لا يكاد منزل في بلدة "بدرس" إلى الغرب من مدينة رام الله، وسط
الضفة الغربية، يخلو من فاكهة
التين الشوكي، المعروف محليا بـ"الكوز" أو "الصبر"، فهي الثمرة حلوة المذاق التي يفضلها الكثير من
الفلسطينيين في فصل الصيف.
في هذه البلدة التي تشتهر بزراعة التين الشوكي، تستيقظ زينب عوض (37عاما)، كل يوم، عند الساعة الخامسة فجرا، لقطف الفاكهة ذات الأشواك الناعمة المنتشرة على قشرتها الخارجية، إذ تتخذ عوض التي تعمل مدرسة رياض أطفال (قطاع خاص)، من هذه الفاكهة، بابا لكسب قوتها، خلال العطلة الصيفية.
وتقول عوض "في فصل الصيف حيث العطلة المدرسية، لا أتلقى راتبا، فألجأ للعمل في قطف وبيع ثمار الصبر، ليشكل دخلا خاصا بي وبعائلتي".
وبينما كانت منهمكة في قطف ثمار الصبر، بواسطة آلة يدوية خاصة، بالقرب من منزل عائلتها، تضيف "الصبر فاكهة صيفية، لها مذاق حلو، يفضلها الفلسطينيون وخاصة الفقراء بشكل كبير، لتدني أسعارها مقارنة مع الفواكة الأخرى".
وعن سبب قطف الثمار قبل بزوغ الشمس، تُبين زينب أن "وجود قطرات الندى على الثمار، يمنع تطاير أشواكها الخارجية".
ولتنظيف "الكوز" من الأشواك، تستخدم زينب مكانس خاصة، أو أغصان شجر الخروب، مرتدية قفازات بلاستيكية.
ويباع الكيلو الواحد من فاكهة التين الشوكي، بنحو ثلاثة شواكل ( 0.8 دولار الأمريكي)، وتختلف تسميتها من بلد لآخر، حيث تجدها في فلسطين وبلاد الشام تسمى بـ"الصبر" أو "الكوز"، وفي مصر "التين الشوكي"، وفي الجزيرة العربية "البرشومي"، وتزرع بطريقة الألواح.
ويعتبر التين الشوكي، نبتة من الصبار تنمو في الأماكن الجافة، وهي معمرة، ولها قدرة على مقاومة الجفاف، نظرا لسيقانها المليئة بالماء، التي تعدّ طعاما مفضلا للإبل في المناطق الصحراوية، برغم أشواكها الحادة المنتشرة على سطح النبتة.
وتحتوي ثمرة التين الشوكي من الداخل على اللب اللحمي الممتلئ بالبذور الصغيرة، أما قشرتها فهي سميكة تحتوي على مسام كثيرة، تنبت في كل منها أكثر من شوكة دقيقة جدا، وناعمة حادة.
وتُعد بردس، واحدة من أشهر البلدات الفلسطينية إنتاجا للصبر، حيث تنتج نحو خمسة أطنان في الموسم الواحد الذي يبدأ من منتصف يوليو/تموز من كل عام ويستمر نحو ثلاثة أشهر، بحسب عبد الرحمن عوض، أحد سكان البلدة.
ويقول عوض، الذي يعمل في مجال الإعلام، "بدرس قرية فلسطينية لا يتعدى عدد سكانها 2200 نسمة، تشتهر بزراعة الزيتون، والصبر، والتين، صادر
الاحتلال الإسرائيلي نحو 80% من أراضيها لصالح جدار الفصل العنصري"، ولفت الصحفي عوض، أنه "لا يوجد بيت في البلدة لا يملك أصحابه أشجار فاكهة الصبر". ويمكن لزائر بدرس، أن يرى أشجار الصبر في شوارعها، وأزقتها، ومنازلها.
الحاج عوض خلف (64 عاما)، أحد سكان البلدة، يملك 17 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) محاطة بنحو 500 شجرة صبر، ورث هذه الزراعة منذ طفولته.
ويقول خلف: "يُعد الصبر بمنزلة الجدران التي تحمي الأرض من الحيوانات الضارة، والعبث بالمزروعات، وبات ثمرة الفلاح الفقير".
وبينما كان يعمل وأفراد عائلته على وضع ثمار الصبر في صناديق خاصة، قبل بيعها، يتابع خلف حديثه "في كل موسم، نقطف الثمار، وتباع في أسواق رام الله والقدس، الصبر شجر لا يحتاج للعناية، ينمو بعد زراعته دون الحاجة للمياه أو أية عناية أخرى، ما يحتاجه فقط هو قطف ثماره".
ويجني خلف، على حد قوله، نحو ثلاثة آلاف شيكل (800 دولار) ربحا في كل موسم، إلى جانب عمله في زراعة الزيتون، وتربية الأغنام.
وفي فصل الصيف، ينتشر باعة الصبر على الطرقات الخارجية بالضفة الغربية، وداخل أسواق المدن.
وتشتهر بلدات أخرى في الضفة الغربية، بزراعة وإنتاج الصبر، كبلعين إلى الغرب من رام الله، وفقوعة بالقرب من جنين، وتل بالقرب من نابلس.
ولا توجد إحصاءات فلسطينية حول الإنتاج السنوي من التين الشوكي.
ويتخذ الفلسطينيون، من كلمة الصبر، صفة لهم، فهم الصابرون على الاحتلال الإسرائيلي، والحصار، والاعتقال، والتهجير، والدمار، منذ عشرات السنين.