كتاب عربي 21

ما الذي تعنيه براءة مبارك تحديدا وما عواقبها؟

أنس حسن
1300x600
1300x600
ليست براءة مبارك والعادلي وحسن عبدالرحمن إلا حلقة في سلسلة الانقلاب على ثورة يناير، فما أخرج المتظاهرين في العام 2011 كان متتالية المظلومية الخاصة بـ "التوريث" كمظلومية سياسية تتمثل في مبارك وابنه و"القمع" كمظلومية إنسانية وتتمثل في الداخلية كوزارة أمنية ووزيرها العادلي، وكذلك مظلومية التصفية والتعذيب للإسلاميين ويرمز لها جهاز أمن الدولة ورأسها حسن عبدالرحمن، والمظلومية الاقتصادية ورموزها جمال مبارك وأحمد عز ولجنة السياسات، هذه المظلوميات هي ما تم محاكمتها رمزيا في محاكمة القرن وتم تبرئتها تباعا، فاليوم مبارك وابناه وعز والعادلي وحسن عبدالرحمن كلهم اليوم تتم تبرئتهم، وبالتالي نقض أساس "المظلومية" التي قامت عليها احتجاجات يناير و ما انبنى عليها من أثر سياسي.

لكن يبقى البحث عن تحليل وفهم لآثار هذا الحكم في المستقبل أمر هام جدا، وهذا الحكم يؤصل لمرحلة هامة وليس حدثا عابرا في متتالية الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، فكثير من القارئين للمشهد السياسي كانوا يتوقعون أن يصدر حكم مخفف على الرئيس مبارك بالإدانة ولا تتعدى محكوميته ثلاثة سنوات، وبالتالي يفرج عنه بموجب انقضاء المدة، و هذا لأن السيسي دأب أن يعبر عن نفسه كامتداد لدولة "الجيش" وليس لنظام مبارك الأخير الذي -وإن كان نظاما عسكريا- إلا أن الجيش سرعان ما تحلل من تبعيته في يناير حيث انحاز ضد مبارك وعزله، وبالتالي تحلل من تبعات فترة مبارك على دولة العسكر، وأعاد غسل سمعته بالتموضع خلف الحشود وتمكين دولته من جديد التي هددها شبح التوريث وفريق رجال أعمال لجنة السياسات، وبالتالي فكان من المتوقع أن يدعم الجيش أثر ثورة يناير كحالة مؤسسة لدولتهم الحالية، وبمجرد الإدانة الرمزية لمبارك وفريقه كان بإمكان السيسي أن يستند إلى شرعيتين للجيش كما يؤكد عليهما دوما ثورة 30 و25، في نفس الوقت الذي كانت تدأب جهات كالداخلية وقطاعات أمن الدولة وأذرعهم في الإعلام على تسميتها بالنكسة. 

إلا أن الحكم بالبراءة يقطع الصلة تماما بين دولة الجيش وثورة يناير؛ بل ويعتبرها جريمة في حق الوطن ويربط حبال الوصل مع نظام مبارك ودولته ويعفيهم من المسؤولية، وعليه لن تقف آثار الحكم مطلقا عند هذا الحد بل إن هنالك مسؤولية تفسيرية على عاتق متخذي الحكم لما حدث في يناير من أحداث قتل وعنف، و بالتالي سيعقب هذه المحاكمة محاكمات جديدة لتحميل المسؤولية لمن تراهم الجهات التي أشرفت على حكم البراءة مسؤولين عن أحداث يناير، ولم تترك لنا حيثيات الحكم الأخير فرصة للتكهن بما سيحدث ومن سيتحمل المسؤولية، بل جاءت حيثيات الحكم لتعد العدة لصيغة الاتهام الجديدة التي سيتم دفعها لـ"تقفيل" هذه القضية تماما حتى لا تُنسب لمجهول أو طرف ثالث، فقد جاء في حيثيات الحكم هذه الفقرة: 

"-إن التحقيقات والوثائق وشهادات الشهود، أبرزت أنه لم يكن بمقدور رئيس الجمهورية آنذاك أو أحد، إيقاف أحداث العنف والقتل، بحسبانها مخططاً دوليا نفذه التنظيم الإخواني.. إلى جانب أن مرتكبي جرائم القتل والشروع فيها يستظلون بـ"حالة الشيوع" باعتبار أن من تعامل مع المتظاهرين بالأسلحة النارية والخرطوش بالميادين العامة بالمحافظات المختلفة، كانوا عصبة: بعضها من تلك الحفنة لبعض ضباط وأفراد الشرطة الذين خالفوا تعليمات رؤسائهم، والبعض الآخر من التنظيم الإخواني ومن تحالف معهم، وكذا من انضم إليهم من الغزاة الوافدين بعناصرهم العربية والأجنبية.

-ما ورد بشهادات المشير طنطاوي واللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية الأسبق واللواء مراد موافي والفريق سامي عنان، من أن المسلحين الذين كانوا يعتلون أسطح العقارات بميدان التحرير يوم 28 يناير، هم من الإخوان المسلمين، وأن جهاز الشرطة لا يمتلك فرص قناصة أو أسلحة قنص موجهة بأشعة الليزر.

-والمحكمة ثبت لديها من واقع شهادة الشهود أن عناصر منظمة من التنظيم الإخواني المتستر خلف عباءة الدين، تعاونها جهات خارجية، استخدمت فئة إجرامية، لتحطيم جراج السفارة الأمريكية يوم 28 يناير 2011 وقاموا بسرقة السيارات الدبلوماسية لتنطلق في ميدان التحرير وتدهس المحتجين وبعض رجال الشرطة، لخلق حالة من الذعر والاحتقان بين المواطنين والشرطة"، انتهى الاقتباس.

ومن خلال ما سردته الحيثيات نجد أن الدولة في اتجاه إعلان حرب جديدة كتلك التي أعقبت الثورة المضادة الرومانية والانتقام الفعلي من كل طرف شارك في هذه الثورة وساهم فيها، ويبدو أن من الحيثيات أيضا أن النظام لن يكتفي بمجرد إشارة أصابع الاتهام لطرف، بل ينتظر هذا الطرف "الإخوان المسلمون" تصفيات بمحكوميات عالية الكلفة كالإعدامات والمؤبدات؛ ليؤكد نظام مبارك أنه مازال مفعلا وعاملا وأنه عاد أقوى مما كان، وبهذا تطوى صفحة ثورة يناير وليصدق من شاء كذبة الدولة الجديدة وليكذب من شاء.

إلا أن هذا الغضب الذي يختلج صدور أغلب من شاركوا في يناير الأولى لن يمر مرور  الكرام وربما يحدث انفجارات عاجلة أو آجلة، والثابت في كل هذا أن نظام السيسي مازال يحاصر نفسه بغباء، وأنه في خطوة كهذه كانت ستمثل له مزيدا من الشرعية التي أسسها في 30 يونيو بحجة "التصحيح" أنه مازال يقسم معسكره لينحاز إلى شق العصا والدولة الأمنية، وهذه الأخيرة سرعان ما تودي بصاحبها إذا تفاقم فشله وتزايد معارضوه!. 
التعليقات (0)