مقالات مختارة

انقلابٌ على الغرب.. وأمَّتُنا الرقم الصعب

صالح عوض
1300x600
1300x600
بأنـا نـوردُ الرايــات بيضـا **  ونصدرُهُن حُمرا قد روينا

متى نعقد قرينتنا بجبل ** تجذ الحبل أو تقص القرينا

أجل يا عمرو بن كلثوم، كنا كذلك ونحن لا نقبل دون ذلك، هذا هو حال أمتنا اليوم وهي تجالد العداء في كل الجبهات.. فيما تحاول الإدارة الأمريكية والإدارات الغربية عبثا إنهاءها من الوجود وبعثرتها على مِلل ونِحل وأقوام وجهات ومسمّيات لم ينزل الله بها من سلطان، وذلك على طريق قضمها جزءا جزءا كما فعلت بالهنود الحمر بعد أن نهبت كنوز الذهب لديهم وألقت بهم في محميات وأطلقت للهوليوود العنان لصناعة وعي عالمي عن الهنود الحمر بنمطية مثيرة للسخرية والاستهتار.. ولازالت الجريمة الكونية ماثلة أمام الضمير الإنساني: كيف تمت؟ ومن المسئول؟ وأية عقيدة انطلق منها ذلك الشر كله؟

لم يكن هذا التصرف منفردا، فلقد تبعه تقاذف القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي لتحرق الحياة وتحكم بالموت المؤبد المشوه على ناس ليس لهم ذنب ولا جريرة.. وفي بلاد العرب والمسلمين منذ سقوط غرناطة انطلق الوحش الغربي المجرم بمحاكم تفتيش وقتل على الهوية من الأندلس وإلى كل ديار العرب في المغرب العربي وبلاد الشام ومصر والعراق.. وكأّن للغرب الحق في القتل وتدمير المنشآت والحياة في بلاد العرب والإسلام على مدار قرون عدة، ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير إلى أن جيش نابليون عندما دخل القاهرة كانت خيوله تخب في دماء المصريين، وفي الجزائر في عام واحد هو 1871م قتلت فرنسا نصف الشعب الجزائري.

لقد طالت سنوات المواجهة ولم تنكسر إرادة المقاومة في الأمة، وحققنا نقاط انتصار مهمة في أكثر من مكان، فعندما كسّرنا حملة نابليون على أسوار عكا، كانت نقطة فاصلة نتج عنها سقوطُ الاستراتيجية الإمبريالية الفرنسية نحو الهيمنة على العالم العربي والإسلامي.. 

وعندما طردنا الاستعمار الفرنسي من الجزائر ألغينا إمبراطورية فرنسا وأرجعناها إلى حجمها الطبيعي، وعندما قاتلنا أمريكا في أفغانستان والعراق ألحقنا بأمريكا ضربات اقتصادية ومعنوية بالغة ولم يكن عدوان أمريكا علينا في العرق إلا ورطة كبيرة ألحقت بالأمريكان أذى كبيرا، وكذلك الأمر في فلسطين حيث المواجهات المستمرة مع قاعدة الغرب المركزية الكيان الصهيوني أسقطت وإلى الأبد الدعاية الكاذبة والفاسدة المدججة بدعم الغرب وسياساته وإعلامه وسلاحه.. وها هي الدولة الصهيونية تتكشف على حقيقتها؛ إنها بيت عنكبوت وأنها عبارة عن تجمع عصابات مافيا السلاح والمال، ولقد ألحقت بها المقاومة العربية في لبنان وفلسطين انتكاسات خطيرة أعادت إلى قادتها الأسئلة الوجودية من جديد.

الأمة الآن في ازدياد سكاني كبير، وهذا في حد ذاته قوة جوهرية، ومن الأمة برزت طلائع وعي وثقافة وعلم ومحاولات لامتلاك سرّ التقنية، ورغم إصرار الغرب على عدم تمكن أبناء الأمة من ذلك، إلا أن روح المغالبة والصبر أنتجت لنا نُخبا متميزة من العلماء في شتى المجالات.. وأصبحت هذه الجغرافيا الكبيرة والاستراتيجية والمركزية في الكون تشغل حيّز الاستقطاب الكوني من حيث ثرواتها ومنبع الديانات وكتلتها السكانية الحيوية.. 

ورغم ما يبدو على الأمة من إرهاق وعناء إلا أن القوى الكامنة فيها تبرز من حين إلى أخر في عناد أسطوري ومواجهات تعبِّر بوضوح عن إرادة عميقة وقوية في وجدان الأمة وطموح متمكن من روحها بضرورة العودة من جديد لموقع الأستذة الذي كان لها قرونا عدة.. لاسيما وهي ترى كيف ترتكس البشرية في حمأة آسنة بفعل مناهج الشرّ التي تسير عليها سياسات الغرب الاستعماري.. في الغرب حيث الاعتداء على مقوّمات الإنسان وتحطيم المقدس الإنساني وهزيمة الروح في مؤسسات الدين المسيحي في مواجهة طفح رأس المال المجنون.. وعند الابتعاد قليلا عن جوقة الإعلام الغربي الدعائي، نكتشف كم هو حجم المعاناة لملايين البشر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي لا يمكن فقط الإشارة إلى كبت الحريات السياسية والفكرية عندما تمس احد عناصر الرؤية الشريرة فيها، وإنما أيضا حرمان الملايين من العلاج والتأمين الصحي وجعل الناس جميعا عبيدا في ترسانة اقتصاد لا هدف له إلا تضخيم الأموال في حسابات عشرات الأشخاص الذين يتحكمون اليوم في العالم ويباشرون التوجيهات لإشعال الحروب في العالم والتهيئة لاستمرار الحروب بين الشعوب والفئات وإثارة الفتن في كل مكان بعناوين متنوِّعة.

في مواجهة هذا الواقع، يتسرّع البعض ليحكم بالمنازلة الكبرى بيننا والغرب بما يرى من حيثيات واقعية هنا أو هناك، حيث كثير من الألم واللامبالاة من قبل كثيرين، فينصرف إلى القول إن الأمة لا فائدة منها وان العبودية هي مستقبلها.. يفقد هذا البعض القدرة على ربط الأحداث وربط وقائع التاريخ ويفقد الصبر على فهم الصلة بين الحوادث ويصبح بلا وعي منه أداة تيئيس كان من الأفضل إن تنزوي عن الحياة.

الأمة الآن في ازدياد سكاني كبير، وهذا في حد ذاته قوة جوهرية، ومن الأمة برزت طلائع وعي وثقافة وعلم ومحاولات لامتلاك سرّ التقنية، ورغم إصرار الغرب على عدم تمكن أبناء الأمة من ذلك، إلا إن روح المغالبة والصبر أنتجت لنا نُخبا متميزة من العلماء في شتى المجالات.

وبالتأكيد، لا يمكن إغفال ما للحوادث التي نعيش من أثر على حياتنا، ولكن مهما كانت قسوتها ينبغي ألا تصرفنا عن تدبّر تطور الأمور في كل المجالات في واقعنا وواقع الغرب.. إننا حينذاك، نكتشف إننا اصبحنا اكثر خبرة ووعيا، واننا اصبحنا نمتلك انتصارات على عساكر الغرب المحتلين، واننا اصبحنا اكثر معرفة بألاعيبه ومؤامراته، واننا اصبحنا اكثر جرأة في مواجهته، واننا نقترب اكثر من صياغة جملتنا الحضارية كاملة.. ونكتشف انه قد أرهق وأصابته الخيبة، وانه اصبح اكثر قبحا وانكشفت أكاذيبه عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. بمعنى واضح أن منهجه سقط سقوطا ذريعا وانه لم يعد لديه من المؤهلات الأخلاقية ما يكفي لاستمرار المناورة والمؤامرة..

إن حساب الحروب التاريخية لا يتوقف على جولة ولا على جبهة معينة، إنما هي الحرب المتواصلة الممتدة بيننا والغرب الاستعماري على اكثر من جبهة، وكوننا لم ننته ولم نتلاشَ رغم تلك الجرائم التي نفذها وهو في عز عنفوانه وقوته، فإن هذا يعني أننا لن ننهزم ولن نتلاشى في المستقبل، بل على العكس تماما إننا سنتقدم وننتصر.. وستخرج أمّتنا من الوهن والتشتّت والضياع، لأن الحرب تملي علينا ذلك، كما أن الله تعالى وعدنا بالنصر المبين.. تولانا الله برحمته.

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)