كتاب عربي 21

أخي الفلسطيني.. لا تحزن

محمد سيف الدولة
1300x600
1300x600
لا تحزن أخي الحبيب من إساءة هذا الإعلامي أو ذاك، فالشعب المصري بكل تياراته الفكرية وقواه الوطنية يكن لكم كل مشاعر الفخر والود والحب والاحترام.

إن فلسطين في قلب كل مصري وكل عربي، بل أتصور انها أصبحت فى قلب كل حر شريف في العالم، بعد ملاحم الصمود والبطولة التي خاضها الشعب الفلسطينى فى مواجهة كل هذه المذابح الصهيونية التي لم تتوقف منذ قرن من الزمان.

ولو كان الأمر بيدنا لوجدتمونا معكم كتفا إلى كتف في مواجهة الاحتلال الصهيوني واعتداءاته المتكررة، ولكسرنا الحصار المفروض عليكم فورا، ولأسسنا تحالفات شعبية عربية للقتال معكم بدلا من التحالفات الدولية التي تحشد فيها أمريكا أنظمتنا العربية لاستكمال حملاتها الاستعمارية على أوطاننا.

ولفتحنا معابرنا وحدودنا معكم مثلما كنا نفعل على امتداد قرون طويلة، ومثلما تفعل دول الاتحاد الاوروبى مع بعضها البعض، أو على أقل تقدير كنا سنفتح معبر رفح كما نفعل مع معبر السلوم.

ولكنا فتحنا جامعاتنا ومدارسنا لاستقبال أبنائكم مجانا كما كان الوضع عليه قبل كامب ديفيد. ولو كان الأمر بأيدينا لرأيتم شوارعنا ومياديننا تنتفض غضبا ضد العدوان الصهيونى الأخير، وضد استباحة المسجد الأقصى وإغلاقه، كما كانت تفعل على الدوام.

***

• أخى الحبيب، لقد تربى كل مصري فى مدرسته أو في بيته على أن الأرض الواقعة شرق الحدود المصرية اسمها فلسطين وليس إسرائيل، وعلى أن فلسطين هي الصديق وإسرائيل هي العدو، وعلى أن مصر وفلسطين تنتميان إلى أمة عربية واحدة، وهوية حضارية واحدة، وأن حلمنا الأكبر هي توحدنا جميعا كما كنا دائما على مر التاريخ، في ظل دولة عربية واحدة، تجمعنا وإياكم وباقي الشعوب العربية، بل أن كل دساتيرنا نصت في مادتها الأولى على هذا الهدف.

• كما تربينا على أن المشروع الصهيونى يستهدف الجميع، يستهدف مصر بقدر استهدافه لفلسطين، بل إن هدفه الأصلي هو فصل مصر والمغرب العربي عن مشرقها، للحيلولة دون وحدتهما. وأن مأساة فلسطين الحقيقية تتمثل في موقعها الجغرافي الذى يمثل أضيق نقطة فى الأرض العربية لوقوعه بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

• ويدرس أولادنا فى مدارسهم أيضا أن أهم انتصاراتنا التاريخية هي تلك التي خضناها لتحرير القدس وفلسطين وكل ساحل الشام من الإمارات الصليبية، وأن أعظم معاركنا كانت على أرض فلسطين فى حطين وعين جالوت.

• ولا يزال صلاح الدين الأيوبي يحتل مرتبة القائد والبطل التاريخى الأعظم لدى كل المصريين والعرب رغم مرور أكثر من ثمانية قرون على انتصاراته، ولا نزال نفتخر حتى يومنا هذا بهذه الحقبة من تاريخنا، ونستلهمها فى أحلامنا عن المستقبل.

• ويعلم شبابنا جيدا أن هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، كانت هي السبب الرئيسي في سقوط الأنظمة العربية الحاكمة حينذاك، وتفجر حركات التحرر الوطني بقيادة مصر.

• ويعلمون أن الهدف الرئيس لعدوان 1967 كان هو إخراج مصر من المعركة ضد إسرائيل وعزلها داخل حدودها. وأن الشعوب العربية لم تستسلم فاجتمع قادتها فى الخرطوم ليتعاهدوا على مواصلة المعركة، وعلى رفع شعارات لا للصلح أو التفاوض مع إسرائيل ولا للاعتراف بها. 

• ولا نزال نفتخر كل عام بحرب أكتوبر ونحيى ذكرى انتصارنا على عدونا المشترك الذى لا يزال يحتل فلسطين الحبيبة. ولا نزال نحنق ونغضب على سرقة هذا النصر الذى حدث فى اتفاقيات السلام،  التى اعترفت بموجبها مصر الرسمية بإسرائيل وتنازلت لها عن فلسطين 1948، وتركتكم وحدكم تواجهون عدونا المشترك.

• وهو السلام الذى رفضت غالبية الشعب المصري قبوله والتعايش معه، حتى إن قادة إسرائيل يشتكون ويعترفون كل يوم بأن السلام مع مصر هو سلام بارد بين الحكومات فقط، وأن الشعب المصرى يرفض التطبيع ويقاومه. وبالفعل لا يستطيع أي إسرائيلي، حتى اليوم، أن يعلن عن هويته الحقيقية حين يتجول فى شوارع القاهرة.

• إن الشعب المصرى عبر أجياله المتعاقبة، كان يحكم على حكامه ورؤسائه وفقا لموقفهم من قضية فلسطين، فمن ينحاز لها فهو بطل قومي، حتى لو خسر معركة حربية، ومن ينحاز إلى إسرائيل يفقد شرعيته الوطنية فورا.

• وكانت معارك الشعب الفلسطيني ومقاومته، لها بالغ الأثر فى تكوين الحركة الوطنية المصرية عبر أجيالها المتعاقبة، فكانت صبرا وشاتيلا 1982، وانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، والعمليات الاستشهادية، وحرب تموز 2006 ، والرصاص المصبوب 2008،  وعامود السحاب2012،  والعدوان الأخير، كانت كلها محطات تحول كبيرة فى الحياة السياسية المصرية بما كانت تضخه كل مرة من آلاف الشباب المصري البسيط الذى قرر أن يقتحم مجال العمل الوطني والسياسي لأول مرة فى حياته متأثرا بوحشية الجرائم الصهيونية وبصلابة الصمود الفلسطيني. ومصدوما من الصمت أو التواطؤ الرسمي العربي.

• وأهم المفكرين والشخصيات السياسية فى مصر، بنت تاريخها ومكانتها بين الناس استنادا إلى مواقفها الصلبة في مواجهة إسرائيل و كامب ديفيد والتطبيع. 

• بل إن الموقف من قضية فلسطين ورفض الاعتراف بإسرائيل والموقف من الصراع العربي الصهيوني هو باب ثابت فى برامج غالبية الأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية فى مصر. كما أن أحد المطالب الرئيسية التي تَجمِع عليها كل القوى الوطنية الحقيقية فى مصر هو الغاء كامب ديفيد، واسترداد مصر الذى خطفها الأمريكان والصهاينة. 

• ولا تزال القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الصهيوني، هي القضية الوحيدة القادرة على توحيد الجميع.

• وتشهد ساحات القضاء الإداري على الدعاوى والقضايا الفردية أو الجماعية المرفوعة من مواطنين مصريين ضد الحكومة المصرية، لإسقاط كامب ديفيد، أو لمنعها قوافل الدعم والإغاثة أو لتصدير الغاز المصري للعدو الإسرائيلي.

• وتشهد شوارع القاهرة وميادينها على حرق أعلام اسرائيل، ويشهد ميدان التحرير على رفع أعلام فلسطين جنبا إلى جنب مع الأعلام المصرية في أيام الثورة الأولى.

• وتشهد القاعات العامة فى النقابات والأحزاب على مئات المؤتمرات والمحاضرات الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لإسرائيل وكامب ديفيد.

• إن مئات من النشطاء السياسيين كانوا ضيوفا على السجون والمعتقلات المصرية على امتداد 40 عاما بتهمة العداء لإسرائيل وكامب ديفيد ونصرة فلسطين.

• وقبل الثورة المصرية لم يكن لنا شهداء سوى أولئك الذين سقطوا على أيدى العدو الصهيونى في الحروب المتعاقبة.

• إن شبابنا بعد الثورة لم يحاصر أو يقتحم سوى سفارة واحدة هي سفارة إسرائيل، وكان أول حصار لها يوم 8 أبريل 2011 بعد أول عدوان صهيوني على غزة بعد الثورة المصرية.

• إن مصر عامرة باللجان الأهلية للإغاثة ودعم الانتفاضة والمقاومة والقدس والأقصى. وكلنا نتذكر سيل قوافل الدعم والإغاثة التى انطلقت من مصر إلى غزة بعد عدوان 2012 .

• وإلى يومنا هذا تشكل أقسى تهمة أو سبة يمكن أن يتراشق بها الخصوم السياسيون في مصر، هي الاتهام بالصهيونية.

• وفى مصر تمت أكبر عملية تجريس وعزل وطنى وسياسي وثقافي واجتماعي لكاتب وأديب مرموق لأنه تجرأ ومارس التطبيع وزار الكيان الصهيونى وكتب كتابا بعنوان "رحلتي إلى إسرائيل".

• إن كثيرا من الشباب في مصر يستبدل صورته الشخصية على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القدس أو فلسطين أو أحد الشهداء الفلسطينيين، لأنه يجدها أكثر تعبيرا عن هويته ومبادئه وقيمه.

أخي الكريم، أنتم وفلسطين فى القلب والدماء والجينات المصرية.

***

لكل ذلك فان أهم شروط الامريكان والمجتمع الدولي لمن يحكم مصر على امتداد 35 عاما هو الاعتراف باسرائيل وإنكار فلسطين والالتزام بمعاهدة السلام، وكان السؤال الأول الذى وجهته كل الوفود الأمريكية والأوروبية لقادة ورموز وأحزاب الثورة المصرية بعد 2011 هو عن موقفها من المعاهدة، ومن إسرائيل، وبالتبعية من فلسطين.

بل لقد بلغ بهم الأمر أن أعادوا صياغة النظام المصرى بعد 1973 على مقاس أمن اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة الامريكية.

أرأيت مدى عمق وتغلغل وتأثير فلسطين وقضيتها على الحياة السياسية في مصر؟.

***

وأخيرا وليس آخرا، إياك أن تتصور أن حملات شيطنة فلسطين والفلسطينيين تعبر عن قطاع ولو صغير من الرأي العام المصري، بل هي حملات يوجهها النظام كلما كان ينوي اتخاذ قرارات أو سياسات ضد فلسطين ولصالح اسرائيل.

 إنهم يطلقونها اليوم بسبب تنامي التنسيق المصري الإسرائيلي في فرض الحصار على غزة ونزع سلاح المقاومة وهدم الأنفاق وإغلاق المعبر وربط الإعمار بنزع السلاح. هذا التنسيق الذي يتخذه النظام مدخلا وبوابة لاستجلاب الرضا والاعتراف الدولي الكامل بالنظام الجديد. ولأن أحدا لا يجرؤ أن يعلن عن هذه الحقيقة، فإن البديل السهل هو التذرع بخطورة غزة والفلسطينيين على الأمن القومي المصري.

ولقد سبق وتعرض الفلسطينيون لحملات تشهير مماثلة عندما وقعت مصر اتفاقيات السلام مع إسرائيل في أواخر السبعينات، فتم توجيه الإعلام المصري حينذاك ليشن حملة شرسة على كل ما هو فلسطيني وعلى هوية مصر العربية، فخرجت وقتها أكاذيب وأضاليل من عينة أنهم باعوا أراضيهم وأنهم إرهابيون وأن مصر فرعونية وليست عربية وأن عليها أن تقف على الحياد بين العرب وإسرائيل كما وقفت سويسرا على الحياد فى  الحرب العالمية الثانية، وأنه كفى تضحية من أجل فلسطين وأن مصر أولا.

فصدقهم بعض المصريين الطيبين بادئ الأمر، ليكتشفوا بعد وقت قصير أن الحقيقة المرة هى أن إسرائيل أولا.
التعليقات (2)
معتز محمد
الأربعاء، 12-11-2014 06:37 م
مقال رائع وجريء كالعادة من كاتب متميز في وقت صعب للغاية وفي ظل هجوم شرس من كلاب السلطة المصرية بتخوين والطعن في الفلسطينيين
رجب شلبي
الإثنين، 10-11-2014 09:05 م
جزاكم الله خيرا استاذنا الكريم هذه رسالة كل مصري حر شريف.