كتاب عربي 21

في تقييم الإخفاق الانتخابي وتصور المستقبل

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
إذا انطلقنا، سواء في سياق "حزب المؤتمر" أو حملة الرئيس المرزوقي، من نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية فإن التقييم مختلط.

لا شك أننا ساهمنا في حماية الديمقراطية في بحر متلاطم من التحديات الإقليمية، التي حاولت ولاتزال تضرب تجربتنا الديمقراطية لكننا أوصلنا البلاد إلى انتخابات مال فيها الشعب التونسي بأغلبية واضحة من المقترعين (ونسبة مقاطعة كبيرة)ن لمصلحة المنظومة القديمة التي قامت عليها الثورة. علينا أن نحدد الأسباب التي جعلت الناخبين يشعرون بالفتور ويصوتون بأغلبية للماضي، وأيضاً جعلتنا في موقع هزيل في التشريعية وأقلية (ولو كبيرة ومهمة) في الرئاسية. 

أولاً، دفعنا ثمن الفشل النسبي لتجربة الترويكا خاصة في الحفاظ على من صوتوا لها والإبقاء على قاعدة انتخابية وفية؛ لأن الترويكا لم تف  بدرجات متفاوتة بما في ذلك حزب المؤتمر بوعودها في المرحلة الانتقالية. المشكلة الرئيسية كانت في أن التحالف أقيم على أساس محاصصة وليس برنامجاً. رغم المحاولات الأولى في مفاوضات الترويكا لحكومة حمادي الجبالي  ومفاوضات الحكومة الثانية لعلي العريض، فشل مشروع إقامة تحالف برامجي يضع خطة زمنية واضحة لتنفيذ حد أدنى من الوعود.

وكان التوجه العام بهيمنة من النهضة يدفع في اتجاه نسق متردد دون برنامج في مصلحة القاعدة الانتخابية (مؤشرات سريعة على تنمية ومحاسبة)، وبغرور واضح لم يفهم القوة الكامنة للثورة المضادة. كان على المؤتمر أن يضغط بشكل أكبر بما في ذلك التهديد الجدي، وربما حتى فعلياً الانسحاب من التحالف لكي يمكن إقامة توازن داخل التحالف. ضعف التوازن داخل الترويكا وأيضاً قوة ضاغطة تعدل التوازن مع الترويكا، أدت في النهاية ليس فقط لضعف الترويكا واهترائها، ومن ثم ضعف المؤتمر بل وأيضاً طلب شعبي على المعارضة، واحتلال موقع المعارضة أساساً من المنظومة القديمة تعضدها جبهة اليسار الراديكالي، وهو تحالف ترسخ بشكل خاص مع تزايد اغتيالات الإرهاب، العامل الآخر الدافع نحو الانقلاب على التجربة. 

ثانياً، تلاشي هوية الحزب في خضم التحالف حيث أصبح ينظر إليه كـ"نهضة" صغيرة ثانية. ففقد ملامح جعلته ينتصر في انتخابات 2011، بما في ذلك هويته الوسطية في مسألة الدولة المدنية وميله لليسار في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وضعف توجهه في المحاسبة رغم محاولات التموقع في هذا الاتجاه على مستوى مشاريع القوانين في المجلس التأسيسي ومحالات ضعيفة في الحكم.

ثالثاً، كان زعيم الحزب وجهه الرئيسي. الدكتور المرزوقي تأثر بتجربة الحكم بما أثر على حظوظه في الرئاسية. كانت تضحية الحكم أكبر من أن تتحملها الانتخابات. ورغم ذلك تم في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية خلق ديناميكية مهمة للغاية حول الدكتور المرزوقي، بما جعله رمزاً لقاعدة انتخابية ضخمة يمكن اعتبارها أهم إنجاز انتخابي حققناه..

رابعاً، ضعف الحزب تنظيمياً خاصة مباشرة بعد انتخابات 2011 وتآكله بعد انغماس كوادره في تجربة الحكم (حكومة ورئاسة)، وتجاهل بناء الجهاز التنظيمي لفترة طويلة وحتى بعد الاستفاقة لهذه النقطة و الفشل في القيام بها بشكل محترف ومستديم، بعيداً عن التجاذبات السياسية داخل الحزب. ضعف الحزب سياسياً إلى جانب الانقسامات الكبيرة التي أضرت بصورته.

خامساً، الفشل في تدارك الأمر ودخول التشريعية في اطار ائتلاف أو جبهة، وهي نتيجة مباشرة لانعدام الثقة الكبير والهوة بين القيادات التي انشقت والحزب الأم. والدخول إلى الانتخابات في جزء منها بوجوه قديمة ذكرت الناخبين في تجربة الترويكا المهترئة. 

سادساً، كل العوامل الخارجية والظرفية التي يجب اعتبارها جزءاً طبيعياً ومتوقعاً، سواء تآمر المنظومة القديمة مع أطراف في الداخل والخارج. وأيضاً الوضع غير المستقر والصعب لكل وضع ما بعد ثوري. 

خضنا ثلاث دورات انتخابية تاريخية بالنسبة لتونس، ونحن مع "نداء تونس" كنا الطرفين الوحيدين الذين خاضا المراحل الانتخابية كلها. الدور الثاني للانتخابات الرئاسية جعلنا في موقع الطرف المضاد للمنظومة القديمة العائدة.
تصور للمستقبل:

بناء على النقاط أعلاه يمكن استخلاص ما يلي:

أولاً، لاتزال الأحزاب التي وقفت بوضوح خاصة في الرئاسية على الضد من المنظومة القديمة، رقماً رغم ضعفها. نوابهه في مجلس نواب الشعب هم قاعدتها الموضوعية المادية في مؤسسات الدولة الآن. المرحلة الراهنة يجب أن تركز على التقييم الشامل والتجديد، وخاصة إعادة ثبيت هويته الفكرية والسياسية التي تضع في سياق التيار الديمقراطي الاجتماعي والوسطية في المسألة الثقافية، والمؤتمر الوطني بهذا المعنى مرحلة أساسية لبقاء الحزب. 

ثانياً، لأن الاستحقاق الانتخابي القادم لأحداث توازن وإقحام القوى الديمقراطية في مؤسسات الدولة والحد من سلطة النظام القديم، هي الانتخابات البلدية وهي انتخابات تستوجب قائمات عديدة وكبيرة، وهي بذلك ليست حتى انتخابات الأحزاب الكبرى التي تحتاج قائمات متنوعة، فما بالك بالأحزاب الصغيرة والمتوسطة؟ وبهذا المعنى يمكن أن تكون مبادرة "الحراك" التي أطلقها الرئيس المرزوقي، بما هو مرجعيتها الرمزية، إطاراً محتملاً للتعاون والائتلاف. وعلى هذا الأساس يجب تثبيت الأدبيات الفكرية والسياسية على موضوع "الديمقراطية المحلية"، بوصفه شعار المرحلة التاريخية الراهنة؛ إذ إن فكر النظام القديم ينبذ تفعيلاً جدياً للديمقراطية، خاصة بعيداً عن المركز بسبب اللوبيات الجهوية التي تتحكم فيه. وهكذا يكون الصراع مع المنظومة القديمة على أساس سياسات للمستقبل، وليس فقط صراعاً مع أشخاص ورموز وماضٍ، وهو أساس ضروري للتعبئة حيث إن جزءاً مهماً من المواطنين يضع اهتماماته أساساً في الحاضر والمستقبل؛ بسبب تراجع المد الثوري والمحاسبة على أساس الماضي.
التعليقات (0)