كتاب عربي 21

عن خطورة تأميم الفضاء العام بمصر

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
شكلت الحملة الإعلامية الممنهجة التي تصاعدت مؤخرا في مصر ضد جناح موال للسلطة على رأسه الفريق أحمد شفيق ذروة رغبة السلطة في تأميم العمل العام بشكل لم يفرق حتى بين المؤيدين والمعارضين حيث صار تفكير أي مجموعة – حتى لو موالية للنظام- في تنظيم نفسها سياسيا وتشكيل تكتل أو تحالف جريمة من وجهة نظر النظام الذي يعتبرها خطرا يتهدده رغم أن مثل هذه المجموعات لا تكف عن إعلان تأييدها المطلق للسلطة ودعمها لها في كل المواقف والقرارات.
 
قبل ذلك سبق إقصاء عدد من الوجوه السياسية سواء التي كانت داخل السلطة عقب 3 يوليو وكذلك آخرين من الوجوه المقبولة شعبيا بشكل نسبي ليتم تفريغ المشهد السياسي كاملا من أي كيانات قوية وكذلك كل أفراد وشخصيات يُخشى أن يكون لها تأثير.

معركة (إفقاد التأثير) بدأت مبكرة بحملات الاغتيال المعنوي ضد المعارضين وضد كل من لا ينبطح بالشكل الكافي لتوجهات السلطة ولم تتوقف عند المعارضين بل طالت أيضا محسوبين على السلطة يتم إرسال رسائل إليهم بهذه الطريقة لضمان رضوخهم التام.

استمر هذا بالتوازي مع تشويه الأحزاب وغلق مسارات حركتها وتجريم حركات سياسية شبابية ومطاردة نشطاءها واعتقال بعضهم وإصدار أحكام قاسية بالسجن على كثير منهم، بينما لم تكن الجامعات أفضل حالا حيث تم إيقاف أغلب الأنشطة الطلابية وتجميد أسر النشاط الطلابي وإحكام القبضة الأمنية على الطلاب مع استمرار حملات الاعتقال العشوائي وسياسات العقاب الجماعي لنصل لمرحلة خطف الطلاب وإخفائهم قسريا في تطور نوعي ينذر بخطر داهم.
 
لم يسلم المجتمع المدني سواء كان تنمويا أو إغاثيا أو حقوقيا من الملاحقة والتربص والتضييق ليتجمد العمل المدني في مصر وينضم لقائمة التأميم التي تبنتها السلطة لتنفرد وحدها بالساحة مع تحريك بعض أدواتها لتحاول ملأ الفراغ السياسي الحاد عبر بعض الصخب والإلهاء الإعلامي الذي لم ينجح في تخفيف حدة الاحتقان والشعور بسطوة النظام وإصراره على استعداء الجميع.

حالة من التجميد الشامل العمديى التي يعتقد النظام أنها المناخ الأفضل لتحقيق تنمية اقتصادية ورفع شعارات الاقتصاد قبل الديموقراطية والخبز قبل حقوق الإنسان ولكن هل يبدوا خيار النظام خيارا آمنا ؟؟
يمكن النظر لمواقف المصريين من السلطة عبر الاتجاهات التالية: 

الاتجاه الأول: جمهور النظام ومؤيدوه من أصحاب رؤوس الأموال وما يمتلكونه من أدوات إعلامية وإعلاميين وبقايا نظام مبارك وأجهزته التي يوجد بها كثيرون من كارهي ثورة يناير ومعهم جزء من الطبقة الوسطى وهؤلاء هم خط الدفاع النخبوي عن النظام .

الاتجاه الثاني: الكتلة الشعبوية المؤيدة للنظام من الطبقات الأكثر فقرا، وأقل تعليما والتي يدعمها النظام بشكل مباشر عبر مساعدات عينية ورشاوى اجتماعية تقوم بتسكين الأوجاع دون حلول جذرية، وهؤلاء قد يكونون وقود أي حرب أهلية – لا قدر الله - إذا اندلعت احتجاجات شعبية ضد النظام ولم تستطع القبضة الأمنية حصارها وإيقافها.
 
الاتجاه الثالث: الكتلة العائمة التي لا موقف محدد لها وتنتظر دوما الطرف الأقوى لتكون معه.

الاتجاه الرابع: كتلة تنظيم الإخوان والدوائر المناصرة له (خليط من طبقات اجتماعية مختلفة) والتي تحمل نفس مطالبه ورؤيته لحسم الصراع وتتمايز إلى فريقين الأول: من كفر بالسلمية وصار يرى أن العنف رد فعل شرعي ومطلوب وهو على وشك الانتقال لمرحلة التبني والاندماج في هذا الدرب، والثاني: من يخشى من الانجرار للعنف ويتبنى السلمية ولكنه لا يرى أفق للحل ولا رغبة من السلطة في تصفير الصراع.

الاتجاه الخامس: كارهي الإخوان وكارهي السلطة معا وهم بقايا التيار الثوري المفكك والمنهك والذي ما زال يتلقى الضربات التي تهدف لتحجيمه وإضعافه لضمان عدم قدرته على الحشد أو تبني مطالب احتجاجية. 

أخطر هذه الكتل هي الكتلة الشعبوية المؤيدة للسلطة والكتلة الإخوانية التي تقف على مشارف تبني خطاب العنف لأن هاتين الكتلتين هما الأقرب لصنع انفجار مروع إذا تصاعدت الأمور وتحول الصراع إلى صراع شعبي توظف فيه السلطة مؤيدين لها يعتقدون أن بقاء هذه السلطة هو مصدر أمانهم وبقائهم على قيد الحياة!

لذلك ينبغي إدراك خطورة استمرار غلق الفضاء العام واستمرار خطابات الكراهية والتحريض بالإعلام لأن هذا ينعكس على خروج أصوات أكثر تشددا وأكثر قابلية للاستسلام لأصوات الكراهية وتحريض العنف 
تأميم العمل العام وسد كل مساراته يشبه حبس بخار في إناء مغلق شديد الإحكام ما يلبث أن ينفجر ويطيح بكل ما حوله ولا يمكن التنبؤ بتوقيته ولا حجمه ولا شكله ولا عواقبه، فمن يقدر على دفع الثمن؟
0
التعليقات (0)

خبر عاجل