مقالات مختارة

الخيط الرفيع بين الصحافة والتكسب والتجسس

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600
هناك خيط في غاية الهشاشة يفصل ما بين مهن الصحافة والتجسس والتكسب، وربما مهن أخرى لا يصح أن نذكرها في هذا المكان.

الصحفي -بحكم عمله- يفترض أن يقابل العاملين في كل المهن، ومنهم الدبلوماسيون، ويحتم عليه عمله أن يذهب إلى السفارات أحيانا لحضور احتفالات أو إجراء مقابلات تتعلق بعمله.

بالنسبة لي، فأنا ألتقى دبلوماسيين عرب وأجانب بصفة مستمرة على هامش مؤتمرات تنظمها الحكومة المصرية أو بعض المؤسسات أو في حفلات الأعياد الوطنية للدول أو بدعوات خاصة أحيانا. 

وعلى سبيل المثال، فإنه خلال الأسبوعين الماضيين حضرت احتفال الولايات المتحدة بعيد الاستقلال واليوم الوطني للمملكة الأردنية واحتفال عيد ميلاد ملكة إنجلترا. في هذه اللقاءات يقابل المرء عشرات الدبلوماسيين من كل الدول تقريبا.

جزء أساسي من عمل الدبلوماسي هو الحصول على كل المعلومات المتاحة في البلد الذى يخدم فيه وإحدى الوسائل الأساسية لذلك هو الإعلام والإعلاميون.

يدردش معك الدبلوماسي، ويبدأ بالسؤال التقليدي: «إيه الأخبار»، وينتهى الأمر بالبعض إلى السؤال المباشر عن نقطة محددة في موضوع معين. 

هو يريد أن يحصل على المعلومة بكل الطرق، ويظل أحيانا يلف ويدور لتحقيق الهدف. هو يبتسم في وجوه الجميع ويعتقد كل شخص أن هذا السفير أو ذاك الدبلوماسي يعامله معاملة خاصة.

شخصيا، دربت نفسى وعودتها على التحفظ بقدر المستطاع في هذه الأحاديث الدبلوماسية، خصوصا عندما عرفت أن أجهزة المخابرات وجمع المعلومات العالمية صارت تعتمد على ما تنشره وسائل الإعلام بنسب متفاوتة، تصل أحيانا إلى تسعين في المائة. 

سألت خبراء وأصدقاء، وانتهيت إلى حل مريح، هو أن ما أقوله لأى شخص -سواء كان دبلوماسيا أو يعمل في أي مهنة أخرى- هو ما يمكن أن اكتبه في هذا المكان، وربما أقل. 

كل ما تقوله كصحفي لدبلوماسي أجنبي يتحول بعد دقائق قليلة إلى تقرير يرسله هذا السفير أو القنصل إلى دولته، وتتحول أنت كصحفي إلى مصدر لهذا التقرير، وبالتالي فرب كلمة بسيطة تتفوه بها لا تدرك ما معناها أو مدى خطورتها قد توردك موارد التهلكة وتضر بدولتك بصورة لا تتوقعها.

كل ما سبق يتعلق بالصحفي حسن النية، الذى قد لا يفرق بين قيمة المعلومات وأهميتها. 

الآن، وبفضل التسريبات التي قادها مايكل اسانج، والقدرة على احتراق الأرشيف السرى لبعض السفارات، صار بإمكاننا أن نعرف ما الذى حدث في الغرف السرية واللقاءات الخاصة، ومن الذى تكسب، ومن الذى باع نفسه رخيصا؟!.

الآن وبعد ما نسمعه ونقرأه وبعد تسريبات اسانج وادوارد سنودن والجيوش الإلكترونية، صار مهما وحيويا لكل صحفي أن يدقق مليون مرة وهو يتحدث مع أي شخص، خصوصا إذا كان دبلوماسيا، عليه أن يتذكر أن كل كلمة يقولها محسوبة عليه، ومهما كانت درجة سريتها فقد يأتي يوم ما وتصبح هذه المعلومة السرية متاحة للجميع، «وعلى عينك يا تاجر»، بفضل قرصان متمرس أو جهاز مخابرات دولة أخرى قرر أن يصفى حساباته مع هذه الدولة.

أيها الصحفيون احترسوا، لم يعد في قاموس الإعلام كلمة اسمها سرية.



(نقلا عن صحيفة الشروق)
التعليقات (0)

خبر عاجل