كتاب عربي 21

وجعلوا فضل شاكر إرهابيا

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
بمجرد أن خرج فضل شاكر في فيديو جديد يتبرأ فيه من قتل جنود بالجيش اللبناني لينفي التهمة التي حاولت بعض الجهات لصقها به رغم عدم ثبوتها حتى الآن، انطلقت عاصفة من الهجوم ضد الرجل تصفه بالإرهابي وتسخر من إرهاصات عودته لحياته الفنية السابقة التي حقق فيها نجاحا باهرا على مستوى الوطن العربي. تابعت موجة التجريج في فضل شاكر، وتعجبت لسطحية بعضهم في تناول الأمر ومحاولة تنميط تجربة فضل شاكر عقب الاعتزال والالتزام الديني وتصوير الرجل كمتشدد ومتطرف ثم إرهابي!

كنت من المهتمين برحلة فضل شاكر منذ ظهوره في تجمعات بلبنان لدعم الثورة السورية ضد القاتل بشار الأسد الذى قتل ما يقرب من ربع مليون سوري حتى الآن. وحين وقف فضل ينشد (سوف نبقى هنا كي يزول الألم سوف نحيا هنا سوف يحلو النغم) وأهداها للجيش الحر الذي كان يمثل حينها المقاومة الوطنية السورية في وجه السفاح وعصابته لم يضايقني ما فعله فضل شاكر، فقرار توقفه عن الغناء قرار شخصي والتزامه الديني أمر يخصه طالما لم يحاول فرض آرائه ورؤيته للدين على من حوله. لكنني حاولت أن أفهم ما سر هذا التغير في شخصية الرجل. 

التغير الجذري الذ لحق بشخصية فضل بدأت إرهاصاته عقب اغتيال الزعيم اللبناني السني رفيق الحريري ثم وفاة والدة فضل في 2007. لكن التأثير وثيق الصلة هو ما حدث فى سوريا من مجازر وانتهاكات وصلت لحرق الأحياء واغتصاب النساء على يد شبيحة النظام وعناصر الميلشيات الإيرانية الرسمية أو المنتمية لحزب (حسن نصر الله)، وتحويل النظام السوري المواجهة إلى مواجهة طائفية بين سنة وشيعة، ولأن التوتر الطائفي حاضر دوما في لبنان فإن حزب الله الشيعي الموالي لإيران والخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية فعليا بقوة سلاحه، ساعد في إثارة غضب اللبنانين السنة الذين وجدوا أن ميلشيات شيعية قاتلة تتحرك من بلدهم لقتل إخوانهم السوريين السنة دعما للسفاح بشار. وتنامت في هذا الوقت مشاعر عدائية ضد الدور الدموي الذي تورط فيه حزب الله في قتل السوريين السنة، وبرز على الساحة اسم الشيخ (أحمد الأسير) الذي كان له أيضا دور هام في رحلة التغير التي صنعت الشخصية الجديدة للفنان فضل شاكر.

لمن لا يعرف الأسير هو شيخ لبناني سني ذو ميول سلفية ذاع صيته عقب هجومه على أئمة من الشيعة وصفهم بالمتطاولين على رسول الله وآل بيته، وكان الداعي للاعتصام الشهير بساحة الشهداء من أجل دعم الثورة السورية. كما كان يصر دائما على ضرورة نزع سلاح حزب الله وانضواء ميلشياته تحت السيادة الوطنية للدولة بشكل غير طائفي. صار للشيخ الأسير مريدون وأتباع كُثر منهم الفنان فضل شاكر الذي كان يصفه بشيخي ومعلمي، ولازمه في مسجد بلال بن رباح بمدينة صيدا حيث كان يؤم المصلين ويلقي خطبه الشهيرة. 

كل المرات التى ظهر فيها فضل شاكر يتحدث للإعلام عقب اعتزاله وتدينه كانت في أغلبها دعوات لتأييد الثورة السورية ومقاومة بشار الأسد وطغمته، بالإضافة لبعض المناوشات مع مسؤولين محليين محسوبين على حزب الله عقب سرقة بيته ومقتنياته على يد من وصفهم بالميلشيات التى سيحاربها حتى يموت دفاعا عن الدين والعرض. أما الفيديو الشهير الذى يتمسك به خصوم فضل شاكر وهو يقول (فطيستين)، أي ضحيتين، فلا يعرف زمن تصويره ولا مكان التصوير وملابسات الواقعة التي يقول مؤيدوه إنها كانت عقب معركة ضد قوات بشار الأسد وميلشيا حزب الله داخل الأراضي السورية. بينما يقول خصوم فضل إنها داخل لبنان وعقب اقتحام الجيش اللبناني – مصحوبا بميلشيا لحزب الله – لمدينة صيدا وفض الاعتصام بعبرا، وسقوط ضحايا بين المعتصمين من أتباع الشيخ الأسير، وكذلك ضحايا من الجيش اللبناني.

انتمى شقيق فضل شاكر المعروف باسم (أبي العبد) إلى  مجموعة سلفية مسلحة تطلق على نفسها (جند الشام)، وتتكون من عناصر لبنانية وفلسطينية تتمركز في مخيم عين الحلوة داخل لبنان، ويمتد نشاطها إلى الداخل السوري حيث شاركت في الحرب ضد بشار خاصة في ريف حمص، وتوفي ابن شقيق فضل (عبد الرحمن شمندر) في معركة عبرا التي أعقبها لجوء فضل إلى مخيم عين الحلوة الذي لا تدخله الدولة اللبنانية بناء على اتفاقات وتفاهمات قديمة مع المقيمين فيه. 

كل ما مضى كان مهما سرده لنتفهم الظروف التي ساهمت في صناعة التغيرات الحادة في شخصية فضل شاكر الذي يراه بعضهم اليوم إرهابيا، ويراه آخرون بطلا مقاوما تصدى للاستبداد والقمع وعمل على نصرة المستضعفين في سوريا، وكان صوتا ضد التجبر الشيعي في لبنان وسوريا. 

لن يحدث اتفاق حول شخص فضل شاكر ولا غيره ممن احترقوا بنير الحياة العامة، لكن السؤال لمن لا يتوقفون عن الهجوم على فضل شاكر: ما الذي تريدونه من الرجل حتى يتوقف قصفكم؟ رأيتموه يوما متطرفا واليوم عاد عن تطرفه من وجهة نظركم، فهل يغضبكم هذا؟  صنفتوه إرهابيا وهو الذي كانت حرقته على أهل سوريا المستضعفين وغضبه من الدور الشيعي اللبناني الداعم لقتل السوريين السنة ولم يثبت عليه قتل مدني ولا مسالم، وربما يكون لم يحمل السلاح من الأصل كما قال في مقابلته التلفازية الأخيرة! فإلى أي شيء تدفعونه؟ سياط الجلادين تطارد فضل شاكر لكن كثيرا منها خاصمت الموضوعية والإنصاف، ولم تبذل الجهد لتتفهم ملابسات الأحداث ومولدات السلوك ودوافع الأفعال التي مر بها الرجل، وقد نلتمس له العذر في كثير من رحلته الأخيرة بعد أن نتفهم الظروف والضغوط التي تعرض لها هو وكثير ممن يشبهونه من السنة بلبنان. 

فليعد فضل شاكر للغناء الذى أحبه به ملايين العرب أو ليقرر الاعتزال والخلود للراحة ما تبقى من الحياة، فهذا قرار يعنيه، لكن ليس من حق أحد أن يفرض الوصاية على مستقبل إنسان ربما أخطأ حينا وأصاب حينا. لكنّ كثيرين منا يشعرون بصدق نواياه وتجرده، لذلك، فلن نمارس الجلد الذى أدمنه آخرون، بل سنقول لفضل شاكر غًرد كما شئت واختر ما ترضاه لنفسك، فهذا حقك طالما لم تنتحر إنسانيتك ولم تضر بوطنك. 
التعليقات (1)
الحياة
الإثنين، 16-03-2015 05:00 م
هو حر هذه حياته