كتاب عربي 21

انتخابات تونس الرئاسية ومعركة الحسم

محمد هنيد
1300x600
1300x600
لا أحد في تونس يستطيع أن ينكر العودة الجسورة للحرس القديم من أركان نظام بن علي الرئيس الهارب ولا أحد يستطيع أن ينكر الفوز الساحق لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي في ثوبه الجديد.  لا أحد يستطيع أيضا أن ينكر كذلك تحلل الأحزاب الوسطية أو الأحزاب الثورية حديثة العهد بالممارسة السياسية في تونس وبتقدير المعطيات على الأرض وبالحسابات السياسية وموازين القوى المختلفة. المشهد الجديد لا يستقيم مع منطق الثورة التي جاءت من أجل القطع مع النظام القديم ومحاسبة المسئولين عن سنوات القمع والتعذيب ونهب المال العام وتجريف الوعي تجريفا خلف وراءه الصحراء التي نعلم في تونس.  صحراء بن علي لا تقتصر على تدمير ممنهج لكل مقومات الدولة الحديثة من خلال "برنامج تجفيف الينابيع" الذائع الصيت خلال أوائل التسعينات بل تتجاوز ذلك إلى تفخيخ مختلف مفاصل الدولة بأشرس أنواع الاستئصالين.

المشهد الجديد كما قال التونسيون هو كمن استحم ونزع أوساخه وعاد فلبس ثيابه المتسخة من جديد هذا المشهد هو كأن تقام انتخابات في ليبيا وتفوز بها لجان الموت الثورية. قد يحتاج المشهد الوليد فضاء أوسع من هذا المقال تفكيكا وتركيبا لمعرفة حجم الزيف والتزييف الذي طال الوعي الشعبي العام ولإدراك العمق الذي طالته معاول الاستئصالين من المتطرفين العلمانيين أومن اليسار الظلامي ممن مثل الأعمدة المركزية لنظام الطاغية بن علي ومن قبله الدكتاتور المتنور بورقيبة.

واهم من يعتقد أن هذا الطرف انتصر في تونس ضد الطرف الآخر بل الأكيد هو أن الثورة المضادة قد انتصرت على الثورة وأن الدولة العميقة في تونس قد حققت عبر صناديق الاقتراع ما لم تحققه عبر اغتيال الشهيدين المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

رجوع الحرس القديم تفسره عوامل كثيرة لعل أهمها الوضع الإقليمي والدولي المعادي لثورات الربيع العربي خوفا على مصالحه الاقتصادية ونهبه المنظم لثروات هذه الشعوب منذ ما يزيد على القرنين من الزمان. رجوع الحرس القديم سببه تهاون الثوار مع شبكات الفساد منذ فجر الثورة وتسامح حكومة الترويكا وخاصة الإسلاميين منهم مع أعوان بن علي والتصويت ضد قانون العزل السياسي الذي دافع عنه الشهيد اليساري الوطني شكري بلعيد. رجوع الحرس القديم من كهنة المعبد سببه سنوات من تجريف الوعي وضرب للخلايا الحية في جسد الأمة وقد قامت به أشرس آلات الاستبداد خطرا وهو ما يسميه التونسيون عن استحقاق " إعلام العار الوطني".

جرائم إعلام تونس الخاص والوطني باستثناءات قليلة جدا من الصحفيين الأحرار الذين قاوموا نظام بن علي بكل شراسة سنوات الجمر لا تقتصر على تجميل الوجه القبيح للاستبداد خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان بل تجاوزته إلى معادة الثورة وشيطنة الثوار وتحريك السلاح العزيز على الاستبداد ؛ الإرهاب وما أدراك ما الإرهاب. نجحت منصات الإعلام البنفسجي أو إعلام السابع من نوفمبر في تأجيج الحرائق الاجتماعية التي كُلفت القيادات النقابية بإشعالها منذ فجر الثورة وخلال المرحلة التي سبقت الانتخابات الأولى في شهر أكتوبر من سنة 2011  وخاصة تلك التي تلت الانتخابات وفاز فيها الإسلاميون فوزا كبيرا. تمكنت هذه الحرائق الاجتماعية من نسف المكاسب الثورية ومن شيطنة المنجز والقفز على دماء الشهداء وكأن شيئا لم يكن بل اُغرق المواطن البسيط في همومه اليومية حتى كاد يحن إلى عهد الأمن والأمان وهو يُستدعى في لا وعيه فيقارنه بالحريق الهائل الذي أمامه. 

المحسوبون على الإسلام السياسي أو "جماعة الجماعة" يعلمون جيدا أن الجلاد العائد عبر صناديق الاقتراع التي سمحوا له أن ينافس عليها عبر رفضهم قانون العزل السياسي وقانون تحصين الثورة لن يرحمهم ولن يتردد في إرجاعهم إلى السجون والمنافي بأوامر خارجية. البارحة مثلا بدأ قادة "التجمع الجديد" يلوحون بأول الإجراءات الاستبدادية في خرق واضح للدستور عبر التهديد بحل لجنة الحقيقية والكرامة التي ترأسها السيدة المناضلة سهام بن سدرين والمكلفة بمحاسبة "عصابة السراق"  أو من خلال تهديد أحد أقطاب الاستئصالين في تونس بحل أحزاب بأكملها في حنين يتيم لعهد سيده الهارب. أما أحد كبار الغارقين في المال الخليجي الانقلابي فقد هدد علنا بمحاكمة الرئيس المرزوقي الذي لم يُسجن في عهده صحفي قط رغم أطنان الإشاعات والأكاذيب التي اختلقها إعلام العار التونسي من أجل شيطنة الرجل. 

معركة الحسم في الانتخابات الرئاسية القادمة ستفرز بلا شك واقعا جديدا لا وسطية فيه فإما نكوص إلى الوراء وعودة الغول الاستبدادي من جديد ووضع أسس الثورة الثانية التي لن تكون سلمية كسابقتها أبدا وإما تكريس لمبادئ الثورة وقصاص لدماء الشهداء ومحاسبة للجلاد وجماعته وتجسيد لشعار "الكرامة استحقاق يا عصابة السرّاق". 
التعليقات (1)
رجب شلبي
الخميس، 13-11-2014 08:27 م
لماذا الاصرار الدائم على ان يتحمل الاخوان في كل البلاد فشل الشعوب في الاختيار ؟؟؟ لماذا يتحمل الاخوان جريمة الاعلام الخائن ؟؟؟ لماذا يتحمل الاخوان وزر السبسي واعوانه في الداخل والخارج ؟؟؟ في مصر كانوا في الحكم فانهالت الانتقادات ان ذلك سبب فشل الثورة .......في تونس تركوا الحكم تنهال الانتقدات ايضا ان ذلك سبب فشل الثورة في مصر سلمية الاخوان سبب فشل الثورة وفي سوريا حملهم للسلاح سبب فشل الثورة ...ماذا يصنع الاخوان يايها القاعدون في الظل مكتفين بدور المتفرج ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟