مقالات مختارة

"حزب الله": لماذا يثير الجدل..!

علاء الدين أبو زينة
1300x600
1300x600
كتب علاء الدين أبو زينة: عاد "حزب الله" اللبناني إلى واجهة الأخبار والجدالات في الأيام الأخيرة، بعدما استهدف العدو بعضاً من كوادره، ورد قبل أيام بعملية عسكرية نوعية ضد قوات الاحتلال. وفي ردود الفعل، أشاد البعض بتعامل الحزب مع هذه الجزئية، باعتباره الطرف الوحيد الأوحد الذي يردُّ على العدو بالعمل وليس بالكلام. وفي المقابل، رأت بعض الآراء في عملية الحزب الانتقامية شأناً دعائياً صرفاً. وذهب آخرون إلى القول بأن العملية من أولها إلى آخرها مسرحية "منسقة" مع الكيان ومدفوعة الثمن. والبعض ذهبوا أبعد، فوصفوا صراع الحزب كله مع الكيان بأنه "تمثيلية" واعتبروا كل تاريخه مع الصراع "خرافة" ولا يمت للمقاومة بصلة.

بطبيعة الحال، لا بد أن تكون النظرات إلى أداء حزب الله وغيره محكومة بقانون النسبية وزاوية الرائي، حيث ترجح الذاتية على الموضوعية غالباً في تشكيل الأحكام –كما هو شأننا في كل شيء آخر. لكن في محاولة لقراءة أسباب حالة الاستقطاب الحادة في الآراء حول الحزب، ستتعقب عنوانين بارزين في سلوكه الإقليمي (بمعزل عن الداخلي): صراعه المستمر الذي لا يمكن إنكاره مع العدو الصهيوني؛ وتدخله في الحرب السورية –عسكرياً- إلى جانب النظام السوري. وللوهلة الأولى، سيبدو هذان الاتجاهان متعارضين. إن الصراع مع الكيان الصهيوني وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان شأن يستحق التقدير، باعتبار الكيان عدواً واضحاً لأحلام الشعوب العربية. لكن الاصطفاف مع نظام عربي في مرحلة سمتها الصراع بين الشعوب والأنظمة، ستعني خيانة للشعوب وانحيازاً إلى نقيضها، وهو ما لا يليق بحزب ثوري كسب قلوب الناس. إن السلطة هي السلطة، سواء كانت في شكل العدو الصهيوني أم في شكل الأنظمة الاستبدادية.

لكن هذين السلوكين المتعارضين –شكلياً- في تجربة حزب الله هما متعالقان متراكبان –موضوعياً. ثمة حقائق هي في جوهر تكوين وحراك "حزب الله" ولا يمكن التعامي عنها. أولاً: أنه تكوين شيعي بالتعريف وليس بالاختيار. ثانياً: أن مشروعه (الناجح أو الفاشل: حسب الرائي) لمجابهة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان وما بعده عسكرياً، قام فقط على الإمداد المادي واللوجستي من جهتين معروفتين: إيران، والنظام السوري. وقد دعمته إيران –غالباً- لأنه شيعي. ودعمته سوريا بسبب ارتباطها بإيران مصلحياً ولأنه خدم مصالحها بشكل ما، فشكلت الحبل السُّري الوحيد الذي أمده بالهواء والحياة. وفي الفترة التي كان فيها العنوان الطائفي أقل وضوحاً في المنطقة، تمتع أداء الحزب ضد الكيان الصهيوني بتأييد شعبي كبير في المنطقة. لكنه جلب عليه الكراهية الرسمية. فمن جهة، شكل اشتباكه مع العدو "الذي لا يقهر" وإحراز نجاحات ضده، حرجاً للأنظمة المحجمة المتذرعة بعدم إمكانية مناجزة الدولة الصهيونية عسكرياً. ومن جهة أخرى، أربكت حروب الحزب مع الكيان ما عملت عليه الأنظمة من تطبيع الكيان في المنطقة وتعمية فكرة الحرب، انسجاماً مع رغبات المتحكمين في القرار العربي من خارج المنطقة.

بعد ذلك، قبل الربيع العربي (وبشكل أوضح فيه)، صعد الصراع الطائفي، والسني-الشيعي خصوصاً، ليعنون الفرز الجديد في المنطقة. وبغض النظر عن مصلحة الشعوب والكيانات في الصراع والفرز، فإن رأي الذين رأوا في مثل هكذا منافسات أثراً مدمراً على الجميع، لم تكن له قيمة عملية. كانت الميكانيزمات الإقليمية أكبر من قدرة الأفراد والكيانات على مقاومة الانجراف. وعلى هذه الخلفية، وفيما يخص "حزب الله" بشروط تكوينه الأيديولوجي وأدوات إدامته بالشكل الموصوف، كان من السذاجة توقع أن يفض ارتباطه بإيران الشيعية -واستطراداً بالنظام السوري الذي أحيل إلى هويته الطائفية باعتباره شيعياً هو أيضاً. كان فك ارتباط الحزب بهذين الطرفين سيعني حتماً فقدانه مقومات وجوده المادي وتمييع هويته الأيديولوجية، بما يماثل الانتحار الطوعي. وبذلك، وبغض النظر عن تفضيل المراقب لأحد طرفي الفرز الطائفي الراهن، فقد ذهب الحزب في الطريق الوحيد المتاح له ضمن هذه المعادلة. لم يكن من الممكن أن يناهض السياسات الإيرانية وينجو، ولا أن يختار حقاً في الشأن السوري. ولذلك تورط هناك مثل كل الجهات الأخرى التي تورطت بدفع أجنداتها ومصالحها.

في باب الأمنيات، يفضل الأغلبية لو رأوا الحزب بعيداً عن المعمعة السورية ومتفرغاً لجبهة العدو الصهيوني. وفي باب المعطيات، تحرك الحزب في انسجام مع تكوينه وأدواته، وبخيار قليل على الأغلب.

(عن الغد الأردنية- الأحد 1 شباط/ فبراير 2015)
التعليقات (0)