صحافة دولية

لوموند: كيف ساهم الخطر الحوثي ببروز تنظيم الدولة باليمن

تمثل تفجيرات الجمعة مؤشرا على تحول الصراع في اليمن إلى البعد الطائفي
تمثل تفجيرات الجمعة مؤشرا على تحول الصراع في اليمن إلى البعد الطائفي

نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الوضع في اليمن، بعد التفجيرات التي هزت العاصمة صنعاء يوم الجمعة وراح ضحيتها 142 شخصا، حيث أعلن من خلالها تنظيم الدولة دخوله بقوة إلى اليمن. وتحدثت الصحيفة عن تحول النزاع حول السلطة في اليمن إلى صراع طائفي، وفصّلت في ظروف صعود تنظيم الدولة والاختلافات بينه وبين تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

وأشار التقرير إلى أن الميليشيات الحوثية كانت قد بسطت سيطرتها على العاصمة اليمنية منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، ودفعت بالرئيس للانتقال إلى عدن في شهر شباط/ فبراير، وأن القرار السياسي في اليمن أصبح مغيبا في ظل سيطرة العصابات والفصائل المسلحة على البلد، حتى تحول الوضع إلى صراع طائفي بين الميليشيات الشيعية وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، الجناح الأكبر في تنظيم القاعدة.

وقال التقرير إن الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي وصل إلى السلطة سنة 2012، لم يتمكن أبدا من تطبيق النقاط التي أسفر عنها الحوار الوطني الذي عُقد بعد الثورة الشعبية سنة 2011، التي أطاحت بحكم علي عبد الله صالح الذي استمر منذ 1978.

فقد قامت الميليشيات الحوثية القادمة من الشمال، وبعض قادة الجيش، بإجبار الرئيس الحالي على الاستقالة في كانون الثاني/ يناير، بعد أن قام الحوثيون بمحاصرة القصر الرئاسي.

ورغم ذلك، ما زال المجتمع الدولي يعتبر عبد ربه منصور هادي الرئيس الشرعي للبلاد، بعد أن غير مقر إقامته ليصبح في مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد.

وتطرق التقرير إلى المعارك التي اندلعت يوم الخميس بهدف السيطرة على مطار عدن الدولي، وإجلاء الرئيس نحو مكان آمن بعد أن قامت طائرة عسكرية مجهولة بالتحليق فوق مقر إقامته مرتين. وقد دارت هذه المعارك بين أنصار الرئيس هادي ووحدات من القوات الخاصة تابعة لضابط منشق متحالف مع الحوثيين، هو الجنرال سكاف الذي يقود قوة مكونة من ألف أو ألفي مقاتل مزودين بالأسلحة الثقيلة. وعاد الهدوء ليخيم على المدينة يوم الجمعة بعد أن عززت القوات الموالية للرئيس من تواجدها في الشوارع.

والحوثيون هم أنصار عبد الملك الحوثي المنحدر من شمال اليمن، وتحديدا من محافظة صعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية. وهم ينتمون للطائفة الزيدية، وهي فرقة متفرعة عن المذهب الشيعي، حيث توقف اعتقادها عند الإمام الخامس، على خلاف الشيعة الاثني عشرية الذين يؤمنون باثني عشر إماما، ويعيشون خاصة في إيران وجنوب العراق وجنوب لبنان.

ويعتمد تنظيم الحوثيين المسمى بـ"أنصار الله" في كسب أنصاره على حالة الاستياء العام من الاستبداد السياسي والمشكلات الاجتماعية، والشعور بأن الثورة التي أنجزها الشعب سنة 2011 سرقتها الأحزاب. وهو يخوض معاركه بدعوى محاربة أعداء الثورة، وقام في سعيه لتقوية نفوذه بعقد تحالفات مع الرئيس السابق علي عبد صالح الذي لطالما حاربه في جبال صعدة.

وأضاف التقرير أن الدعم السخي الذي تقدمه إيران للحوثيين أثار قلق الجار السعودي، وأحيا الحساسيات المذهبية في اليمن بين السنة والزيديين، وهو ما أدى لصعود أنصار القاعدة في اليمن والسعودية.

وذكر التقرير أن تنظيم القاعدة ازدهر في اليمن خلال سنوات الألفين بالتزامن مع الضربات التي كان يتلقاها في أفغانستان، وهجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية التي كان يتعرض لها في منطقة القبائل الباكستانية. وظهر فرع التنظيم رسميا في الجزيرة العربية في سنة 2009 إثر اندماج الفرعين السعودي واليمني.

وقال التقرير إن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية توجه سريعا نحو توسيع نطاق عملياته، حيث اتخذ من اليمن قاعدة خلفية لشن هجماته، ومن أهمها محاولة اغتيال الأمير نايف بهجوم انتحاري شنه يمني يحمل متفجرات، وقيام النيجيري عمر عبد المطلب الذي تدرب في اليمن بمحاولة فاشلة لإسقاط طائرة متجهة من أمستردام إلى دترويت من خلال إضرام النار داخلها في الخامس والعشرين من ديسمبر من نفس السنة.

ولاحظ التقرير أن هذا التنظيم استغل الفوضى السياسية التي شهدتها الثورة اليمنية للسيطرة على عدة مناطق في جنوب وشرق البلاد، رغم أن الحكومة الجديدة بقيادة عبد ربه منصور هادي تلقت دعما كبيرا من الولايات المتحدة لمحاربة هذا التنظيم.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن أحد أهم قيادات التنظيم، وهو حارث النظاري، قتل في هجوم بطائرة بدون طيار في بداية شباط/ فبراير الماضي، ويعتقد أن هذا الرجل بالتحديد هو من يقف وراء الأخوين كواشي اللذين نفذا الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو في باريس.

واعتبرت الصحيفة أن قتل حارث النظاري يُعد أهم نجاح استخباراتي تحققه الولايات المتحدة في اليمن منذ النجاح في استهداف أنور العولقي سنة 2011، وهو المشتبه به بالوقوف وراء حادثة إطلاق النار في القاعدة العسكرية فورت هود في تكساس سنة 2009، والنجاح في تصفية سعيد الشهري، قائد عمليات التنظيم سنة 2013. وقدّر التقرير أن عدد أعضاء هذا التنظيم ارتفعوا من بضعة مئات في سنة 2009 إلى عدة آلاف في الوقت الحالي.

ومنذ أن تغلبت الميليشيات الحوثية على الجيش وسيطرت على جزء من اليمن، قام تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بتبني عدة هجمات ضدها.

ومن جهة أخرى، وصف التقرير تنظيم الدولة بأنه القوة الصاعدة في اليمن، ولاحظ وجود خلافات بين تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة الذي بقي وفيا لأيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن. وقال التقرير إن فرع تنظيم الدولة في اليمن ولد على أنقاض الانشقاقات التي حصلت في صلب تنظيم القاعدة، حيث قامت عدة مجموعات منشقة بإعلان ولائها لأبوبكر البغدادي في الأشهر الماضية، خاصة بعد تزايد الخطر الحوثي.

وأضاف التقرير أن هجمات يوم الجمعة في صنعاء وصعدة استهدفت بشكل مباشر أماكن عبادة، وكان الهدف منها إيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا المدنيين وتدمير المعنويات، وهي تندرج ضمن تصاعد موجة العنف الطائفي في اليمن. وقد أبدى تنظيم القاعدة اعتراضا على هذه الطريقة، في مؤشر على ظهور الخلافات بين التنظيمين.

وذكر التقرير أن حارث النظاري كان قد ندّد في تسجيل له قبيل وفاته بتكتيكات تنظيم الدولة، لأن هجماته تستهدف الشيعة والمدنيين والمسلحين بدون تفرقة، فيما أكد النظاري أن القاعدة تختار أهدافا محددة من الجيش والميليشيات والأعداء الأيديولوجيين.
التعليقات (0)