قضايا وآراء

بين الإرهاب و المقاومة المشروعة

أحمد مصطفى
1300x600
1300x600
 تصادف حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "النصوص الدينية المقدسة" التي تعادي الدنيا بأسرها، و عن المليار و نصف المليار مسلم الذين لا يعقل أن يبيدوا سبعة مليارات من البشر حتى يعيشوا بمفردهم، تصادف مع العملية التي استهدفت مقر صحيفة "شارلي ايبدو"  في باريس على خلفية استهزائها بالنبي - صلى الله عليه و سلم - و أدى لمقتل اثني عشر شخصًا بينهم خمسة من رسامي الكاريكاتير بالصحيفة.

 و بغض النظر عن ردود الفعل المتباينة التي أثارها الحادث فإن أسئلة معتادة تثار بشكل متكرر في مثل هذه الأحداث، لا سيما تلك المتعلقة بدوافع هذه العمليات و تداعياتها، وما إذا كانت أخلاقية أم لا.

و قبل أن نشرع في محاولة إجابة طرف من هذه الأسئلة، لا بد أن نرسي عددًا من الحقائق: أما عن المليار و نصف مليار مسلم، فهم في الواقع من تعرضوا لأبشع أنواع الإبادة في العصر الحديث، لا سيما مع بداية الهجمة الاستعمارية الغربية على العالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وصولاً إلى الحرب الأمريكية على "الإرهاب".

 و قد أدت حملات الإبادة تلك لمقتل الملايين من المسلمين، سقط مليون و نصف المليون منهم في الجزائر فقط على أيدي الاستعمار الفرنسي، و ما زالت جراح المسلمين تنزف في فلسطين والعراق و أفغانستان، كما أن جراح المسلمين تنزف في سوريا و غيرها من البلاد العربية و الإسلامية على أيدي الحكام المستبدين المدعومين من الغرب الاستعماري.

أما عن الحقيقة الثانية، فهي أن الدول الغربية - لا سيما الولايات المتحدة و حلفائها - كانت و ما زالت تمارس استعمارًا مباشرًا في الدول الإسلامية، فعلى سبيل المثال تدخلت فرنسا عسكريًا عام 2013 في مالي لقمع الثورة في إقليم أزواد، كما دعمت فرنسا الميليشيات المسيحية في أفريقيا الوسطى في ممارستها للتطهير العرقي ضد المسلمين. ولا يخفى على أحد الجرائم التي مارستها الولايات المتحدة ضد المسلمين في احتلالها لأفغانستان و العراق، وما زالت تمارسها.

 أما عن الاستعمار غير المباشر فلا يخفى على عاقل مدى هيمنة الولايات المتحدة وخلفائها على مقدرات العالم الإسلامي، وهيمنتها كذلك على الأوضاع السياسية، فضلاً عن الغزو الثقافي والفكري، وكل ذلك تحت أجندة العولمة في القرن الحادي و العشرين.

و إذا أدركنا هذه الحقائق أدركنا كذلك بداهة أن المسلمين هم الضحايا، وليسوا الجلادين كما زعم السيسي في خطابه، كما أن أشكال المقاومة التي يقوم بها المسلمون ليست إلا رد فعل ضئيلا مقابل ما يتعرضون له من جرائم في مشارق الأرض و مغاربها.

وفي ضوء ما ذكرنا آنفًا، إذا أردنا قراءة حادثة فرنسا وما شابهها من حوادث توصف في الإعلام الغربي والعربي على السواء بأنها "إرهابية"، لا بد أن نقرأها في سياق رد الفعل لا في سياق الفعل، فهذه الحوادث ليست اعتداءً بل هي إفراز طبيعي للأوضاع التي يعيشها العالم الإسلامي، كما أن رد الفعل هذا لا يزال متواضعًا وهزيلاً مقارنة بواقع المسلمين.

أما عن مدى أخلاقية هذه الأحداث، فيرى الخطاب الأوحد المتصدر لجميع المنابر الإعلامية والسياسية والدينية الرسمية منها وغير الرسمية، أنها عمليات إرهابية همجية بربرية، وكل من يرى رأيًا مخالفًا فهو بالضرورة أصولي ورجعي. والحجة في ذلك أن هذه العمليات تستهدف المدنيين في حين أن الجرائم التي يمارسها الغرب ضد المسلمين - والتي يعترفون بها من باب ذر الرماد في العيون - تقتصر على السياسيين الغربيين دون شعوبهم.

والحقيقة التي يتغافل عنها هؤلاء هي أن الحروب في العصر الحديث لم تعد حروبًا بين الجيوش أو بين مجموعات من المسلحين كما كان الأمر في العصور الوسطى، لكنها أصبحت حروبًا مجتمعية، يشارك فيها المجتمع بأسره من خلال حمله للأعباء الاجتماعية والمادية للحرب، ومن خلال مشاركته السياسية في قرار بدء الحرب والاستمرار بها.

 كما أن الحرب تنتهي عندما يفقد المجتمع إرادة القتال أكثر مما تنتهي نتيجة للهزائم العسكرية الميدانية.

وهذه الطبيعة المجتمعية للحروب في العصر الحديث هي ما يفسر لنا الدمار الشامل الذي أدت إليه الحربان العالميتان على سبيل المثال، نتيجة لمحاولة كل طرف حسم الحرب من خلال تدمير المجتمع المعادي ودفعه للتوقف عن القتال من خلال تكبيده لخسائر بشرية ومادية لا يستطيع معها الاستمرار في القتال، ما أدى إلى ذوبان الخط الفاصل بين ما هو مدني وما هو عسكري في خضم الحروب.

 ولو أن طرفًا من أطراف الحرب قرر أن يتوقف عن استهداف الخصم بحجة عدم استهداف المدنيين لخسر الحرب لتوّه، ولكان ذلك فعلاً مجنونًا لا يعني سوى الانتحار.

ونحن وإن كنا نرى بشاعة هذه الحقيقة، فإننا لا نستطيع إغفالها أو تجاوزها، فإذا اضطر الطرف المعتدى عليه إلى رد العدوان، بما يحقق شيئًا من توازن الرعب يدفع المعتدي إلى التوقف عن العدوان أو التفكير على الأقل فيما يترتب على عدوانه من تبعات، كان ذلك واجبًا عليه عند كل عاقل.

لذا فطالما كان المسلمون في وضع رد العدوان، لا يستطيع أحد أن يلومهم على استهدافهم للمجتمعات المعتدية، كما أن كل خطاب يتحدث عن وحشية وهمجية هذا الاستهداف ليس إلا خطابًا مضللاً هدفه إماتة روح المقاومة في جسد الأمة.

هذا عن مدى أخلاقية هذه العمليات، أما عن مدى جدواها من الناحية السياسية فهذا أمر منفصل لا يتسع المجال لمناقشته هنا، لكن كما قال تشي جيفارا كلمته الخالدة "الثوار يملأون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء"، فإن أشكال المقاومة التي تقوم بها الأمة الإسلامية ليست سوى ضجيج هدفه ألا يذبح المسلمون بدماء باردة في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
0
التعليقات (0)