كتاب عربي 21

لا للطب والرئاسة

جعفر عباس
1300x600
1300x600
أكنُّ احتراما شديدا للطب والأطباء وأحمد الله بكرة وعشية لأنه خلقني غير مؤهل عقليا وذهنيا لتلك المهنة، فلو - لا قدر الله – صرت طبيبا، لتم فصلي من الخدمة في أول سنة لمزاولتي لها، إما بسبب سوء السلوك الشخصي، أو لمجافاة ضوابط السلوك المهني، فلو جاءني نوع المريض الذي يجلس أمام الطبيب ويقول: عندي قولون عصبي وتسيّب في حركة الأمعاء، ودم وبلاوي، ولو سمحت أكتب لي وصفة داسبتالين لأنني جربت حبوب الحِلبة ولم تأت معي بنتيجة، لقلت له: ولماذا استبعدت أن تكون مصابا بورم سرطاني في القولون أو الأذن والأنف والحنجرة؟ ثم أصلا ما حاجتك إلى طبيب طالما أنت قادر على تشخيص أمراضك وتوصيف الدواء لها؟ وكلمة مني وكلمة منه، وتنشب مشاجرة تنتهي بشكوى إدارية أو بوليسية، وكي لا تحسبني شرّاني الطباع، إليك السيناريو الثاني الذي كان سيضع نهاية لمسيرتي كطبيب، يأتيني مريض حالته الصحية تحنن قلب نتنياهو، وأخضعه للفحوصات والاختبارات والتصوير الاشعاعي، ثم أحصل على أدلة بأن حالته ميؤوس منها، فيكون رد فعلي الطبيعي والغريزي أن احتضنه وأبكي، وبما أنني لست من أنصار طريقة الأطباء الخواجات في تبليغ المريض كلاما من شاكلة: لو قلبك هذا ظل شغال كمان شهر تكون محظوظ، فلن أشرح لمريضي سبب بكائي ولكنه سيستنتج أنني أبكيه "قبل يومه"، وربما عجل ذلك بوفاته أو إصابته بذبحة أو جلطة تجعل حاله أكثر سوءً.

وبشار الأسد طبيب، وصمد في المهنة لسنوات، وكان عازما على قضاء العمر كله ممارسا لمهنة الطب، ولكن شقيقه باسل، ولي عهد سوريا، توفي في سن مبكرة، ولما مات الوالد الرئيس حافظ الأسد، لم يكن هناك وريث للعرش الجمهوري غير بشار، وخلال ساعات كان قد تم تفصيل الدستور (المصنوع أصلا من الكستور) على مقاسه، وتمت ترقيته من لا شيء في السلك العسكري إلى فريق أول، فصار رئيسا لسوريا وقائدا أعلى لقواتها المشلحة (اتضح خلال السنوات الثلاث الأخيرة أنها مشلحة... وها أنت ترى جيشا كان يزعم  أنه جاهز لهزيمة اسرائيل يستخدم سلاحه الجوي براميل النفط لضرب مواقع المعارضة المسلحة)، ودعك من أن بشار طبيب أو بطيخ، وما يقال عن أن الطب مهنة تتعلق بإنقاذ الأرواح وليس هلاكها، ماذا يريد هذا الرجل بالضبط؟ ما من مدينة أو بلدة في سوريا فيها بناية تصلح لسكنى الآدميين، والذي هدم البيوت على رؤوس ساكنيها هو بشار، والحبل على الجرار، فما هي النتيجة التي يريد أن يتوصل إليها؟ وهب أنه مسح بكل معارضيه الأرض. ما الغاية من أن يكون الإنسان رئيسا ل"خرابة" تسكنها أشباح تكرهه أنهكها الجوع والمرض والرعب.

كنت عندما بدأت الثورة الليبية، بصدد إعداد برنامجي الانتخابي لأصبح رئيسا للسودان، وكان الفوز "مضمونا في جيبي"، لأن جوهر برنامجي هو استرداد السودان القديم، وبالتحديد العودة بالبلاد إلى ما كانت عليه في منتصف سبعينات القرن الماضي، ولكن ما أن رأيت ما فعله القعيد الجزافي بمواطنيه، ثم ما زال يفعله بشار بوطنه ومواطنيه، حتى صرفت النظر نهائيا عن أحلامي الرئاسية: أحكم بلدا ويخرج متظاهرون لأنني رفعت أسعار السلع، أو لأن وزير ماليتي حرامي، فيضربهم رجال الأمن بالرصاص، لأن المظاهرات تهديد لنظام حكمي؟حاشا.. معاذ الله.. عني ما حكمت ولا مباراة كرة قدم، وحتى لو كنت رئيسا محبوبا ولم يهتف أحد بسقوطي فمن الطبيعي أن تأتيني أحكام الإعدام للتصديق النهائي عليها، ولست من معارضي "الإعدام"، ولكن لا أظن أن يدي كانت ستطاوعني للتوقيع على ورقة بإعدام شخص ما.

والشاهد هو أنني وبكل فخر أفضل من بشار على أكثر من صعيد، ولكن أهمها أنني أحمل قلبا عامرا بحب الناس وحب الخير للناس، بينما هو غر جاهل فظ غليظ القلب، يسعد بالبقاء  على رأس سلطة مبنية على جماجم المواطنين، ومن ثم فلو خولتني جهة ما محاكمة بشار فسأحكم عليه بالإعدام بل سأطالب بمنحي شرف طخه بقذيفة آر. بي. جي. حتى يروح في داهية وما "يجي".
التعليقات (2)
عبدالله الحضبي
الأحد، 02-11-2014 09:51 ص
مقال مميز لكاتب راقي بأسلوبه وفكرة ومعانيه السامية
أسعد قلي
السبت، 01-11-2014 05:15 م
والشاهد هو أنني وبكل فخر أفضل من بشار على أكثر من صعيد، ولكن أهمها أنني أحمل قلبا عامرا بحب الناس وحب الخير للناس، بينما هو غر جاهل فظ غليظ القلب، يسعد بالبقاء على رأس سلطة مبنية على جماجم المواطنين، ومن ثم فلو خولتني جهة ما محاكمة بشار فسأحكم عليه بالإعدام بل سأطالب بمنحي شرف طخه بقذيفة آر. بي. جي. حتى يروح في داهية وما "يجي". عليك الله كلام ما سهل.. في العمغ كلام ما سهل!!..