كتاب عربي 21

الفطرة وحدها تكفي

محمد سيف الدولة
1300x600
1300x600
((أعوذ بالله، ما كل هذا التخلف والإجرام والوحشية؟! هؤلاء الناس لا يمكن أن يكونوا آدميين)).

كان هذا هو رد الفعل الفطري والطبيعي لكل من سمع أو شاهد ما فعلته داعش مع معاذ الكساسبة، قبل أن تتدخل، المعالجات الإعلامية والأجندات السياسية والفتاوى الشرعية.

فما ارتكبته داعش من إعدام وحرق للطيار الأردني هو عمل وحشي بربري إجرامي يضعها جنبا إلى جنب مع الصهاينة والأمريكان وكافة الأنظمة الفاشية التي تقتل شعوبها. 

وكذلك قطع رقاب الرهائن اليابانيين أو الأمريكان أو غيرهم. أو تصفية دواعش سيناء للضابط أيمن الدسوقي برصاصة في رأسه وهو في وضع الركوع.

***

•  لم نكن نحتاج إلى الغوص والبحث في النصوص القرآنية والسنة النبوية وسيرة الصحابة واجتهادات الفقهاء، لإثبات أن هذه جريمة لا تنتمى إلى جنس البشر.

• ولا نحتاج إلى محاضرات سياسية في جرائم الأمريكان في هيروشيما ونجازاكي ودرسدن وفيتنام وأفغانستان والعراق وأبو غريب والطائرات بدون طيار، لكي نثبت أن الإرهاب لا يقتصر علينا.

• أو في جرائم الصهاينة في دير ياسين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا والحرم الإبراهيمي وحرب تموز والرصاص المصبوب ومحمد أبو خضير والجرف الصامد لكي نبرر عمق الغضب في نفوسنا.

• ومن يريد التذرع بالاعتداءات الصهيونية ليبرر عملياته الإرهابية، فعليه أن يقتدي بسيرة وتراث ونهج المقاومة الفلسطينية على امتداد قرن من الزمان، لم توجه فيه رصاصاتها سوى للعدو الصهيوني، ولم تحرق أو تقتل أسيرا. فنحن لا نحتاج إلى التأكيد للمرة الألف أن لنا مقاومتنا ولهم بربريتهم، وأنهم ليسوا قدوة لنا.

• كما إننا لا نحتاج "لإبراء الذمم أولا" من خلال تقديم التحليلات حول ضرورة مقاومة الحملة الاستعمارية الأمريكية على العراق التي تتخفى تحت عنوان التحالف الدولي، التي تهدف إلى إتمام عملية تقسيم العراق وحماية الدولة الكردية الناشئة. قبل أن نشرح كيف قدمت هذه الجريمة البربرية، الذرائع للتحالف والدور الأمريكي في العراق. وأن الأمريكان هم المستفيد الوحيد منها.

• كما إننا لم نكن في حاجة إلى الربط بين جرائم الأنظمة العربية في مواجهة الثورات العربية، وبين إرهاب الدواعش. 

• ولا بما حدث للمصريين بعد الثورة في ميادين التحرير ومحمد محمود ومجلس الوزراء وستاد بورسعيد والعباسية ورابعة العدوية والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة وسيارة ترحيلات أبو زعبل.

• ولا نحتاج إلى الاستشهاد باتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في أغسطس 1949 التي تحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب وتجرم القتل بجميع أشكاله أو الاعتداء علي السلامة البدنية والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والتجارب الطبية أو العلمية وجميع أعمال العنف والتهديد، والسباب وفضول الجماهير (إلى هذه الدرجة).

• ولا نحتاج إلى الجدال في مفاهيم الوطن والوطنية والمواطنة والطائفية، والأمة والقومية، والدولة الوطنية ودولة الخلافة، وحق الفتح وحق تقرير المصير، لكي ننقض المشروع الداعشي وندلل على أنه لا يمثل أحدا.

• ولا نحتاج إلى البحث في القصة الحقيقية وراء داعش وأخواتها من حيث النِشأة والصناعة والتمويل والتوظيف، وحقيقة علاقتها بأجهزة الاستخبارات عامة والأمريكية خاصة.

• ولم نكن نحتاج إلى التحذير من أن مثل هذه الجرائم يعمل على ضخ دماء جديدة في الإسلاموفوبيا العالمية و"العربية". وتضفي مصداقية زائفة على الأنظمة التي تستأثر بالحكم والسلطة وتقتل معارضيها وتسجنهم بذريعة أنهم يكافحون الإرهاب.

• ولا نحتاج إلى التركيز على درجة الجهل والغباء الذي تتميز به هذه الجماعات، والتي تفقدها أي تعاطف من أي نوع. 

***

لم نكن نحتاج سوى التأكيد على أن حرق البشر عامة والسجناء والمعتقلين والأسرى والرهائن على وجه الخصوص، ليس موضوعا دينيا ولا سياسيا ولا عسكريا، بل هو فطرة إنسانية بحتة..

فلماذا تعدم أسيرك؟

لماذا تقتله بعد أن أصبح سجينك ورهن يديك، منزوع الإرادة، لا حول له ولا قوة؟ 

ولماذا تقتله حرقا؟ 

فليس في الشرائع السماوية أو المواثيق الدولية أو القوانين الوطنية، ما يبيح الإعدام حرقا.

ولماذا تقتله على الهواء؟ 

ولما تحرض الناس على كراهيتك إلى هذا الحد؟

أين ومتى، تقبل الضمير الإنساني، قتل الناس حرقا مع سبق الإصرار والترصد؟

على أي تراث أو سيرة أو سلف أو درب أو تجارب إنسانية تسيرون؟ 

ولماذا تقطع الرقاب؟

ولماذا تقطع رقبة هذا بينما تحرق ذاك؟

من أنتم؟ وكيف تفكرون؟ وماذا تفعلون؟ ولماذا؟ ولصالح من؟!

***

لقد كرهنا كل هذا اللغو والماراثونات الكلامية الذى نُدفع إليها دفعا بعد كل جريمة يرتكبها فرد أو جماعة منسوبة ومحسوبة على بلادنا وحضارتنا وديننا.. مثل جريمة شارلي إيبدو وكل العمليات الإرهابية المشبوهة التي اخترقت الساحات العربية قبل وبعد الربيع العربي.

إن المناقشات والفذلكات الفكرية، في البديهيات والمسائل الفطرية، تكاد تدفعنا إلى الجنون، فهي تربك مشاعرنا، وتشتت أفكارنا، وتضيع جهودنا، وتخلط الثانوي بالرئيسي، وتهمش وتغيب قضايانا، وتعصف بحقوقنا. وتطمس الجرائم والاعتداءات التي تعرضت لها أوطاننا وشعوبنا؛ فمن يتذكر اليوم ما يزيد على ألفي شهيد في غزة لم تجف دماؤهم بعد؟

[email protected]
التعليقات (1)
Inasse
الأربعاء، 11-02-2015 07:47 م
أكبد ده كان قبل موضوع قتل الشباب المسلم في أمريكا بواسطة واحد إرهابي مسيحي. ياريت حضرتك تكتب عنه