مدونات

غريب أيها الجهاد!!

د. جمال عبدالستار
د. جمال عبدالستار
حضرت في الأسبوع الماضي اجتماعا علمائيا دوليا، حضرة أكثر من مائتي عالم من أصقاع الأرض لنصرة الأقصى وفلسطين، فوجدت أن حديث العلماء خلال مدة المؤتمر كلها لا يزيد على مجموعة من المقترحات لإسعاف أهلنا في القدس، بصور شتى من الكفالات المالية، والأنشطة العلمية والإعلامية التي أظن أن الجمعيات الخيرية والدعوية كفتنا مؤنة البحث فيها، ولم أجد حديثاً حتى على هامش المؤتمر عن إعداد الأمة للدفاع عن مقدساتها، أو التفكير حتى في تحريض الأمة على جهاد عدوها، وتحرير مقدساتها، وحماية دينها وعرضها!! .
 
فقلت لهم سادتي: إذا كنتم من سيفكر في العمل الإغاثي فمن سيفكر في استشراف أدوات الصراع القادم، وتأهيل الجيل المقاوم ، واحتواء الشباب تحت راية الحق بدلا من انتقادهم إذا ارتموا في أحضان رايات الزيف والبهتان !! ومن سيفكر في إعداد القوة كما أمر الله تعالى في سورة الأنفال (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )؟! 

ومن سيفكر في إعادة فريضة الجهاد التي ضاعت ملامحها بين أهل علم يخشون حتى من الحديث عنها وبين أنظمة تحارب كل وسيلة تذكر الناس بها، حتى ولو كان موضوعا دراسيا، أو مشهدا تمثيليا، أو خطبة وعظية، وبين رايات باطل وإجرام صُنعت لتشويهها، وبين عدو تمكن من اقناع رواد الأمة في المؤسسات العلمية والتيارات الإسلامية والمنصات الإعلامية بأن الحديث عن الجهاد مخاطرة عظمى، وتهمة بالإرهاب يجب تجنبها!!

فمن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقين       ومن للحق يجلوه إذا كلت أيادينا؟!

وإن كنت أشكر لهم استجابتهم الإيجابية لما طرحته عليهم.

وأتساءل هنا: إذا كان القران قد ذكر الجهاد أكثر من أربعين مرة، وذكرته السنة فيما لا يحصى من الأحاديث فهل من المعقول أن يغيب عن أمتنا لفظا وخطا، قولا وعملا؟! 

لقد كنا نستنكر الأقوال إذا ضعفت الأفعال، فأصبحنا نستجدي الأقوال حتى بدون فعال!!
 
 فمتى سنتحدث عن الجهاد إعدادا وتحريضا، ثقافة وتربية، معلما رئيسا من معالم الأمة ومقوماتها ومن المعني بهذا العمل؟

لقد سُفكت دماء المسلمين في كل الأقطار، وأضحت أرخص دماء على وجه الأرض ، فمتى سنقول جهادا؟!

واغتُصبت بلاد المسلمين ، وأضحت أنظمتها تحت سلطان الأعداء، لا يتحركون إلا بأمرهم، ولا يبرمون شأنا إلا بمشورتهم، فمتى سنقول جهادا؟

ودُنست مقدسات المسلمين، واغتصبت أموالهم، وانتهكت أعراضهم، فمتى سنقول جهادا؟

إن الاعتداء على العرض والمال والنفس والدين والعقل أصبح واقعا يوميا لا مفر منه ولا مهرب، فليس إلا عيش الذل، أو موت الغدر، فمتى سنقول جهادا؟

اختفت خطب الجهاد، وكتب الجهاد، ودروس الجهاد، وكلمات الجهاد، فكيف سنقول جهادا؟!
وماذا ننتظر إذا غاب الجهاد سوى مزيد من الذل والهوان؟!
 
قال صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ) . صححه الألباني.

وماذا ننتظر إذا غاب الجهاد سوى الهلاك والدمار؟!
 
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ لَمْ يَغْزُ ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا ، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ ، أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . حسنه الألباني، والقارعة هي الدَاهِيَة المُهْلِكَة التي تأتي فجأة ..
إن الجهاد شرف الأمة وموطن عزها، والأمة المسلمة بحق لا تكون إلا على حالة من الحالتين التاليتين:

إما أن تكون مقاتلة في ساحة المعركة، مدافعة عن دينها وعرضها ومالها ومقدساتها، وأقدسها الإنسان المسلم.

وإما أن تكون في حالة إعداد للجهاد على كل الأصعدة، وبما استطاعت من قوة كما أمر الله تعالى، فهي حينئذ أيضا لعدوها مجاهدة، بالحق قائمة.

وليس ثمة حالة أخرى إلا النكوص ، وليس ثمة طريق آخر إلا الخذلان، وحينئذ فلتتربص الأمة عقوبة الله للقاعدين، قال تعالى  (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حتى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ? وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) سورة التوبة.

ولتنتظر سنة الله في المخذولين 

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))/المائدة 54.

وأخيرا أقول: إن الأمة ليست في حالة انكسار ولكنها في حالة تأهب لانتصار، ومن يرد الله به خيرا يستعمله ومن يرد به سوءا يشغله بما لا يعنيه. فكيف ذلك وأين؟ هذا حديثنا القادم بإذن الله تعالى..

*الكاتب: أستاذ بجامعة الأزهر، والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة. 
التعليقات (5)
احمد نافع
الجمعة، 30-10-2015 10:34 م
بارك الله فيك يا شيخنا عاوزين قريبا نركز على جهادالاخرين (الكفار.المناقين وغيرهم) بشتى الوساءل ولجميع المسلمين رجال ونساء كبار وصغار حتى ونتربى على ذللك حتى يصبح الجهاد فريضة تؤدى كالصلاة منذ الصغر نرجو بااداءها رضا الله والجنة ونستمتع فى الدنيا باداءها مثل باقى العبادات. اكيد هناك متطلبات للوصول لهذا الامر. والله المستعان
عمر عبدالفتاح
الخميس، 29-10-2015 09:52 م
اللهم أعنا على نصرة الأسلام .
امال فرغلى
الخميس، 29-10-2015 07:14 م
اللهم استعملني في نصرة الاسلام وارزقني ص?ة في المسجد الاقصى.....امين
علي عبدالقادر
الأربعاء، 28-10-2015 01:02 م
كلام رائع جدا ولكن اذا كنت حضرتك وانت من انت تناشد وتنادي فليتني اعلم من هو المسؤل عن اتخاذ القرار في جماعة الاخوان في مصر
صلاح القادري
الأربعاء، 28-10-2015 01:01 م
احسنت يا دكتور وسلمت يمينك