كتاب عربي 21

دروس التاريخ واقتصاد الثورة

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
تحققت كثير من النبؤات السياسية التي ذكرها الأستاذ حازم أبو إسماعيل من حدوث انقلاب عسكري نتيجة استقراء جيد للتاريخ واستيعاب دروسه، فمقولة إن التاريخ يعيد نفسه مقولة صادقة حقا إذا تتبعنا ما يحدث في مصر من أحداث منذ ثورة 25 يناير 2011.

فمشكلات مصر الاقتصادية متعمدة تماما، فمن يعمل لصالح مصر أو يفكر لها في حل للخروج من مأزقها فليس له في برها مكان، والأدل على ذلك الأخبار الاقتصادية التي تترى بين الحين والحين، فالمشكلات تتفاقم وتتفاقم بدون أي حل، وتترك عن عمد حتى تكون كما هائلا أمام أي منقذ فلا يجد له حلا إلا أن يألفها، أو كما يقولون بالمصري "يعوم مع الموج" دون أي حل للإطلاق، فالنظرة الواقعية بدون لي الحقائق ولا كم الأكاذيب التي تسوق للناس في الإعلام ليل نهار تجد مشكلات اقتصادية فيالمجالات كافة، فخذ على سبيل المثال لا الحصر مشكلات الديون الخارجية أو الداخلية، أو زيادة البطالة أو انخفاض الإنتاج القومي أو تدني معدلات النمو الاقتصادي أو ارتفاع الأسعار والتي بالطبع تلقي بظلالها على أزمات في الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق الحياتية كافة، فلا تجد مستشفى عاما يليق بآدميين، وإذا أردت فعليك باللجوء إلى القطاع الخاص، وعليك أن تقف بالطابور حتى تتحصل على الخدمة التي دفعت ثمنها مقدما، ولا يوجد تعليم بالمدارس على الإطلاق، فالتعليم انتقل من المدرسة إلى "السنتر"، وأصبح للمدرس الخصوصي سكرتير ومدرسون يصححون له الامتحانات، فانتهى دور المدرسة وانتهى معها دور الدولة، أما حالة الطرق ودفع الرشاوى في إدارات المرور والمصالح الحكومية فأمر لا يخفى على الدولة، وأجهزة المخابرات ومختلف الأجهزة الرقابية على علم بذلك ولا تحاسبه ولا تغيره بل من المنطقي الوصول إلى استنتاج هو عين الحقيقة أن الفساد في مصر وتدهور أدائها الاقتصادي يتم عن عمد، وإن كان غير ذلك، فقل لي بالله عليك ماذا يفعل الموظف الذي يتقاضى راتبا لا يتجاوز 2000 جنيه، فلابد أنه سيضطر لقبول الرشوة، اللهم إلا الذي عنده وازع من دين، فكيف له أن يقف أمام نفسه وأمام أسرته ويجد أقرانه أكثر حظا منه، سواء في الدخل أو الوظيفة أو المركز الاجتماعي أو... أو...

وقد يبدو لغير المتخصص وعامة الناس أن هذه الظواهر عارضة، ولكنها جلية واضحة وضوح الشمس للعيان، إن كل ما يتم في مصر يتم عن عمد حتى تظل البلاد في طولها وعرضها في ذل الحاجة والعوز.

لكن العجب كل العجب أن تجد التكرار نفسه في شؤون الاقتصاد، فما أشبه الليلة بالبارحة، ففي عهد محمد علي رفض أن يتحصل على أي قروض إلا بسدادها في نهاية العام، رغم أن المقرضين أغروه بمد الأجل وطلبوا منه رهن إيرادات الخزانة العامة أو أملاك الأراضي إلا أنه أبى، ليس هذا فحسب، بل حقق محمد علي اكتفاء ذاتيا من الغذاء، وكثيرا ما كان يحقق فائضا في ميزان المدفوعات، أما واردات محمد علي فكانت ترتبط باستيراد الماكينات والآلات، وتيقنت القوى الأوربية من إمكانية بزوغ قوة جديدة في الشرق الأوسط مع أفول نجم الإمبراطورية العثمانية، فما كان من إنجلترا إلا أن فرضت قيودا على الصادرات المصرية، وقامت بتحجيم القوة العسكرية للجيش المصري، ثم تكرر الأمر مع الخديوي سعيد الذي أخذ في الاقتراض والتوسع فيه والذي انتهى به الحال إلى العجز عن دفع المرتبات للموظفين، وأعطى الموظفين أذونا مستحقة على الحكومة، ثم ما لبث أن جاء إسماعيل الذي توسع في الاقتراض وأدى إلى وقوع مصر فريسة للديون، أما الخديوي عباس الذي حل بعد والده محمد علي باشا، فلم يكن يحب القناصل الأوربيين، ولم يزر أوروبا مرة واحدة، وأبى أن يأخذ أو يتوسع في الاقتراض على الإطلاق، فما كان إلا أنه مات مقتولا في قضية قتل غامضة حتى الآن!

من هذا السرد التاريخي، تُرى هل ما قدمه باسم عودة من حل لمشكلة العجز في القمح وزيادة إنتاجه إنتاجا غير مسبوق جعل مصيره السجن والإعدام؟!! تُرى هل الاكتفاء الذاتي من القمح هو الجريمة الفعلية التي فعلها باسم عودة وحكومة الرئيس مرسي؟! هل مناداة مرسي بتحقيق الاستقلال الاقتصادي في السلاح والدواء والغذاء، هو الذي عجل بنهاية حكمه؟! 

فالوقائع تؤكد صحة ما توصلنا إليه، فقد عجزت حكومات ما بعد ثورة يوليو في تحقيق أي من هذه الأهداف، فها هي الأخبار تنبؤنا عن أن مصر قد تصدرت قائمة مستوردي الحبوب الروسية في غضون الستة شهور الأولى من عام 2015 أي حتى نهاية ديسمبر الماضي. ووفقا لوكالة الأنباء الروسية، قال مصدر مسؤول في وزارة الزراعة الروسية إن مصر اشترت من روسيا 3.2 ملايين طن من الحبوب في النصف الأول من الموسم الحالي، أي حتى نهاية ديسمبر الماضي. وشكل نصيب مصر من صادرات الحبوب الروسية وفي مقدمتها القمح ما نسبته 22 بالمئة في ديسمبر 2015، وهي أكبر دولة مستوردة من روسيا من الحبوب. أي أن مصر تستحوذ على خمس إنتاج روسيا وحدها من القمح، ولم لا ومصر هي أكبر دولة مستوردة للقمح على مستوى العالم.

ولست في حاجة إلى مزيد من الأدلة الدامغة التي تؤكد ما توصلنا إليه، لكن هذه النتيجة تجعل من مصر في حاجة ماسة إلى الانتشال مما هي فيه، فنحن في حاجة إلى ثورة كاملة شاملة من القاع قبل القمة، وليست أزمتنا مع قطاع واحد من قطاعات الدولة بل المشكلة مع كل القطاعات في الدولة، وهذا أمر يحتاج إلى التفكير وطرح الحلول، لأن مشكلتنا في مصر ليست في فساد رأس السمكة فحسب، بل في فساد السمكة وما حولها. 
التعليقات (0)