مقالات مختارة

فرنسا ستتغيّر في العمق

علي حمادة
1300x600
1300x600
كتب علي حمادة: كما يقال إن أمريكا ما بعد هجمات 11\9 على نيويورك وواشنطن لم تعد كأمريكا ما قبلها، يصح القول اليوم ان فرنسا ما بعد "شارلي إيبدو" لن تكون كما قبلها.

إن فرنسا بعد اليوم ستتغير في العمق، وسوف يقف هذا البلد الأوروبي المركزي عند محطة مفصلية لا تتعلق فقط بنظرة الغالبية الكاثوليكية إلى العالم، بل بنظرتها إلى الأقلية المسلمة المتحدرة من المهاجرين المغربيين. لقد دفنت مع جريمة "شارلي إيبدو" حقبة بدأت مع الجنرال شارل ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة، وستبدأ مرحلة جديدة مدفوعة بموجة اجتماعية شعبية داخلية انغلاقية، لن يتمكن اليسار الفرنسي من صدها، وسوف تطفو على السطح نقاشات عميقة وخطرة تتناول "هوية" فرنسا الثقافية، وحتى الدينية، والعلاقة مع المسلمين المعتبرين حتى الآن ضمناً "غرباء".

أبعد من مقتل صحفيين فرنسيين برصاص شابين فرنسيين من أصول مغربية من الجيل الثالث من المهاجرين، تكمن إشكالية لا تقتصر فقط على فرنسا، بل تتعداها إلى دول أوروبية أخرى، وتتصل بـ"الهوية" الوطنية، أكان ذلك في المانيا أم ايطاليا أم فرنسا أم غيرها.

وإذا كانت الإشكالية قديمة، والنقاش قديماً أيضاً، فإن ما حصل في اليومين الماضيين في باريس من قتل لصحفيين وأخذ رهائن في متجر يهودي باريسي تسبب بمقتل ثلاثة منهم، سيكون بمنزلة الشرارة التي ستطلق تداعيات كبيرة في عمق المجتمع الفرنسي، وستنعكس حكماً على نتائج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في البلاد، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية في 2017. ومن المؤكد أن يستفيد مما حصل حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن.

وتعود خطورة ما حصل في اليومين الماضيين، وتداعياته الكبيرة، الى أن الفاعلين كانوا فرنسيين من أبناء المهاجرين من الجيل الثالث، أي إنهم ولدوا فرنسيين على أرض فرنسا، ولم يفدوا إليها حديثاً. ومن هنا يكون عمق التحولات التي سيشهدها المجتمع الفرنسي لناحية علاقاته الداخلية.

في الحالة الفرنسية، المشهد أشد تعقيداً، لكون المسلمين يشكلون عشرة في المئة من الشعب الفرنسي، ويتجاوز عددهم الستة ملايين. وعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي سيركز على عدم جواز الخلط بين الإرهابيين والإسلام والمسلمين، فإن الوعي العام الفرنسي سيقع تحت ضغط منطق الخلط النابع من امتعاض الغالبية الكاثوليكية، من نشوء حالة إسلامية في فرنسا، لا نستبعد نشوء توترات كبيرة في داخل المجتمع ضاغطة على المسلمين.

يتعين مراقبة فرنسا في المرحلة المقبلة لأنها ستتغير كثيراً. ألم تصدر "لوموند" الصحيفة الأكثر رصانة في البلاد بمانشيت تقول فيها "11 أيلول الفرنسي"؟ فكيف تبقى فرنسا ما بعد كما كانت ما قبل هجوم "شارلي إيبدو"؟

(عن صحيفة النهار اللبنانية 10 كانون الثاني/ يناير 2015)
التعليقات (0)