كتاب عربي 21

الرؤية في المصطلح القرآني

محمد عمارة
1300x600
1300x600
ما هي وسيلة "الرؤية "لدى الإنسان؟.. هل هي "البصر" فقط؟.. أم أن لها وسائل أخرى؟؟

تأتي أهمية الإجابة عن هذا السؤال أول كل شهر من شهورنا الهجرية، وعند كل مناسبة من مناسباتنا الدينية، ذلك أن عالمنا العربي والإسلامي منقسم حول السبيل الأدق والأصوب فى وسيلة تحديد أوائل الشهور القمرية، الأمر الذى أفقد هذا العالم الوحدة في التأريخ بالتاريخ الهجري – القمري – على حين رأيناه متحدا في التاريخ الميلادي – الأوروبي أو الشمسي !

وهناك تيار قوي – بين الفقهاء والمفتين – ينادى بالإبقاء على "الرؤية البصرية" للهلال، كسبيل لتحديد أوائل هذه الشهور، انطلاقا من حديث رسول الله - صلى الله علية و سلم-: "صوموا لرؤيته - رؤية هلال رمضان - و أفطروا الرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين" روه الترمذي، أي فأتموا شهر شعبان ثلاثين يوما.

لكنّ تيارا آخر يدعو إلى اعتماد الحساب الفلكي سبيلا لتحديد أوائل الشهور القمرية، انطلاقا من التقدم العظيم الذي حدث في الفلك وحساباته، وطلبا لثبات أوائل هذه الشهور، وتوحيدا لأعياد المسلمين ومناسباتهم الدينية.. وأيضا، فإن هذا التيار يقدم تفسيرا للحديث النبوي الراعي لاعتماد "الرؤية" سبيلا في هذا المقام.

"فالرؤية"- اعتمادا على استخدام مصطلحها في القرآن الكريم – لا تعني فقط "الرؤية البصرية"، بل يدخل تحت معناها "العلم" فهو من أعظم أدوات "الرؤية والكشف والإيضاح" بالنسبة للإنسان!.. والله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن خبر السابقين ويقص على رسوله – صلى الله عليه وسلم - قصصهم فيقول (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) (البقرة:243)، فإن "الرؤية البصرية" هنا غير مرادة ولا متصورة على الإطلاق، وإنما المراد هنا "العلم بأحداث الماضين" وهذا هو نفس معنى "الرؤية" في آية (أولم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) (الأنعام:6)، وكذلك في آية (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل).. إلخ.

بل، من الذي يستطيع أن يجادل في أن "الرؤية" إذا كانت "للبرهان" فهى عقلية، وليست بصرية، وأنها تعني العلم والمعرفة والإدراك: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) (يوسف:24)، وكذلك "رؤية" الفؤاد والوجدان: (ما كذب الفؤاد ما رأى) (النجم:11)، (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله) (الأنفال: 48)، أي إني أعلم وأدرك ما لا تعملمون ولا تدركون.. فمع استخدام القرآن الكريم لمصطلح الرؤية للرؤية البصرية كان استخدامه بمعنى: العلم والمعرفة والإدراك.

ثم إن الذين يتمسكون "بالرؤية البصرية" للهلال سبيلا لتحديد أوائل الشهور القمرية لا يدعون إلى وحدة المناسبات والأعياد الدينية لكل المسلمين، بل يقولون بوحدة تاريخها بين الذين يشتركون معا في جزء من الليل، ومعنى هذا أن الذين يعيشون في نصف الكرة المقابل لنا - من مسلمي أمريكا مثلا - لهم تاريخ مستقل لهذه الأعياد والمناسبات، والخطير هنا ليس التفاوت في مواقيت الأعياد والمناسبات الدينية، فالمسلمون يتفاوتون في مواقيت الصلاة منذ فرضت عليهم الصلاة، ولا بأس في ذلك ولا ضير، وإنما الخطير هو أن التاريخ الهجري سيفقد بذلك قدرته على توحيد المسلمين. فالذين لا يشتركون معا في جزء من الليل سيعجز التاريخ الهجري في هذه الحالة، سيفقد بذلك قدرته على توحيد المسلمين، فالذين لا يشتركون معا في جزء من الليل سيعجز التاريخ الهجري في هذه الحالة عن أن يكون تاريخا واحدا لهم، وموحد الوقائع تاريخ حياتهم، على حين سيظل التاريخ الميلادى رباطهم "التاريخي" الوحيد!.. فهل فكرنا في ذلك كما ينبغي لنا أن نفكر؟.. وهل فكر في ذلك أولوا الأمر والاختصاص؟.. وهل يعلم الذين يتمسكون بالرؤية البصرية للهلال، ويرفضون الرؤية العلمية الفلكية أنهم إنما يهمشون تاريخهم الهجري ويكرسون عجزه عن أن يكون تاريخا مضبوطا لأمة الإسلام؟!
التعليقات (2)
بشرى
الأربعاء، 24-06-2015 10:58 م
استشهد الكاتب بالبلاد التي يستمر فيها النهار لشهور ...بأن التاريخ الهجري لايضبطها ...ياعزيزي حتى الميلادي لا يضبطها لأن مرجعهم لتحديد الزمن لأوقات الصلاة الدول المجاوره! ويكون كل ذلك اجتهاد..سبحان الله فكيف يقبل للصلاة مالا يقبل للشهور؟
أبو عمر
الأربعاء، 24-06-2015 02:41 م
لكنا وجدنا في بعض السنوات يحدد الفلكيون مطلع الهلال ثم يتبين الهلال في الليلة التي بعدها ، أي أن حسابهم غير منضبط .