سياسة عربية

هل يمكن لحزب العمل أن ينتصر على نتنياهو؟

هل يعيد التاريخ نفسه في الانتخابات الإسرائيلية - أ ف ب
هل يعيد التاريخ نفسه في الانتخابات الإسرائيلية - أ ف ب
 قال الكاتب والصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت إنه وقبل أسابيع قليلة "لم تكن ثمة فرصة أمام المعارض إسحق هريتزوغ – الذي لا يتمتع بكثير من الكايرزما – للإطاحة بنتنياهو، أما اليوم فيتصدر استطلاعات الرأي".

 ويأمل الرئيس الحالي لحزب العمل إسحق هيرتزوغ، بحسب رابوبورت، أن يتمكن حزبه –الذي حكم إسرائيل خلال الثلاثين عاماً الأولى من عمرها– من استلام عجلة القيادة تارة أخرى.

وبحسب مقال رابوبورت المنشور في "ميدل إيست آي"، يعزز فرص هيرتزوغ الاتفاق الأخير الذي أبرمه مع تسيبي ليفني، وزيرة العدل السابقة في حكومة نتنياهو، لخوض الانتخابات القادمة ضمن قائمة مشتركة، وبناء على استطلاعات الرأي التي نشرت نهاية هذا الأسبوع، يتوقع أن تحصل القائمة الجديدة ما بين 22 و 24 مقعداً مقابل 20 مقعداً لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو.

وفيما يلي نص المقال كاملا:

هل يمكن لحزب العمل أن ينتصر على نتنياهو؟

ميرون رابوبورت - ميدل إيست آي

 حتى أسابيع قليلة مضت، لم تكن ثمة فرصة أمام إسحق هريتزوغ – الذي لا يتمتع بكثير من الكايرزما – للإطاحة بنتنياهو. وها هو اليوم يتصدر استطلاعات الرأي
 
في ديسمبر 1998 حينما صوت البرلمان الإسرائيلي لصالح إجراء انتخابات مبكرة، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتقدم منافسه من حزب العمل إيهود باراك في استطلاعات الرأي بأكثر من عشر نقاط.
 
ولكن اتضح بعد أن أغلقت صناديق الاقتراع بعد ستة شهور أن نتنياهو خسر الانتخابات لصالح باراك بحوالى عشرين نقطة، وذلك أن موجة عارمة من السخط الشعبي الموجه ضد نتنياهو شخصياً مكنت اليسار من الوصول إلى السلطة.
 
بعد مرور خمسة عشر عاماً يأمل الرئيس الحالي لحزب العمل إسحق هيرتزوغ بأن يمكن حزبه – الذي حكم إسرائيل خلال الثلاثين عاماً الأولى من عمرها – من استلام عجلة القيادة تارة أخرى.
 
يبدو أن فرصه قد تعززت إثر إبرامه اتفاقاً مع تسيبي ليفني، وزيرة العدل السابقة في حكومة نتنياهو، لخوض الانتخابات القادمة ضمن قائمة مشتركة، ويبدو الآن كما لو أن باستطاعته إنجاز ما بدا قبل أسابيع قليلة مهمة مستحيلة.
 
وكانت قائمتهما المشتركة، والتي تسمى بشكل غير رسمي "الوسط الصهيوني"، قد أعلن عنها في وقت مبكر من الأسبوع. ولكن ما أن حلت نهاية الأسبوع حتى بدأ هذا التحرك يؤتي أكله. فبناء على استطلاعات الرأي التي نشرت نهاية هذا الأسبوع، يتوقع أن تحصل القائمة الجديدة ما بين 22 و 24 مقعداً مقابل 20 مقعداً لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو.
 
هذا لا يعني بالضرورة أن طريق هيرتزوغ نحو مكتب رئيس الوزراء باتت مؤمنة، فمازال أمام الانتخابات ثلاثة شهور، وماتزال أغلبية الإسرائيليين ترى نفسها منحازة تجاه اليمين. إلا أن بعض التطورات التي سمحت لباراك بالإطاحة بنتنياهو في مايو من عام 1999 تبدو كما لو أنها تعيد نفسها من جديد، ويأتي في مقدمتها موجة السخط القوية – إن لم يكن القرف – تجاه نتنياهو، والتي يمكن تلمسها ليس فقط في صفوف أتباع حزب العمل، بل وحتى في صفوف من يصوتون له في العادة، لدرجة أن عبارة “كله إلا بيبي” {وبيبي هو اسم الشهرة لنتنياهو} باتت الآن تسمع في كل أنحاء إسرائيل.
 
وكان نتنياهو قد انتخب رئيساً للوزراء ثلاث مرات، وهو في هذا يحتل المرتبة الثانية بعد دافيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل، من حيث طول الفترة التي قضاها في رئاسة الوزراء. إلا أنه لم يحظ في الحقيقة بتاتاً بحب الجماهير. صحيح أنه ولد في القدس، إلا أنه نشأ وترعرع وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ولذلك فهو من جوانب كثيرة غريب عن العقلية الإسرائيلية. تراه يفضل الإنجليزية على العبرية، وجل مستشاريه هم من مواليد أمريكا. وعلى النقيض مما عليه حال معظم السياسيين الإسرائيليين – بما لذلك من سلبيات أو إيجابيات، لا يوجد لدى نتنياهو أصدقاء حميميين أو بطانة في مجتمع ينزع فيه الناس إلى التمسك بأصدقائهم الذين تعرفوا عليهم في المدرسة الثانوية أو أثناء الخدمة العسكرية.
 
ومن الولايات المتحدة استورد نتنياهو إيمانه العميق برأسمالية السوق الحرة، ورغم أنه يمكن الجدل بشأن المدى الذي تمكنت فيه سياساته النيوليبرالية من مساعدة الاقتصاد الإسرائيلي أو من إعاقته، إلا أن من المؤكد أنها جوبهت بقدر هائل من الامتعاض في بلد تأسس على المثل الجماعية أو حتى الاشتراكية.
 
في انتخابات عام 2006، وبعد التخفيضات الكبيرة التي أدخلها على بدلات الرعاية الاجتماعية حينما كان وزيراً للمالية، حصل حزب الليكود تحت قيادته على 12 مقعداً فقط، وهو أدنى عدد من المقاعد يحصل عليه الحزب في تاريخه.
 
في المقابل، تعتبر أكبر نقاط القوة لدى نتنياهو هي التزامه القوي باعتبار إسرائيل أرضاً لليهود، وسمعته كسياسي صارم وغير متساهل مع الفلسطينيين، ولذا كان أنجح شعار انتخابي له هو الذي يصف فيه نفسه بأنه “شديد على الإرهاب”. ما من شك في أن ذلك ساعده على الفوز في انتخابات عام 1996 إثر موجة من الهجمات الانتحارية، وفي انتخابات عام 2009 بعد العملية العسكرية المخيبة للآمال ضد حماس في غزة، والتي سميت عملية الرصاص المسكوب، وكذلك في عام 2013 بعد أن نعم الإسرائيليون بأكثر أعوامهم هدوءاً منذ عقود.
 
إلا أن الحرب الأخيرة على غزة أضرت بصورته كثيراً، وذلك أن إسرائيل ولئن تسببت لغزة بالكثير من المعاناة وألحقت بها دماراً هائلاً، إلا أنها لم تتمكن من إلحاق الهزيمة بحماس التي ظلت تقاتل لخمسين يوماً وكانت قادرة على إطلاق الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية طوال ذلك الوقت وتمكنت من شل الاقتصاد الإسرائيلي.
 
تعبيراً عما يشعر به عامة الإسرائيليين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، قال أحد المساعدين السابقين لنتنياهو بعد الحرب مباشرة: “لقد استثمرنا في تسليح وتجهيز الجيش خلال السنوات العشر الماضية 500 مليار شيقل (أي ما يعادل 125 مليار دولار) بينما استثمرت حماس خمس مليارات شيقل، وكانت النتيجة التعادل.”
 
في الشهور التي تلت الحرب على غزة لم تطلق صواريخ على إسرائيل، إلا أن الوضع ظل في غاية التوتر، وتخلل ذلك تفجر بعض مظاهر العنف في القدس وفي الضفة الغربية وداخل إسرائيل السيادية، الأمر الذي ألحق ضرراً كبيراً برصيد نتنياهو. كما ساهم تدهور الأوضاع الاقتصادية والتشاكس الدائم داخل الحكومة في تأكل المزيد من شعبيته. وتشكل انطباع عام بأن قراره حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة كان قراراً متسرعاً وغير مبرر.
 
ومع ذلك، وحتى وقت قريب، لم يكن ثمة ما يدل على أن الشعور العام الذي يعبر عنه بشعار “كله إلا بيبي” يمكن أن يمهد الطريق أمام هيرتزوغ للوصول إلى السلطة، وهو الذي لم يعتبر أحد على الإطلاق أن لديه الفرصة في أن يكون منافساً جاداً على منصب قيادة البلاد، وهو المنحدر من أسرة في غاية الثراء، أضف إلى ذلك صوته ذا النبرة الحادة وشخصيته المفتقدة بشكل عام إلى الكاريمزما. إلا أن هيرتزوغ، المحامي والحاصل على تدريب جيد في ميدان العمل السياسي، فاجأ الكثيرين.
 
تعرضت الصفقة بين هيرتزوغ وليفني للنقد من قبل الكثيرين لأنه وافق على أن تحل محله في موقع رئيس الوزراء إذا ما تمكنا من الفوز بالانتخابات. وهذا يعني أن ليفني، الذي تشير استطلاعات الرأي أن حزبها بالكاد سيتمكن من الفوز بالمقاعد الأربعة التي يشترط الحصول عليها ليكون ممثلاً داخل البرلمان، قد ينتهي بها المطاف رئيساً للوزراء. ومع ذلك، يبدو أن الجمهور يقدر لهيرتزوغ السرعة والكفاءة التي تمكن من خلالهما من إبرام الصفقة. منذ أن عقد الاتفاق ارتفع عدد المقاعد التي يحتمل أن يفوز بها حزب العمل بحسب استطلاعات الرأي من 13-15 إلى 22-24.
 
إلا أن ذلك غير كاف، حيث يحتاج هيرتزوغ إلى أغلبية 61 مقعداً في البرلمان حتى يتمكن من تشكيل الحكومة، فحتى لو ضمن دعم حزب ميريتس اليساري والأحزاب التي تمثل الأقلية العربية (والتي قد تتوحد في قائمة مشتركة واحدة لأول مرة في تاريخ إسرائيل) فإنه بالكاد سيتمكن من تجميع 40 مقعداً، فذلك دون الحد المطلوب بكثير.
 
في نفس الوقت لا يمكن الجزم بأن خيبة أمل الجمهور من نتنياهو بدأت فعلاً تترجم لصالح هيرتزوغ، وذلك أن نافتالي بينيت، من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، يجني أصواتاً هو الآخر من بين الجمهور الساخط على نتنياهو بسبب التعادل مع حماس في عملية الجرف الواقي. وهناك أيضاً موشيه كاهلون، الوزير السابق من حزب الليكود الذي اشتهر بتوفير المال بفضل الإصلاحات التي أدخلها على سوق الخلويات، فهو يحظى بدعم جديد من قبل ناخبي اليمين المتطرف الذين تشغل بالهم أسعار المواد الاستهلاكية أكثر مما تشغلهم المفاوضات مع الفلسطينيين.
 
كما أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان لاعب آخر يتوقع أن يستفيد هو الآخر مما يجري. ونظراً لكونه ينحدر من مولدوفا أصلاً فهو يتمتع بدعم جيد في أوساط ما يزيد عن مليون إسرائيلي كانوا قد جاءوا مهاجرين من الاتحاد السوفياتي، ويجذبهم إليه خطابه المناهض للعرب أكثر مما يجذبهم حديثه عن اتفاق سلام (ينبغي أن يتضمن حسب ما يقوله ليبرمان نقل الفلسطينيين من إسرائيل إلى فلسطين).
 
وإلى الوسط من الطيف السياسي، سيكون على هيرتزوغ التنافس مع وزير المالية السابق يائير لابيد، الذي مايزال يتمتع بالشعبية في أوساط الطبقة الوسطى داخل المدن، وهي الطبقة التي لا تتعاطف كثيراً مع الأفكار المنسوبة إلى الديمقراطية الاجتماعية بشكل عام وإلى حزب العمل بشكل خاص.
نظراً لما يظهر على محياه من سمات أشكنازية (والأشكناز هم اليهود المنحدرون من أصل أوروبي)، وبسبب استعداده الكامن للمساومة مع الفلسطينيين، سيجد هيرتزوغ صعوبة في إقناع هذا القطاع من الناخبين بمنحه أصواتهم. إلا أن صفقته مع ليفني ساعدته فعلاً في وضع نفسه في موقف يبدو فيه المنافس الوحيد القادر على أن يحل محل نتنياهو. بينيت متطرف جداً بينما يعتمد كل من ليبرمان وكاهلون ولابيد على قطاعات ضيقة من جمهور الناخبين. أما هيرتزوغ، الذي كان جده يشغل منصب الحاخام الأكبر في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، فلديه علاقات وثيقة جداً بالأحزاب الدينية والتي يتوقع أن تحصل على 15 مقعداً في انتخابات البرلمان القادم.
 
لو أن الانتخابات كانت تجري فقط بين اليمين واليسار، أو بين أولئك الذين يبحثون عن تسوية مع الفلسطينيين وأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع القائم كما هو أو حتى في ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية، لكان نتنياهو هو الفائز لا محالة وبلا منازع. ولكن، وبفضل الشعور الذي يعبر عنه شعار "كله إلا بيبي" ونظراً للتشرذم العام في الخارطة السياسية الإسرائيلية، فقد يجد هيرتزوغ نفسه في موقع يسمح له بتشكيل الحكومة القادمة.
 
صحيح أنه حتى فيما لو فاز هيرتزوغ فإن حكومته ستكون في أحسن أحوالها كائناً هجينياً، ومن المستبعد جداً أن تكون لديه الشجاعة ليضم الأحزاب العربية (أو أياً منها) إلى حكومته، وهو ما لم يجرؤ على فعله سوى رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين. ولذلك فسوف يحصل كل من كاهلون المنحاز يميناً وليبرمان المتيم بمشروع الترانسفير على حقائب مهمة في حكومته – وهو ما لا يبشر بخير لعملية السلام. ولكن بالمقارنة مع ائتلاف نتنياهو وبينيت، ستحاول الحكومة التي يرأسها كل من هيرتزوغ وليفني استئناف المحادثات مع الفلسطينيين. قد لا يعني ذلك الكثير، ولكنه سيكون أفضل حالاً من الاسنداد الحالي، والذي إنما يؤدي إلى المزيد من العنف.

ميرون رابوبورت -صحفي وكاتب إسرائيلي-، حائز على جائزة نابولي للصحافة عن تحقيق أجراه حول سرقة أشجار الزيتون من ملاكها الفلسطينيين. عمل سابقاً نائباً لرئيس قسم الأخبار في صحيفة هآرتز، وهو الآن صحفي مستقل.
التعليقات (0)