مقالات مختارة

ما الذي تجمد في خيامكم؟

سرمد الطائي
1300x600
1300x600
لم "نتأخر" كثيراً عن إغاثة النازحين الذين يتجمدون في خيامهم، من شواطئ المتوسط حتى هضبة الأناضول وجبال كردستان. لم نتأخر أبداً، أما ما تشاهدونه من بطء في مبادرتنا، فهو "سرعتنا الطبيعية" التي يجب ألا نتفاجأ بها. إن الأمم التي تحسن قياس سرعتها ستحسن فهم مشاكلها. ولدينا بضعة مشاكل في وحدات القياس كما يبدو.

لا تهتموا كثيراً بالحزن على من يتجمد في الخيام من أطفال وعجائز، لأنها مجرد حادثة تحاول تذكيرنا بأشياء كثيرة تجمدت منذ زمن طويل، وجعلت عضلاتنا تتباطأ في كل شيء.

لا ينبغي أبداً أن نستغرب تجمد السوريين والعراقيين في خيامهم، فهذا أبسط نتيجة لجمود سياساتنا وأفكارنا، وتيبس مشاعرنا طوال قرون. أما ما حصل في آخر أربعين عاماً فكان رحماً طبيعية لهول قيامتنا الراهنة.

تيبست السياسة وتجمدت فجعلت العراق يأكل نفسه، مع إيران والكويت، ثم مع ثلاثين دولة. ثم تيبسنا حين تحررت بغداد من أسوأ حاكم عام 2003، ولا زلنا منذ 11 عاماً نتفرغ لشتم بعضنا، ولا نتورع عن رفع أسعار السلاح وخفض أسعار الدم، وها هو جيل فتي يفتح عيونه على مسار كراهية وغضب رهيب، وينخرط في الموت بكل الاتجاهات، والشباب يشتمونك ويسخرون منك حين تتحدث عن دور السياسة في صنع سلام ما.

هل يوجد في تويتر وفيسبوك الآن سوى مرايا لحال المجتمعات في الشرق الأوسط، وشبابها يقضون الساعات الطويلة لا في متابعة اختراع علمي أو حل معادلة في الكيمياء أو مسألة في الحكمة، بل في لعن الطائفة الأخرى، وتبرير انعدام الأخلاق، والاختلاف حول مشروعية التفخيخ وجمع "الغنائم" وبيع النساء والرجال، وجلد الشباب بالسياط!

وحين تكون سرعتنا بهذا البطء في استيعاب الخطايا ونتائجها، هل يسوغ لنا أن نستغرب من فضيحة الانجماد في مخيمات النزوح، وفضيحة الموت المتواصل للشباب، الذين تزدحم بهم مقابر أربيل والنجف والموصل والرمادي، وسط انجماد السياسة وتيبس الحكمة؟

ها نحن منذ 150 عاماً، نحاول الإفاقة من زمن الغفلة الطويل، دون جدوى. لقد كان الفارق في التطور بيننا وبين الغرب 100 سنة، حتى منتصف القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الحين أصبح الفارق في الزمن والتنمية بحسب مراكز الأبحاث الغربية، شيئاً لا يمكن حسابه برقم طبيعي. ذهب العالم يسرع خطاه نحو التنافس على أسرار الذرة والفضاء، وانهمكنا نحن في تلاعن وتشاتم وحروب داخلية وخارجية، وأنفقنا معظم مالنا الزائل على النار والبارود، وكل هذه النيران لم تفلح في حماية بيوتنا وأرضنا، كما لم تفلح في كسر الجليد عن عقولنا وقلوبنا، حتى دخلنا لحظة حقيقة منقطعة النظير، وصار الملايين من العرب يتجمدون في خيام قرب الجبال، يطلقون حسرات بحجم صحارى أجدادهم اللاهبة ولا يجدون خيط أمل يصلح للتشبث أو الرجاء.

ولم يبق أحد يصغي حتى لحسرات هؤلاء، فالأمة منشغلة عنهم بحرب لا أول لها ولا آخر، جزء من الشباب منهمكون بقتل بعضهم بكل أنواع البارود، وجزء آخر ينشغلون بصناعة الكراهية بين الأديان والأقوام على مدار الساعة. وجزء ثالث يشعر بالغربة العميقة داخل بلاده فيرحل إلى "بلاد الكفر" ثم تلاحقه رايات الموت والاتهام أينما حل.

ولم نفلح في صناعة صدمة تذيب انجماد عقولنا وقلوبنا، ولا نجحنا في الاستجابة لألف صدمة وقعت على رؤوسنا، فبعد كل الموت والخسارات، لانزال نتردد في إبرام الصلح، ونسمي التسوية انبطاحاً، والحوار تنازلاً مذلاً. وهل بقي مستوى من الانحدار لننبطح فيه، وهل بقي لدينا شيء نخاف أن نتنازل عنه؟

ولا يأس! بل يظل باب التفاؤل مفتوحاً، غير أنه تفاؤل من نوع خاص، لا يحلم بإنجاز كبير، ولا يأمل إلا باستجماع ما بقي من عقل لتخفيف الخسارات وتقليل سواد الكارثة.



(نقلاً عن صحيفة المدى العراقية)
التعليقات (0)