قضايا وآراء

رسالة إلى الإخوان.. تعالوا إلى كلمة سواء

عمرو دراج
1300x600
1300x600
منذ قامت اللجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر بتدشين منصة تفاعلية مفتوحة لعرض أهم ما توصلت إليه في مجال تطوير اللائحة العامة للجماعة، طبقا للمهمة التي اضطلعت بها لتجديد اللائحة والإعداد لانتخابات شاملة خلال ستة أشهر من بداية عملها (أي في حدود نهاية فبراير 2016)، ولتلقي الاقتراحات والتعليقات من أبناء الجماعة وأيضا من المهتمين من خارجها في عمل غير مسبوق لإشراك المجتمع في مثل هذه الأمور، فقد حرصت على متابعة ردود الأفعال المتعلقة بذلك من خلال وسائط التواصل الاجتماعي أو من خلال المناقشات المباشرة، ورصدت من خلال ذلك أن ردود الفعل انقسمت لعدة اتجاهات، الأول جاء مرحبا بهذه الخطوة وتفاعل معها إيجابيا بالثناء أو التعليق أو الاقتراحات، وقد بدا لي أن هذا هو القسم الأغلب.

إلا أن الاتجاهات الأخرى جاءت سلبية من عدة أوجه، فالبعض رأى أنه يجب حل الخلافات داخل الجماعة قبل الدخول في موضوع تعديل اللوائح، والبعض رأى أن من قام بهذا العمل ليس هو الجهة المنوطة، والبعض استنكر أن يطرح هذا الأمر للنقاش العام، واستنكر الأخرون الاهتمام بهذا الأمر ونحن في ظل انقلاب يعيث في الأرض فسادا، إلا أني لم أرصد بشكل عام تعليقات سلبية عما طرح من أفكار أو ما أطلق عليه "فلسفة اللائحة المقترحة". ولصاحبي التوجهات السلبية حول "شكل الطرح" قدرت أنه من المفيد كتابة هذا المقال لمناقشة هذه الآراء ومحاولة تحقيق أكبر قدر من التوافق.

بداية، وحول موضوع الخلاف داخل الإخوان، فالبعض يحاول تصويره على أنه صراع على المناصب أو السيطرة، وأنا أرى أنه، وإن صح ذلك بالنسبة لعدد قليل من الأفراد أو القيادات لسبب أو لأخر، فإن الخلاف من وجهة نظري يتعلق بشأنين جوهريين، الأول يرى أن الخلاف ينصب أساسا حول أسلوب إدارة الجماعة وآلية اتخاذ القرار فيها منذ فترة طويلة، وهو، وإن صلح في أحقاب زمنية معينة، لا يصلح في ظل ثورة شعبية كثورة يناير التي لما تضع أوزارها بعد، ولا يصلح بالقطع للتعامل مع الانقلاب وما تبعه من حكم عسكري دكتاتوري، ويرون أن طريقة الإدارة تلك نتج عنها أخطاء كثيرة في التعامل مع الثورة ومع الحكم ومع الانقلاب، مما يستوجب تغييرات شاملة تتوافق مع طبيعة العصر الذي نعيشه والتحديات التي نواجهها، وفي المقابل يرى البعض الأخر أنه لا يجوز إحداث مثل هذا التغيير في زمن الفتن والصراعات.

أما المحور الآخر للخلاف فيتعلق بالرؤية حول طبيعة المرحلة والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، مما يستوجب الحسم حتى تنطلق الجماعة في ظل رؤية مشتركة تمكنها من مواجهة هذه التحديات، وأولها كسر الانقلاب والإفراج عن المعتقلين وفي مقدمتهم الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، والقصاص للشهداء والمصابين، ثم بناء الدولة على أسس سليمة وتحقيق التوافق المجتمعي مرورا بتحقيق أهداف ثورة يناير المجيدة.

أنا أرى، وما أطرحه من خلال هذا المقال، أن يكون طرح التعديلات اللائحية هو نقطة الانطلاق الأولى والمدخل الرئيس لاستعادة لحمة الجماعة، ثم بناء وتنفيذ تصورات واضحة للتعامل مع طبيعة المرحلة. لقد جرت محاولات كثيرة لرأب الصدع والوساطة لتجاوز الخلاف من أطراف عدة، أخرها مبادرة العلامة الجليل الشيخ يوسف القرضاوي، لكن كل هذه المحاولات مع الأسف لم تكلل بالنجاح، وأظن أن ذلك لأن الجميع كانوا ينظرون للماضي؛ هذا الاجتماع كان صحيحا لائحيا، أو لم يستوف النصاب، أو هذا القرار لم يكن مؤسسيا، أو توقيع الجزاءات من سلطة هذا أو ليس من سلطته، وغير ذلك من الأمور التي بالتأكيد لي فيها أرائي القاطعة، لكني أدعو هنا لتبني أسلوب أخر: لماذا لا نلقي هذا كله وراء ظهورنا وننظر إلى المستقبل؟ لماذا لا ننطلق جميعا من أحلامنا حول الجماعة وكيف نريد أن نراها؟ ما هي طبيعة التغيير المطلوب في هذه المؤسسة؟ كيف نجعلها أكثر مؤسسية وفاعلية وشفافية وقدرة؟ إلى أخر هذه الأسئلة التي أوقن أن الجميع يريد الوصول إلى إجابة شافية عليها، ودليلي على ذلك أنه بينما طرح أحد طرفي الخلاف فلسفته في التعديل المؤسسي على الملأ، فإن الطرف الأخر أعلن أيضا عن لجان للتطوير الشامل ولتلقي المقترحات حولها. إذن يتفق الطرفان حول الحاجة إلى التطوير الشامل وأهميته، فلماذا لا نجعل هذا نقطة الانطلاق؟ لماذا لا نجري نقاشا مفتوحا حول المقترحات اللائحية لنتفق في النهاية على الشكل المرغوب للمؤسسة، بصرف النظر عمن طرح هذه الأفكار وكيف، ثم نتوافق حول آليات الاعتماد، وبعد ذلك نجري الانتخابات الشاملة طبقا للشكل المؤسسي المتفق عليه؟

لقد رأينا في الفلسفة المطروحة على النافذة التفاعلية التي أطلقتها اللجنة الإدارية العليا أفكارا وتوجهات طالما نادى بها الكثيرون، مثلا لفصل بين الإدارة التنفيذية (المكاتب) والهيئات الرقابية التشريعية (مجالس الشورى)، تعميق المؤسسية في إدارة العمل بتوسيع صلاحيات الهيئات المختلفة للجماعة ووضوح مهامها ومسؤولياتها وصلاحياتها، توسيع صلاحيات مجالس الشورى وتمكينها من القيام بدورها التشريعي والرقابي، إسناد إجراء الانتخابات إلى “مفوضية انتخابات” تتمتع بالخبرة والنزاهة والاستقلالية، وليس لأفرادها مصلحة شخصية في نتائجها، بحيث تمنعهم اللائحة من الترشح والانتخاب، تمثيل الشباب تمثيلا إيجابيا بخفض سن العضوية بهيئات الجماعة المختلفة لتمكينهم من المشاركة في قيادة وتوجيه مؤسسات الجماعة، تمنح اللائحة المرأة تمثيلا إيجابيا بتحديد عدد الأعضاء من النساء في كل هيئة إدارية ورقابية، تمكين أفراد الجماعة من المشاركة في اختيار ممثليهم في الهيئات المختلفة بإلغاء مبدأ التعيين في جميع المستويات واعتماد التصعيد المباشر للتالي في الأصوات عند خلو المكان، توسيع مجال اللامركزية في القيادة والعمل بحيث تزداد قدرة الأطراف على العمل والرقابة والتشريع والابتكار، تعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة للمسئولين والهيئات الإدارية من خلال مجالس الشورى الرقابية التشريعية المنتخبة، تأسيس مبدأ الشفافية بعرض التقارير والموازنات واعتماد الميزانيات والرقابة المالية وأخذ موافقات مجالس الشورى وتوسيع حق المجالس الرقابية في وضع آليات جمع المعلومات اللازمة للرقابة، إقرار مبادئ لعدالة التقاضي وإجراءات التعامل مع الشكاوى والتحقيقات وحماية حقوق الأفراد والهيئات على السواء من الانتهاك والتعدي والإهمال، إلى غير ذلك من الأسس التي تعتمدها الهيئات والمؤسسات الحديثة في الهيكلة والإدارة".

وأنا أرى أنه من الصعب على من يعيش في هذا العصر، ومر بالتجارب التي مررنا ولازلنا نمر بها، رفض هذه المبادئ، مما يسمح، إذا صلحت النوايا وتجرد الجميع من أية أهواء، أن يشكل هذا أساسا قويا لرأب الصدع في الجماعة بعد انتخابات شاملة وصحيحة، لتضمنا جميعا مؤسسة قوية قادرة على التعامل مع تحديات المرحلة وإحداث الأثر المطلوب.

وبالنسبة لعرض هذا النقاش على الملأ، حتى على من لا ينتمون للجماعة، للمشاركة وإبداء الرأي، فأنا أرى أنه أمر إيجابي يعطي رسالة قوية بطبيعة التغيير الذي تمر به الجماعة، ويسمح برأب الصدع المتسع بينها وبين المجتمع، وأنا أقول دائما أن جماعة الإخوان هي رصيد استراتيجي لهذه الأمة، وبالتالي فالجميع له فيها كما لأعضائها، والجماعة ليس لديها ما تخفيه، فهي مؤسسة مدنية تعمل على خدمة الأمة، وتحرص على انتهاج الأساليب السلمية المدنية في التغيير، تدريجيا كان أم ثوريا، ولم تتورط في إرهاب أو مخالفة للقانون، ولا تنوي أن تقوم بذلك، فلماذا لا تمتلك مؤسسة شفافة علنية، مع الاحتفاظ بالطبع بشئونها الداخلية كأي مؤسسة في أي مكان؟

أما بالنسبة للخلافات حول الرؤية، أو التعامل مع طبيعة المرحلة، والتعامل مع التحديات التي تواجه الوطن، واتخاذ القرارات الهامة والمصيرية، وإجراء المراجعات الرئيسة حول أمور مثل الفصل بين الدعوي و الحزبي، أو أساليب تحقيق التوازن التربوي، أو مفاهيم الاصطفاف والتصالح المجتمعي والعلاقة مع الآخرين، فإن ذلك كله مما لا يمكن أن يتم إلا في إطار مؤسسة قوية متماسكة فاعلة حديثة، تتلاقى فيها الأفكار وتتفاعل بحرية، مما يعين على الدراسة المتأنية واتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب في ضوء دراسات ومناقشات متعمقة، وأزعم أن الخطوة الأولى لتحقيق أي تقدم على أي مستوى يكمن في تكوين المؤسسة المنشودة وفقا لأسس لائحية رصينة، لتضطلع بشكل سليم بما يناط بها من مسئوليات.

وبعد، فأنا أرى في النقاش حول تطوير اللائحة فرصة طيبة لتجاوز الخلافات واستعادة تماسك الجماعة على أسس سليمة، وأدعو أساتذتي من قيادات الجماعة في كل مكان إلى التفاعل الإيجابي مع هذا الطرح، والوصول إلى أسس تعيد لأبنائها الثقة فيها كمحضن رئيس للفكر والعمل بدلا من أن تتخاطفهم الأنواء وأجواء التفريط أو الإفراط، أسس تعيد للمجتمع الثقة في الجماعة للمشاركة الإيجابية في مواجهة تحدياته، أسس تظهر من خلالها للعالم الصورة الإيجابية للجماعة التي تعمل على نشر الخير والعدل ومواجهة الظلم وبناء الحضارة ونشر قيم الإسلام السمح في كل مكان، والتعاون مع الجميع على إحقاق الحقوق ونشر المحبة والسلام في أرجاء العالم. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
التعليقات (11)
نبيل البابلي
السبت، 12-03-2016 01:36 م
طرح لا يختلف عليه احد
ناهد محمد
الخميس، 03-03-2016 09:03 ص
نفس العيوب الموجودة فى الدولة كلها اى انها عبوب الانسان المصرى
Mohamed
الأربعاء، 02-03-2016 04:35 م
يا حنين يا جميل يا بتاع تعالى عشان أديك الشيكولاته
مصطفى العليمي
الأربعاء، 02-03-2016 12:50 م
رحم الله الامام حسن البنا أنشأ النظام الخاص بسرية تامة من خيرة شباب الأمة سيدي الفاضل ما تحكيه يفرغ دعوتكم من محتواها أنتم في حرب ورقابكم ورقاب الأحرار جميعا تحت المقصلة وجب عليكم أن تكونوا على مستوى الحدث فالمعركة صفرية لا بد لكم من تشكيل ادارة أشبه ما تكون بمجلس حرب تُرى كم ما زال في قيادة الاخوان من أمثال الهلباوي وحبيب وأبو الفتوح وغيرهم استقيموا يرحمكم الله
رضا
الأربعاء، 02-03-2016 03:27 ص
من سيتلقي الاقتراحات من سيعتمدها من سيفصلها لصالحه ويستبعد الآخر الثقه ووضوح الرؤيه اولا لايوجد بيئة صالحه لتعديل لائحة أو إجراء انتخابات