كتاب عربي 21

نحو مقاربة جديدة للعلاقات السنية-الشيعية: فصل السياسة والمصالح عن التاريخ والعقائد

قاسم قصير
1300x600
1300x600
عند كل أزمة سياسية جديدة يواجهها العالم العربي والإسلامي؛ تعود العلاقات السنية-الشيعية إلى الواجهة، حيث يستعيد بعض أطراف الصراع هذه الإشكالية لإضفائها على الصراع الجديد، وآخر هذه الإشكاليات الصراع السعودي-الإيراني، والذي يحاول البعض إضفاء بعد مذهبي أو قومي أو تاريخي عليه.

فهل يمكن الفصل بين الصراع التاريخي بين السنة والشيعة من جهة وبين الصراعات السياسية القائمة اليوم؟ وهل يمكن البحث عن المصالح السياسية المشتركة بين السنة والشيعة والتي توجب على الطرفين الفصل بين الخلافات التاريخية والعقائدية من ناحية، وبين الصراعات القائمة اليوم، والتي لن تؤدي إلى أية نتيجة إيجابية، مما يفرض على الطرفين دراسة كيفية تجاوز هذه الصراعات من أجل دراسة القضايا المشتركة والاتفاق على رؤية مستقبلية مشتركة؟

الخلافات السنية-الشيعية التاريخية والعقائدية عديدة، وإن كان بعض العلماء والمرجعيات الدينية يؤكدون أن حجم هذه الخلافات أقل بكثير مما يحاول البعض الحديث عنه، لأن ما يجمع السنة والشيعة أكثر بكثير مما يفرقهم.

ورغم الخلافات التاريخية والعقائدية؛ فإنه لا يمكن تجاهل التعاون الكبير بين الإمام علي والخلفاء الثلاثة، وكذلك الاتفاق بين الإمام الحسن ومعاوية، ومن ثم تعاون الأئمة الشيعة مع الأئمة السنة لفترات طويلة، وكذلك وجود مساحات مشتركة على الصعد العقائدية والفقهية والفكرية بين السنة والشيعة.

وفي مقابل الصراعات السياسية التي حصلت تاريخيا؛ فإن هناك محطات تاريخية عديدة على صعيد التعاون بين السنة والشيعة في مواجهة أعداء المسلمين، وكيف كان أئمة الشيعة يدعون المسلمين للدفاع عن الخلافة في مواجهة الهجمات التي كانت تتعرض لها الأمة المسلمة، وقد لعب علماء الشيعة دورا مهما في مواجهة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، كما أنه كان للشيعة دور مهم في دعم ثورات المسلمين على فترات طويلة.

ورغم كل هذه الصراعات التاريخية والعقائدية والسياسية؛ فها هم السنة والشيعة يتعايشون في العديد من الدول، وهم يحجون إلى بيت الله الحرام، ويصلون باتجاه قبلة واحدة ويقرأون في قرآن واحد، وهناك مساحات مشتركة فقهية وعقائدية وفكرية مشتركة.

لكن، هل يمكن تجاوز هذه الخلافات والصراعات السياسية، ولا سيما بين إيران وحلفائها من جهة، وبين السعودية وحلفائها من جهة أخرى؟

من أجل الإجابة عن هذا السؤال بشكل عملي، لا بد من استعراض بعض الصراعات السياسية القديمة أو الحديثة، والتي تم تجاوزها ونجاح المشاركين فيها إلى الذهاب نحو الحوار والتعاون بدل الاستمرار في الصراع.

ومن هذه الأمثلة: الصراع الصفوي-التركي، ولا يزال يحلو للبعض الحديث عن الدولة الصفوية والمشروع الصفوي الإيراني اليوم، فهذا الصراع مضى عليه حوالي خمسمائة سنة بين تركيا العثمانية وإيران الصفوية، وقد انتهت الخلافة العثمانية وقامت دولة تركيا الحديثة العلمانية، والتي تحتضن أحزابا إسلامية وصلت إلى الحكم.

وبالمقابل، انتهت الدولة الصفوية وقامت إيران الحديثة التي حكمتها الأسرة البهلوية، ومن ثم قامت الجمهورية الإسلامية، ولم تعد هناك دولة صفوية، واليوم فإن العلاقات بين تركيا وإيران من أفضل العلاقات، رغم وجود تباينات سياسية أو فقهية أو تاريخية، لكن حجم التبادل الاقتصادي بين الدولتين يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات وهناك تنسيق دائم بين قيادات الدولتين.

ومثال آخر هو الصراع بين إيران ودولة الإمارات المتحدة، والجميع يعرف أن الإمارات تتهم إيران بالاستيلاء على ثلاث جزر وهي تطالب إيران بأن تعيد لها السيطرة على هذه الجزر، وبالمقابل ترفض إيران ذلك وتدّعي أن لها حقا قانونيا في هذه الجزر، لكن رغم هذا الخلاف الذي يمتد لعشرات السنوات، فإن العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية بين الدولتين مستمرة ولإيران وللإيرانيين عشرات المليارات من الدولارات في البنوك الإماراتية.

واذا أردنا أن نستعرض الصراعات والحروب التاريخية بين دول العالم، وكيفية تجاوزها والتحول من الصراع إلى التعاون فهناك مئات الأمثلة، وأوروبا تاريخا وحاضرا أفضل النماذج، وقد جرت فيها حروب عديدة وهي اليوم تعمل في إطار اتحاد مشترك، وكذلك العلاقات بين أمريكا واليابان وألمانيا، واليوم تسعى أمريكا لتجاوز الخلافات والصراعات التاريخية مع إيران وكوبا.

وفي لبنان، ورغم الخلاف المستمر بين تيار المستقبل وحزب الله، فقد جلسا إلى طاولة الحوار وهما يشاركان في حكومة واحدة والعلاقات بين مختلف القوى السياسية والحزبية في لبنان مرت بمراحل من الصراع والتعاون وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.

فالصراعات السياسية والحزبية والصراعات بين الدول لا يمكن أن تستمر ولا بد من البحث عن حلول سياسية وتسويات والصراع السعودي-الإيراني، الذي يلقي بظله المباشر على العلاقات السنية-الشيعية اليوم، ويؤدي لتأجيج الخلافات بين السنة والشيعة، ويمكن البحث عن حلول له من خلال دراسة المصالح المشتركة ومعالجة النقاط الإشكالية، خصوصا أن هذه العلاقات مرت بفترات إيجابية رغم الخلافات بين الدولتين في أكثر من مرحلة.

ولذا، فإنه لا بد من دراسة أسباب هذا الصراع ووضع الاقتراحات والأفكار لمعالجته وفقا لمقاربات جديدة، وبذلك نساهم في تخفيف التوتر في العالم العربي والإسلامي، مع التأكيد أنه ليست كل الخلافات في هذه المنطقة سببها إيران أو السعودية، أو هي بين السنة والشيعة، فهناك خلافات داخل المحور الواحد وبين الحلفاء وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
التعليقات (2)
محمد سالم
الخميس، 04-02-2016 12:33 ص
تقول ((فإنه لا يمكن تجاهل التعاون الكبير بين الإمام علي والخلفاء الثلاثة، وكذلك الاتفاق بين الإمام الحسن ومعاوية، ومن ثم تعاون الأئمة الشيعة مع الأئمة السنة لفترات طويلة)) منذ متى اصبح الامام علي شيعيا وتعاون مع الخلفاء الثلاثة اتريد ان تقول ان علي رضي الله عنه يقف في صف الشيعة ضد الخلفاء الذين سبقوه وهل اهل السنة ضد علي ؟ يبدو انك ترهف بما لا تعرف وتريد ان تحمل الناس اشياء لم يحملوها لاجل شيئ ووهم تربيتم عليه.. انكشف القناع وانكسر ولن ننخدع بايران او حزب اللات مرة اخرى وليذهبا الى الجحيم وعليهما ان لا ينسو اخذ قوات الحشد الطائفية العراقية معهم
عارف
الأربعاء، 03-02-2016 09:34 م
الخلاف او الصراع ان شئت اصبح وجودى وايران من فرضته لاتحدثنى عن تقارب وعلاقات وايران ومرتزقتها القتلة يهدمون المبانى على رؤس ساكينيها من نساء واطفال فى حمص ومضايا ووبلدات الغوطة وديالى والانبار وتكريت وغيرها تذكرنا بجرائم النازية عن اى تقارب تتحدث