مقالات مختارة

النفط.. والأربعين حرامي!

محمد فريحات
1300x600
1300x600
لطالما نظرت الى سوق النفط العالمي في أزماته وانتكاساته وكأنه تجسيد حقيقي للموروث الشعبي "علي بابا والأربعين حرامي".. فنحن نعرف هنا من هو علي بابا لكننا نجهل تماما أي من الأربعين حرامي الذين سببوا كل هذا الهبوط الحاد في سعر برميل النفط!

هكذا هو إذن سوق النفط، فعندما يتدرج برميل النفط بشكل طبيعي ومنطقي وعقلاني ليصل الى ذروة أسعاره بواقع 110 دولارات وفجأة يفقد 50 % من قيمته ويتدحرج في غضون أشهر قليلة فقط الى حدود 55 دولارا، فإنه لابد وأن يخطر على بالنا قصة "علي بابا والأربعين حرامي".

ما تشهده أسواق النفط حاليا لا يعدو عن كونه فوضى عارمة أو بالأحرى "طاسة وضايعة"، لا أحد يقدم أو يملك معطيات حقيقية عن ما حصل ويحصل، ولا أحد يتحدث عن الأسباب الحقيقية لما تشهده السوق، ولا أحد لديه دلائل وبراهين، والأهم من هذا وذاك، أنه لا أحد يريد أن يقدم تنازلات أو لنقل يبدي استعدادا للتوصل الى تفاهمات يمكن الاتفاق بشأنها بين أعضاء أوبك والمنتجين الآخرين على إطار معين يستطيع إخراج الأسعار الحالية من عنق الزجاجة!

الأدهى من كل ذلك، أن البعض ينظر الى المستوى الذي بلغه برميل النفط في الوقت الراهن على أنه معركة كسر عظم بين عدة أطراف، ولعبة عض أصابع، الضعيف فيها سيقول بالنهاية "أخ"، حتى ان البعض الآخر ذهب بعيدا في رؤيته لما يحصل على أنه مؤامرة أمريكية للإضرار بالاقتصادين الروسي والإيراني تحديدا!..

الأمر الوحيد المؤكد في سوق النفط العالمي الآن، والحقيقة الوحيدة الواضحة التي لا أحد بإمكانه المجادله فيها حاليا هي أن "الحقيقة ضائعة"!

لكن ما بين هذا وذاك، وريثما يعود سوق النفط العالمي الى وضعه الطبيعي، لا بد من الإشارة الى أن الانخفاض الذي تشهده أسعار السوق له فوائد صحية وإيجابية أيضا، فهذا الانخفاض ليس كله أشواكا، فهناك بعض الورود تطل برأسها.

انخفاض أسعار النفط ينعكس إيجابا على كبح التضخم في دول الخليج على الأقل الذي بلغ مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، فلا شك أن استمرار انخفاض أسعار النفط سينعكس بشكل إيجابي على انخفاض أسواق السلع الاستهلاكية والعقارات والإيجارات وبالتالي زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين، ما سيعيد أسواق المنطقة عموما لتكون متسقة أكثر مع ما تشهده معظم الاقتصادات العالمية في الوقت الراهن من انكماش وتباطؤ.

والأمر الإيجابي الآخر لانخفاض أسعار النفط هو دفع دول الخليج الى تسريع وتيرة تنويع مصادر الدخل وعدم الاستمرار في الاعتماد المفرط على المصدر الواحد القائم على برميل النفط وقطاع الطاقة عموما.

بقي القول ان مشكلة كل الذين يراهنون دائما على استمرار الأداء الإيجابي لأسواق النفط وولائهم للجانب التفاؤلي هي النهاية غير السعيدة، أو بمعنى آخر أن "القضية دائما تخونهم"!



(نقلا عن صحيفة بوابة الشرق القطرية)
التعليقات (0)