مقالات مختارة

أم المفاجآت في السعودية

سلمان الدوسري
1300x600
1300x600
كانت مفاجأة ويا لها من مفاجأة. في المرة الأولى التي تترشح وتنتخب المرأة في الانتخابات البلدية السعودية، تحقق انتصارا لافتا بوصول 20 سيدة. لا شك أنها أم المفاجآت بكل تأكيد. من يصدق، هذا الذي يطلقون عليه مجتمعا ذكوريا ويصادر حقوق المرأة، يبادر إلى إيصالها وتفضيلها على مرشحين من الرجال من أول تجربة تمر عليه؟ صحيح أنها ليست التجربة الأولى للمرأة السعودية مع الانتخابات، فقد سبق ذلك تجربة انتخابات الغرف التجارية، التي لا يمكن منحها نفس أهمية الانتخابات البلدية، باعتبار أن الأولى خاصة بشريحة معينة هن سيدات الأعمال، بعكس الانتخابات البلدية المتاحة للجميع، إلا أن كل التوقعات والأمنيات لم تصل للدرجة التي يثبت بها المجتمع السعودي، بذكوره وإناثه، أن قطار المشاركة النسائية ماضٍ في طريقه ولم يستطع أحد إيقافه، حتى لو علا صوت من يريدون إيقاف عجلة حق المرأة في ممارسة حقوقها.

وعندما نقول إنها أم المفاجآت، نذكّر بالتجربة الأولى للمرأة الكويتية في انتخابات المجلس البلدي عام 2006، التي كانت التجربة الأولى للمرأة في الكويت كمرشحة، حيث عادت خالية الوفاض من الفوز بأي مقعد وحقق الرجال الدرجة كاملة، مع أن المجتمع الكويتي يراه كثيرون أكثر انفتاحا من نظيره السعودي، غير أن الانتخابات السعودية سجلت تاريخا يعتد به مستقبلا، فما قبل هذه الانتخابات يختلف عما بعدها، فالناخبون السعوديون حطموا تابوها كثيرا ما استند إليه تيار يحاول زرع فكرة غير حقيقية، تعتمد على أن أي مشاركة للمرأة هي في أساسها مخالفة لتعليمات الشريعة الإسلامية، وهو ما كذبته مشاركة المرأة بفعالية في مجلس الشورى ووفق الضوابط الشرعية، ولم يخالف هذا الحضور والمشاركة تلك الضوابط.

في النهاية كانت انتخابات الدورة الحالية بمنزلة بالون اختبار حقيقي من خلاله تم قياس درجة تقبل المجتمع السعودي، بشرائحه كافة، لمنح المرأة حقوقها، وهو ما حققت من خلاله نجاحا لافتا، لا شك أنه سيغير من خريطة الحراك الاجتماعي والسياسي في الساحة المحلية، خصوصا أن هذه المشاركة النسائية التاريخية حظيت بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ليؤكد دورها الرئيسي إلى جانب الرجل لبناء الوطن وتنميته.

وبعيدا عن صلاحيات المجالس البلدية وقدرة أعضائها على الوصول للمطلوب منهم كممثلين للمواطنين، على الرغم من تطوير السلطات لعمل المجالس البلدية ورفع إمكانياتها وصلاحياتها، فإن في انتصار المرأة السعودية في هذه الجولة الانتخابية انتخابا وترشحا، تأكيدا أنها ماضية في مسار مساواتها بالرجل، وتقوية مشاركتها كعنصر رئيسي في الحياة العامة، فمنافسة 979 امرأة سعودية مرشحة لزملائها الرجال على مقاعد المجالس البلدية من أصل 7200 مرشح ومرشحة، يعد منعطفا مهما في تاريخ حقوق المرأة السعودية، التي بمشاركتها بفعالية في المجالس البلدية وإثبات جدارتها، يمكن لها أن تنال مزيدا من الحقوق التي تستحقها.

نجاح 20 سيدة سعودية في أول انتخابات عامة يشاركن فيها لا يسجل كإنجاز تاريخي لهن فحسب، ولا للنساء السعوديات اللاتي صوتن لهن، بل أيضا، وهو المثير، إنجاز لأولئك الرجال الذين اختاروهن مقتنعين بحقهن ومشاركتهن، وأنه لم يعد مقبولا بعد اليوم أن تبقى هامشية.

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)