قضايا وآراء

جدلية قانون الانتخابات البرلمانية القادم في الأردن

محمد العودات
1300x600
1300x600
عندما انسل الدكتور خالد الكلالدة من صفوف المتظاهرين في الربيع العربي، وانضم إلى حكومة عبد الله النسور وزيرا للتنمية السياسية كانت الهجمة عليه شرسة، فكان يرد انتظروا للآخير واحكموا على تجربة خالد الكلالدة في المشاركة.

1 مطبخ القانون
 

الأردن الرسمي يعيد ترتيب بيته الداخلي عبر منظومة من التشريعات كان أولها إقرار قانون الانتخابات البلدية، ومناقشة قانون المركزية حاليا والتحضير لقانون الانتخابات البرلمانية العامود الفقري للحياة السياسية في الأردن.

كل مشاكل الأردن السياسية وتناقضاته الديمغرافية والجغرافية وشكل الدولة والإصلاح الداخلي والعلاقات الخارجية تكون معتبرة وحاضرة عند صياغة قانون الانتخابات البرلمانية .

قد يكون مجلس الأمة بيت التشريع الحالي بشقيه النواب والأعيان آخر الجهات المعنية بتشريع قانون الانتخابات البرلمانية إذ أن القانون على حد وصف البعض أكثر خطورة من أن يتم وضعه بيد مجلس النواب وإن كان لا بد أن يمرر من خلاله.

مجلس الوزراء من خلال ديوان التشريع والرأي سوف يقوم بإعداد قانون الانتخابات البرلمانية، ومن ثم يدفعه إلى مجلس النواب ليقوم بمناقشته وتعديله وإقراره، ومن ثم يرفع لإقراره من مجلس الأعيان غرفة التشريع الثانية، والذي يمثل نصف أعضاء مجلس النواب والمعين من قبل الملك، ومن ثم يرفع إلى الملك لإقراره أو إعادته للتعديل إن لزم .

في مجلس الوزراء يكون الجميع حاضر إلا مجلس النواب والقوى السياسية، رجال الحرس القديم والديوان الملكي وزير التنمية السياسية ودائرة المخابرات، وكل القوى ذات النفوذ داخل الدولة من خلال تلك التشكيلة وموازناتها وتحفظاتها وتخوفاتها يخرج قانون الانتخاب البرلمانية .

القانون يكاد يكون أكثر القوانين حساسية يتعامل معه النظام السياسي في الأردن حيث تحضر فيه حسابات الديمغرافيا، وحسابات الجغرافيا والموالاة والمعارضة، ويكون حاضر به بقوة شبح الوطن البديل وسبل تحصين الأردن منه.

هي جدلية لا تنفك إذ يعتمد القانون الحالي معيار الجغرافيا في توزيع المقاعد البرلمانية، فيما تنادي المعارضة باعتماد معيار الديمغرافيا لتحقيق المبدأ الدستوري في المساواة بين المواطنين، لكن الحرس القديم يرى في استخدام معيار الديمغرافيا خطوة كبيرة على طريق الوطن البديل، وحضور شبحه في تهديد الهوية الوطنية الأردنية طرح قد يلاقي رواجا في ظل غياب المعلومات المتعمد عن التركيبة السكانية في الأردن، وتخويف الجميع من الجميع.

حمائم الحرس القديم يرون بأن المعادلة القائمة هي الحل الأمثل للظرف السياسي الأردني، وأنه لا يحتاج التعديل أكثر من زيادة حصص المدن الكبرى ذات الكثافة للمواطنين من أصول غرب النهر لإدماجهم بشكل أكبر في الحياة السياسية.

فيما ترى المعارضة بأن طريقة فرز البرلمان السابق وما أنتجه قد ألغت مهمة مجلس النواب، وهي الرقابة والتشريع، وحولته إلى مجلس خدمي يمارس فساد الواسطات والمحسوبية.

المشكلة التي تبدو أكثر تعقيدا هي التعديلات الدستورية الأخيرة التي بموجبها يمنع على من يحمل جنسية أجنبية تسلم المناصب السيادية "عضوية البرلمان والوزراء والوظائف الكبرى"، مما سوف يفتح الباب لجدلية قانونية بأحقية حملة البطاقات الصفراء الذين يتمتعون بالجنسية الأردنية، والحقوق السياسية من ممارسة حقهم في الترشح، وهم يحتفظون بالجنسية الفلسطينية بعد أن تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضوا مراقب في الأمم المتحدة.

2 تسريبات حول القانون القادم 

الشيء الذي يتم تأكيده إعلاميا وبشكل متكرر، أن قانون الصوت الواحد انتهى إلى غير رجعة، وأن الأردن مقبل على قانون أكثر انفتاحا وأكثر عدالة في الفرز الانتخابي .

الحديث يدور عن تقديم صوتين؛ صوت للدائرة الفردية، وصوت لقائمة المحافظة، والحديث هنا يخص القائمة المفتوحة التي تمكن الناخب من أن يختار أي من أعضاء القائمة، ويكون تمثيل القائمة بمقدار ما حققته من نسبة تصويت من مجموعة الأصوات المقترعة، ويكون تمثيل القائمة من خلال  أعلى الأصوات التي حققها العضو داخل القائمة بغض النظر عن ترتيب اسمه في كشف القائمة.

الحديث عن القائمة الوطنية المغلقة وتجربة الانتخابات الماضية بدأ يخفت؛ حيث أنها تجربة أثبتت فشلها في تحقيق توازن ديمغرافي معقول، كما أنها لم تحقق الفرز النخبوي للمجلس، إذ أن القائمة النسبية المغلقة، وعدم وجود عتبة انتخابية، جعل رأس القائمة هو الشخص الأوفر حظا في أن يكون نائبا برلمانيا، وباقية الموجودين على القائمة، ليسوا أكثر من كونهم ديكور يتم بهم استجلاب الأصوات حتى أن الأمور وصلت إلى الدفع لبعض المرشحين من قبل رؤساء القوائم من أجل أن ينظموا للقائمة بما يزيد الأصوات، ويعزز فرصة رأس القائمة من الحصول على مقعد نيابي.

المعارضة وخصوصا الإسلامية تدرك تماما بأن حلم العودة إلى نموذج (ثمانية أصوات) عام 1989 لن يكون وإن كانت ما تحلم به، وتتمناه إلا أن المناوئين لهذا النموذج يرون أن القوة المنظمة التي تملك 15% من القواعد الشعبية تستطيع أن تستحوذ على ثلاثة أرباع المجلس، وهذا يفتقر إلى حقيقة التمثيل وعدالته.

لا شك أن القانون القادم إن نجح في إقرار ما يتم تسريبه سوف يحسن من نوعية الفرز، ويخفف إلى حد ما الفرز المناطقي، لكنه لن يتخلص منه مما يعني أن المولود البرلماني القادم لن يكون إلا نسخة محسنة من المجلس الحالي، نسخة قد تساهم في تحسين أداء المجلس في الفترة القادمة تمهيدا لعهد المملكة الجديد الذي يتم الحديث عنه بشكل كبير هذه الأيام.

الكل مجمع بأن الحرس القديم يحسب المقاعد واحتمالات إفراز مجلس النواب حسبة أرقام دقيقة، وإنه لن يجازف بأي تحول يحدث مفاجئات في ظل هذا الظرف السياسي الدقيق والطوق الأردني الملتهب من ثلاثة جهات، وأن الانتخابات القادمة سوف ترفع  من حصة المعارضة بشكل معقول سواء كانت إسلامية أو يسارية لتعطي نكهة أخرى للمجلس، وتعيد الثقة في هذه المؤسسة بعد أن  تراجعت شعبيتها بشكل كبير بعد مقاطعة المعارضة له.

الحديث يدور عن تقليص عدد أعضاء المجلس إلى 125 عضو بدل الـ150، وأن التقديرات تشير إلى أن ما سيسمح به القانون المسرب لن يفرز أكثر من 35 إلى 45 نائبا معارضا في ظل غياب الحديث عن شرط العتبة الانتخابية في قوائم المحافظات بما يساوي 28% إلى 36% من مجلس النواب، وهو الثلث المعطل لأي تعديل على الدستور. كتلة إن وجدت سوف تكون الأقوى والأكثر صلابة وتماسكا في مجلس النواب، وقد تتحالف مع قوى أخرى في قيادة المشهد لكنها بالتأكيد لن تكون منفردة في ذلك.

3  نظرية التغيير عبر المشاركة 

إذا ما نجح الدكتور خالد الكلالدة ذو الخلفية اليسارية في الضغط واجتراح قانون انتخابات برلمانية حديث يغادر قانون الصوت الواحد الذي بقي جاثم على صدر الحياة السياسية ربع قرن تقريبا فإن الحديث عن نظرية التغيير من الداخل ستكون أكثر رواجا بعد أن تكون هذه النظرية قد قدمت نموذج ناجح، وأحدثت تغيير في أكثر الملفات تعقيدا.

كل الضغوط التي مارسها الحراك الأردني في الشارع لم تحقق أي من المكتسبات السياسية التي طالبت بها المعارضة بل على العكس أن قوة الشارع انفضت وخفتت وعادت المعارضة بخفي حنين.

قد يكون لتجربة الكلالدة إذا ما كتب لها النجاح وللجنة تعديل الدستور، وما حققته من نتائج مقبولة بعض الشيء، وخاصة المحكمة الدستورية الأثر في إعادة الثقة إلى نظرية أن الإصلاح يكون من المؤسسات الرسمية أكثر جدوى من مطالب الإصلاح عبر الشارع  الذي انتهجته المعارضة في الربيع الأردني.

الجدلية تحتدم حول نظرية التغيير عبر الشارع أو التغيير عبر المشاركة في المؤسسات الرسمية، إذ يدفع البعض بأنه حتى لجنة تعديل الدستور ما كانت لتكون وما كانت لتحدث أي تعديل لولا قوة الشارع، وهذا الرأي له وجاهته لكنه أيضا لا ينطبق على تجربة الكلالدة الذي يخوض حربا ضروس مع أركان الحرس القديم في محاولة للخروج من شرنقة قانون الصوت الواحد الذي أنهك الحياة السياسية.

سوف تبقى أنفاس القوى السياسية محبوسة حتى تظهر معالم القانون الجديد، والذي سوف يقرر شكل البرلمان القادم قبل إجراء الانتخابات، فالقانون هو من يقرر من سيكون نائبا بالدرجة الأولى وأن إرادة الشعب لها هامش معقول لكنه ليس العامل الرئيسي في فرز من سيكون النائب.

الدورة العادية لمجلس النواب في شهر أكتوبر من العام الجاري، وما أن ينتهي الخريف حتى يخرج قانون الانتخابات فإما أن يزهر الأردن بعده حياة سياسية واعدة أو مقبولة، وإما أن يستمر الخريف السياسي إلى أزمنة أخرى قد تطول.

التعليقات (0)