مقالات مختارة

روسيا: عرب بشعر أشقر

حسام عيتاني
1300x600
1300x600
كتب حسام عيتاني: تحتاج روسيا إلى برميل نفط بسعر 132 دولاراًً لتقي موازنتها من العجز. وتشكل صادرات النفط والغاز 68 في المئة من إجمالي الصادرات، أي ما يعادل 70 في المئة من الموازنة. بقية الصادرات تتوزع بين المواد الخام (الأخشاب والحديد نصف المعالج والمعادن)، والأسلحة والسلع المصنعة.

لا تشبه هذه اللائحة تلك التي تصدرها الدول الصناعية. فالموارد الطبيعية التي تتمتع روسيا بثروة هائلة منها تحتل رأس قائمة الصادرات، وإذا أضيفت الأخشاب والمعادن الخام إلى الصادرات، لوجدنا أنفسنا أمام منتجات دولة من العالم الثالث. يضاف إلى ذلك أن الأسلحة التي تصدّرها روسيا (حوالي 15 بليون دولار سنوياً) موضع جدال حول نوعيتها وفاعليتها وصيانتها، ما إن يتجاوز مستواها الأسلحة الخفيفة وبعض المضادات للمدرعات والطائرات.

البنية التحتية الروسية ليست أفضل حالاً. الطرق السريعة بين المدن الكبرى في حال يرثى لها، في الوقت الذي تقترب نهاية العمر الافتراضي لعشرات المفاعلات النووية، التي تعتمد روسيا عليها لتوفير الطاقة الكهربائية، من دون خطة لاستبدال المفاعلات المتقادمة بمصادر طاقة متجددة، بل يجري إنتاج مفاعلات جديدة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول جدواها وسلامتها.

بيد أن كل ذلك وغيره من علامات التدهور الاقتصادي الظاهر في أسواق العملات والأسهم، لم يبدأ مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط منذ حزيران (يونيو) الماضي. تقارير صندوق النقد الدولي تتحدّث عن التباطؤ الروسي منذ 2011 عندما استقرت أسعار النفط العالمية بعد أزمة 2008، وظهرت علامات الأزمة البنيوية العامة على الاقتصاد الروسي. أزمة لا علاقة لها بمؤامرة على موقع روسيا الدولي، بل بفشل عام شعر به القادة السوفيات منذ أواسط ستينيات القرن الماضي، ولم يجدوا حلاً له غير تصدير المواد الخام.

والحال أننا نتحدث عن دولة تطالب بالتعامل معها كدولة عظمى وهو ما لا تستحقه، على ما تجزم آن آبلباوم في مقال لها في «واشنطن بوست» (نشره ملحق «صحافة العالم» في «الحياة» أول من أمس)، دولة تحكمها طغمة مخابراتية تتملكها مشاعر الانتقام والاستعلاء.

بهذين المكونين، الاقتصاد الريعي والطغمة الأمنية - العسكرية، تبدو روسيا شديدة الشبه بكثير من الأنظمة العربية. يضاف إلى ذلك شعور بأهمية استعادة النفوذ الإمبراطوري في الخارج، ولو على حساب قمع الحريات وضرب المعارضة السلمية وتقييد الإعلام في الداخل. وبذلك نجد انفسنا أمام صورة طبق الأصل عن نظام الأسد (الراغب في استعادة موقعه لاعباً إقليمياً من باب محاربة الإرهاب) والحكم الإيراني وغيرهما.

فلا عجب أن يكون الرئيس السوري والمرشد الإيراني هما الحليفان الطبيعيان لفلاديمير بوتين، ولا عجب أن يتشارك الثلاثة في حلف لا مشروع، له غير البقاء في سدة السلطة بذرائع مقاومة النفوذ الأمريكي، والتصدي للإرهاب الأصولي.

ومفهوم أن روسيا قادرة على تخريب محاولات التغيير كلها في المنطقة، التي تعتقد أن لها فيها مصالح استراتيجية، على غرار ما فعلت في سورية. لكن مأساة بوتين تكمن في افتقاره إلى أي تصور مستقبلي، يوقف الدمار الذي دفع صوبه وعجزه عن أن يوظف أي حل سياسي لمصلحة حلفه مع إيران وبشار الأسد، وهذا ما يبيّنه هزال ما تسرب من أفكار حملها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في زيارتَيه إلى بيروت ودمشق: حلّ مجرّد من أي مضمون ولن يؤدي في حال تطبيقه إلا إلى تفجير الموقف بعد هدنة قصيرة.

أسلوب التفكير هذا يضعنا مجدداً أمام وجه شبه جديد مع الروس. وكأننا ننظر في مرآة تُظهرنا بشعر أشقر.



(صحيفة الحياة اللندنية)
التعليقات (0)