلامية أخرى كالحزب الاسلامي في العراق (وهو جناح الاخوان المسلمين العراقي) معركة قاسية ضد حزب البعث وحكمه ولاسيما في عهدي حسن البكر وصدام حسين مما ادى الى اعتقال واغتيال الالاف من قياديي وكوادر الحزب وحصول معارك قاسية داخل العراق وخارجه بين مؤيدي الحزب ومؤيدي الحكم البعثي، وتطور هذا الصراع الى معارك مسلحة خلال الحرب العراقية-الايرانية الى حين سقوط حكم صدام حسين على يد الاحتلال الاميركي.

وعاد حزب الدعوة وقياداتها إضافة لمعظم الأحزاب العراقية إلى العراق وبدأوا حكم العراق بداية في ظل الوجود الأميركي المحتل ومن ثم بعد خروج الاحتلال، وكان لحزب الدعوة رغم كل ماعانه وكل الانشقاقات التي تعرض لها الدور البارز في حكم العرق خلال السنوات العشر الماضية ووصل عدد من قياديي الحزب الى موقع رئاسة مجلس الحكم الانتقالي ومن ثم رئاسة الحكومة اضافة لإدارة المحافظات ومجلس النواب والعديد من الوظائف ومنهم نوري المالكي وإبراهيم الجعفري واليوم حيدر العبادي.

ومع أن حزب الدعوة لم يكن الحاكم الوحيد والمطلق للعراق خلال السنوات العشر الماضية لكنه كان احد الأطراف الاساسية في الحكم،مما يجعله مسؤولا اساسيا عما جرى خلال هذه السنوات الماضية، وخصوصا عما حققه من اهداف سياسية واجتماعية وتنموية وأين اصبحت افكاره وطروحاته الاسلامية على صعيد التطبيق العملي في ظل ما واجهه العراق من مشاكل وتحديات.

وبدون الدخول في تفاصيل هذه التجربة لأن المجال لا يتسع للحديث عنها في مقال محدود، لكن الناظر الى الوضع العراقي اليوم يلحظ بوضوح ان هذه التجربة كانت فاشلة وبدل من ان تؤدي الى توحيد العراق ونشر العدالة وحماية حقوق الجميع ومواجهة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية ومواجهة الفساد وبناء دولة قوية، ها نحن اليوم أمام دولة ممزقة تعاني من الطائفية والمذهبية وينتشر فيها الفساد والظلم والفوضى، وحزب الدعوة الاسلامية وقادته يتحملون مسؤولية كبرى عما حصل للعراق خلال السنوات الماضية.

واليوم وبعد التغيير الذي حصل على صعيد رئاسة الحكومة والإتيان بشخصية بديلة عن نوري المالكي وهو أحد قيادات حزب الدعوة، فان على الحزب وقياداته ان يقدموا كشف حساب كامل سواء امام محازبيهم وأنصارهم او أمام الشعب العراقي، فماذا حقق حزب الدعوة خلال حكمه، وأين هي اهدافه وطروحاته الفكرية والإسلامية والتنموية، ومن يتحمل مسؤولية الفساد المستشري والفوضى القائمة اليوم؟ ولماذا فشل حزب الدعوة وغيره من القوى الاسلامية في العراق من إقامة الدولة العادلة والقوية والقادرة على ادارة البلاد؟

كل هذه الاسئلة يجب ان تطرح وتبحث بوضوح وصراحة وشفافية، لان المشكلة ليست بتغيير الاشخاص فقط بل بتغيير النهج والرؤية، والعراق اليوم يحتاج لرؤية جديدة قادرة على تصويب الامور واخذ العراق في الاتجاه الصحيح.

فهل يفعلها حزب الدعوة الاسلامية ويجري مراجعة نقدية لمسيرته في الحكم ام اننا سنشهد المزيد من الفشل والفوضى؟
التعليقات (0)