مقالات مختارة

كيف رقص علي عبد الله صالح على رؤوس السي آي إيه؟

ديفيد هيرست
1300x600
1300x600
كتب ديفيد هيرست: تكشف ادعاءات أحد جنود القاعدة كيف أن الحرب على الإرهاب هي نفسها التي تبعث الحياة فيمن يدعي أنها إنما شنت للقضاء عليهم.

ليس بالإمكان إثبات صدقية المزاعم التي خرج بها هاني محمد مجاهد على الملأ، رغم أن ما ذكره عن الوقت الذي قضاه جنديا في صفوف القاعدة في كل من أفغانستان ووزيرستان في باكستان، يتفق مع ما علمه مدير قسم مكافحة الإرهاب في السي آي إيه عن أحوال تلك الفترة. وإن كان لا يملك أحد تأكيد المزاعم ذاتها، فإننا في الوقت ذاته لا يسعنا تجاهل ما ورد فيها من اتهامات.

فحتى لو صح جزء فقط مما ورد في التحقيق الذي أجراه مدير التحقيقات الصحفية في الجزيرة، كلايتون سويشر، فإن ما قيل يضع علامة استفهام كبيرة على ما يجري في الحرب على الإرهاب.

كان هاني مجاهدا من عناصر القاعدة (وربما كانت مهمته فيها صنع القنابل)، ثم تحول إلى مخبر بعد عودته إلى بلده الأصلي، اليمن، حينما انضم إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو مجند في الوقت ذاته من قبل جهازي الأمن التابعين لرئيس اليمن في ذلك الوقت، علي عبد الله صالح، وهما مكتب الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي.

يزعم المخبر أنه قام بما كلف به من عمل. ففي عام 2008 زود المسؤولين عنه في جهاز المخابرات بثلاثة تحذيرات، كان أولها قبل ثلاثة أشهر، والثاني قبل أسبوع، وكان الثالث والأخير قبل ثلاثة أيام من التفجير الذي هز السفارة الأمريكية في صنعاء.

بل يدعي أنه زودهم بعنوان وأوصاف المنزل الذي كانت تعد فيه القنابل، وأخبرهم بأن المهاجمين سيستخدمون سيارتين اثنتين، وحدد لهم من أين سيأتون. إلا أن الهجوم وقع كما كان مخططا له، ما تسبب في مقتل 12 شخصا، كان من بينهم فتاة أمريكية من أصول يمنية (18 عاما).

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانت هناك أمور أخرى مزعجة تعلقت بهذا الهجوم، ومنها أن الطريق الذي يعبر من أمام مدخل السفارة كان مغلقا لأسباب أمنية، ثم أعيد فتحه فجأة دون سابق إنذار قبل ثلاثة أيام من الهجوم.

ومنها أيضا أن أحد المسؤولين في السفارة خرج يجري في الممر المحيط بمبنى السفارة قاصدا طلب النجدة من قوة تدخل سريع يمنية كانت تعسكر خلف المبنى، إلا أن عناصر القوة لم يتجاوبوا معه، ورفضوا حتى تسليمه قطعة سلاح ليستخدمها في صد الهجوم على السفارة.

ومنها أيضا أن فريق التحقيق في الحادث من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) لم يجد عونا يذكر من المباحث اليمنية.

وكان الأمر ذاته قد حدث في هجوم سابق تعرضت له مجموعة من السائحين الإسبان أثناء زيارتهم لمعبد في صحراء مأرب في الثاني من تموز/ يوليو 2007، فقد وقع الهجوم رغم التحذيرات الصريحة التي وصلت أجهزة المخابرات اليمنية بأنه كان وشيك الوقوع.

قتل في هذا الهجوم، الذي استخدمت فيه سيارة مفخخة، عشرة أشخاص، وأصيب 12 شخصا آخرين بجروح.

لا تتوقف القصة التي يرويها هاني مجاهد عند هذا الحد، بل يذهب إلى الادعاء بأن العقيد عمار صالح، ابن شقيق الرئيس، الذي كان حينها يشغل منصب نائب رئيس مكتب الأمن القومي، قد ساعد القاعدة في الحصول على المال والمتفجرات التي يحتاجونها للهجوم على السفارة الأمريكية.

ويقول هاني إن عمار صالح كلفه بنقل المال والسلاح وتسليمه إلى قاسم الريمي، أحد القياديين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

دعونا نتوقف قليلا هنا. يدعي هذا المخبر أن ابن شقيق علي عبد الله صالح كان يمول زعيما في القاعدة بينما كان علي عبد الله صالح نفسه يستخدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب للضغط على واشنطن، طمعا في الحصول على المزيد من الدعم العسكري الأمريكي.

وكان ذلك يجري في الوقت الذي تكررت فيه اجتماعات علي عبد الله صالح بمدير المخابرات الأمريكية جون برينان.

ليس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مجرد فرع بسيط للقاعدة، وإنما هو أنشط فروعها على الإطلاق، وهو الذي أخفق في اللحظة الأخيرة في تنفيذ عمليات كان تستهدف إسقاط طائرات فوق المحيط الأطلسي، وهو الذي طور المتفجرات السائلة التي كانت السبب في تغيير جذري في إجراءات الأمن المتبعة في كل مطارات العالم، ولهذا كان أنشط وأوسع برنامج أمريكي لشن الهجمات باستخدام طائرات دون طيار هو البرنامج الذي ينفذ في اليمن، ولهذا السبب أيضا كانت علاقة برينان بعلي عبد الله صالح علاقة وثيقة، وجزءا لا يتجزأ من الحرب الكونية على الإرهاب، ولذلك فقد التقيا مرارا وتكرارا.

ثمة أحداث أخرى تشير بشكل لا لبس فيه إلى تواطؤ بين حكومة علي عبد الله صالح وتنظيم القاعدة. فقبل أكثر من عام تقريبا على انطلاق عمليات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تمكن 23 عنصرا من عناصر القاعدة من شق نفق طوله 120 مترا تسللوا عبره من داخل سجن صنعاء ذي الحراسة المشددة إلى مسجد بالجوار خارج أسوار السجن.

يؤكد الخبراء أن النفق ما كان يمكن أن يحفر دون علم وتواطؤ السلطات المسؤولة عن السجن.

واليوم، يتعرض منزل علي عبد الله صالح للقصف من قبل حلفائه ومموليه السابقين في السعودية والإمارات، بينما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لإنجاح وساطة في سلطنة عُمان بين الحوثيين والسعوديين.

إنها الأطراف ذاتها تتبادل المواقع وتبدل التحالفات. ومع ذلك، لم يتغير الكثير فيما يتعلق بمفهوم الحرب الكونية على الإرهاب. نحن أمام عبثية مستمرة تتعلق بأهدابها الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وذلك على الرغم من الفوضى والكوارث التي تسببها للدول الهزيلة التي تمارس هذه العبثية على أراضيها.

تستخدم الحرب الكونية على الإرهاب مبررا لمنح الطغاة المستبدين رخصة مفتوحة لسحق تطلعات الشعوب التي يحكمونها إلى الديمقراطية والحرية، بحجة أن هناك غاية أسمى، ومصلحة غربية عليا في القيام بذلك.

ففي حالة السيسي مع سيناء، تتمثل الغاية الأسمى والمصلحة الغربية العليا في الحفاظ على اتفاقية كامب دافيد مع إسرائيل.

لا عجب إذن أن يستمد الطغاة من هذه السياسة القدرة على انتزاع قدر ضئيل من الشرعية، بل ويستغلون عضويتهم في التحالف المشارك في الحرب الكونية على الإرهاب لإضفاء مشروعية على ممارسة التعذيب، والقيام بالاعتقالات الجماعية، وبتنفيذ أحكام الإعدام، بإجراءات موجزة ومستعجلة، والتمتع بحصانة من المساءلة والحساب، وابتزاز الدول المانحة لتفيض عليهم بمزيد من الأموال.

ولذلك، فإن لهم مصلحة مالية في استمرار الفوضى والفشل، وهما الأمران اللذان تحققهما لهم الحرب الكونية على الإرهاب.

إن الطريق الذي سلكه علي عبد الله صالح في اليمن هو ذاته الذي سلكه صعاليك آخرون، سواء كانوا مدعومين غربيا أم لا، ومنهم المالكي في العراق، والسيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، ودحلان في فلسطين. وهو الطريق ذاته الذي سلكه بوتين في الشيشان والأسد في سوريا.

من المفارقات العجيبة أن الحرب الكونية على الإرهاب لا تضمن حتى الاستقرار ما بين جيلين متعاقبين من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا نظام السيسي الآن تمارس جهود للنيل منه من قبل شخصيات أمنية وسياسية كبيرة موالية للرئيس المخلوع حسني مبارك، ولعل ذلك ما دفع السيسي مؤخرا إلى تحذير أحمد شفيق، المرشح الرئاسي السابق لهذه العشيرة، ألا يفكر بالعودة إلى مصر من منفاه في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وها هو الرئيس السابق مبارك يعاد فتح ملفه من جديد ويقدم للمحاكمة تارة أخرى في قضية مقتل مئات المتظاهرين في انتفاضة عام 2011، إثر إلغاء قرار سابق بإسقاط تهمة القتل العمل بحقه.

إنه الانتقام لا غير، فمصر اليوم لا يوجد فيها قضاء نزيه ومستقل عن السلطة التنفيذية.

إن المستفيد الأكبر من كل ذلك هو تنظيم القاعدة. ما هو الحجم الذي ينبغي أن تنمو إليه القاعدة منذ مولدها في كهف في جبال أفغانستان النائية قبل أن تدرك المخابرات الأمريكية أن جميع الطغاة في المنطقة، مثلهم مثل صالح، يلعبون لعبة مزدوجة؟ وإلى متى ستظل الصراعات التي يخلقها الطغاة أنفسهم تستخدم أدوات ضغط لطلب المزيد من المساعدة العسكرية؟ وإلى متى ينبغي علينا أن ننتظر قبل أن يدرك ساكن البيت الأبيض أن الاستبداد هو السبب الأول والأهم في حالة عدم الاستقرار التي تطغى على العالم العربي، وأنه ليس الحل لهذه المشكلة؟

وكم عدد الدول التي ينبغي أن تفشل هي الأخرى بفضل "جهود بناء الدولة" التي يمارسها الغرب في العالم العربي؟ وكم عدد الدول التي ستشهد ظهورا للقاعدة فيها كعملاق يبعث من تحت الرماد قبل أن يدرك ساسة الغرب أن الطغاة الذين يشاركون معهم في الحرب الكونية على الإرهاب ذهبوا في إجازة مفتوحة دون إشعار؟

إذا كان علي عبد الله صالح قد رقص على رؤوس الأفاعي، فلابد أنه رقص أيضا من فوق رؤوس بريمان والسي آي إيه. لا عجب إذن أنهم لم يبدوا الكثير من الاهتمام بالقصة التي رواها هاني مجاهد. نأمل أن تحظى هذه القصة باهتمام أكبر لدى أحد القضاة الإسبان.

(عن صحيفة هافنغتون بوست، ترجم خصيصا لـ"عربي21" 7 حزيران/ يونيو 2015)
التعليقات (1)
ظافر محسن الزهراني
الأحد، 07-06-2015 06:29 م
ولا تحسب الله غافل عما يفعل الظالمين