مقالات مختارة

هذه الأزمة المكتومة

عبد الله السناوي
1300x600
1300x600
نفي الأزمة من وقت لآخر ومرة بعد أخرى هو بذاته تعبير عن وجودها.

يصعب أن يصدق أحد أن الأمور طبيعية ووجهات النظر "متطابقة" بين مصر والسعودية في الملفات الإقليمية الضاغطة على ما أكد وزيرا الخارجية "سامح شكري" و"عادل الجبير" في جدة.

الكلام بنصه ردده الوزيران في القاهرة عند قدوم "الجبير" إليها لأول مرة بعد توليه ملف الخارجية في بلاده دون أن يخفض ذلك من أية تكهنات حول طبيعة الأزمة وأية تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين البلدين أمام التطورات الدراماتيكية في الإقليم.

في الأوضاع الطبيعية لا تلجأ أية "أطراف متحالفة" إلى استبعاد أن تكون بينها أزمة كلما وضع ميكروفون فوق منصة مؤتمر صحفي مشترك.

ما هو غير طبيعي يومئ إلى أزمة مكتومة تتفاعل دون مواجهة جدية ومصارحة لازمة.

كلام "الجبير" عن أن "مصر جزء لا يتجزأ من تحالف إعادة الشرعية إلى اليمن" هو من طبيعة الأزمة.

فأي تحالف عسكري وسياسي يفترض في أطرافه درجة عالية من التفاهمات والترتيبات المشتركة.

بكلام صريح الدور المصري يكاد يكون هامشيا في إدارة الأزمة اليمنية.

القاهرة أخطرت بـ"عاصفة الحزم" قبل (48) ساعة من بدء العمليات ومشاركتها العسكرية بدت رمزية للغاية حتى يقال إن أكبر دولة عربية من ضمن التحالف الذي تقوده السعودية.

في الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة اليمنية سلميا جرى استبعادها تقريبا.

لم يكن هناك تنسيق سياسي بأية درجة معتبرة وبدا أن الدور المصري غير مرحب به سعوديا.
عند تصاعد الأزمة طرقت أطرافا يمنية عديدة أبواب القاهرة طلبا لدور تقوم به في أية تسوية سياسية مقبلة.

من بين الذين حضروا إلى القاهرة ممثلون لجماعة "الحوثي"، وهذا أمر طبيعي فأي تفاوض لا يجرى إلا بين فرقاء.

في التوقيت نفسه جرت اقترابات إيرانية مماثلة من العاصمة المصرية لاستطلاع الرأي.

في الحالتين لم تكن للخارجية المصرية أدنى صلة بهذه الاقترابات التي جرت على مستوى أمنى.
لوهلة تصورت مصر أنها مرشحة للعب دور سياسي بالنظر إلى ما تتمتع به لدى الأطراف اليمنية المتصارعة من مقبولية لا تتوافر لغيرها.

غير أن ذلك أثار حساسيات أوقفت كل حركة وجمدت كل دور.

بالمقابل تبدت حساسيات مصرية من أن يتحول "التحالف" إلى "إملاء" بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.

في توقيت متزامن بلغت الحساسيات المتبادلة ذروتها بالترحيب المصري باتفاقية "فيينا" التي وقعتها الدول الست الكبرى مع إيران بخصوص برنامجها النووي وزيارة وفد من حركة "حماس" برئاسة "خالد مشعل" للرياض.

الترحيب المصري ناقض الانزعاج السعودي من احتمالات تصاعد النفوذ الإيراني في الإقليم بعد أن ترفع عنه العقوبات الاقتصادية والمالية وأجواء زيارة "مشعل" أثارت تساؤلات قلقة في القاهرة عن أهدافها وأبعادها.

كان السؤال السعودي: إلى أين تذهب القاهرة في علاقاتها الإيرانية؟

بدت الإجابة المصرية على شيء من الارتباك بتبني لغة الانزعاج دون رؤية للمستقبل.

بالمقابل كان السؤال المصري: ما الذي تطلبه الرياض بالضبط؟

بدت الإجابة السعودية عن القدر نفسه من الارتباك بنفي أي صفة رسمية عن الزيارة المثيرة في توقيتها والملغزة في أسئلتها.

إذا لم يكن لقاء رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" مع الملك "سلمان بن عبدالعزيز" له صفة الرسمية، فعلى أي أساس جرت ترتيباته؟

صحيح أن الزيارة حملت بأكثر مما تحتمل عن وساطة سعودية بين السلطة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين غير أن نفى طابعها السياسي لا يقف على قدمين.

الأكثر ترجيحا أن السعودية حاولت أن تكتسب مجددا بعض ما خسرته من أوراق في الساحة الفلسطينية وأن توازن الدور الإيراني الذي أمد في أوقات سابقة "حماس" بتمويلات مالية وعسكرية.

من ناحيتها حاولت "حماس" أن تذيب الجليد المتراكم مع الرياض دون أن يعنى ذلك توجهها لـ"الانخراط في محور دون آخر" بنص تأكيدات "مشعل".

أخشى أن يكون الضيق بـ"حماس" أكبر من إدراك حجم الخطر المقبل من الشرق حيث الإرهاب يضرب في سيناء.

فلا يمكن استبعاد أن تتمدد الجماعات الجهادية السلفية في غزة بعد عمليات إرهابية استهدفت سيارات لحركتي "حماس" و"الجهاد" وما تبعها من تصعيدات متبادلة.

البيئة المحتقنة في القطاع المحاصر مرشحة تماما لاحتضان الإرهاب وتنظيماته.

هذا سيناريو حرب طويلة ومنهكة في غزة تمتد أخطارها إلى سيناء.

ما هو ضروري فتح القنوات على الإقليم كله وأن تكون هناك حرية في الحركة لا تحول دونها حساسيات تفتقد إلى أي منطق مقنع.

الحساسيات المتبادلة تعبير صريح عن غياب أي حوار استراتيجي له قيمته.

بمعنى آخر ليست هناك محاولات جدية لبناء تصورات مشتركة تمتد من العلاقات مع إيران وتركيا إلى الأزمات المشتعلة في الإقليم من اليمن عند الخاصرة الجنوبية للسعودية إلى المشرق العربي حيث تشتعل النيران في سوريا والعراق بينما لبنان يترقب مصيره إلى المغرب العربي حيث تقف ليبيا عند منحدر يهدد وجودها والنيران تلوح في تونس والجزائر.

بإجمال ما يصعب الحديث عن أي تفاهمات مصرية سعودية متماسكة في أي ملف والكلام كله بلا أفق سياسي.

هناك فارق جوهري بين التفاهمات الاستراتيجية في إدارة أزمات المنطقة والكلام المرسل عن تطابق وجهات النظر.

بلا تطرق مباشر إلى مناطق الاتفاق والاختلاف فكرة التحالف نفسها سوف تتقوض سريعا.

بحسب الوزير المصري "لا توجد مواقف جامدة تمنع التفاهمات في ملفات الإقليم".. غير أنه من الصعب الرهان على مثل هذا التطور في أي مدى منظور.

الثغرات أوسع من أن يجرى تجاهلها والأزمات المكتومة مرشحة للانفجار ما لم يتم الاعتراف بها والعمل على نزع فتائلها.

إيران هي العقدة الكبرى أمام أي تفاهمات.. وسوريا ميدان المواجهات الرئيسي.

على رقعة الإقليم هناك سباق على النفوذ بين اللاعبين الإيراني والسعودي.

كلاهما مؤثر لكنه ليس قوة عظمى.

وكلاهما يحتاج لتوطيد نفوذه الإقليمي إلى الانفتاح على مصر أكبر وأهم الدول العربية رغم ظروفها الصعبة.

لمصر مصلحة مؤكدة في التحالف مع السعودية لكن ليست لها مصلحة واحدة في الانجراف إلى حرب مفتوحة مع إيران.

السعودية تنفيى توجهها لدخول مثل هذه الحرب لكنها تمانع في أي حديث تجريه القاهرة مع طهران.

لا يخفى على أحد أن الدبلوماسية المصرية مكبلة وحركتها في الإقليم شبه متوقفة.

إذا لم نتحدث بصراحة فما هو مكتوم من أزمات سوف يخرج للعلن مهما نفى الدبلوماسيون.



(نقلا عن صحيفة الشروق المصرية)
التعليقات (0)