غيّرت الأزمة النفطية الأخيرة مجرى خطط
دول الخليج التي كانت تعتمد اعتمادا كليا على الإيرادات النفطية في الإنفاق العام، ووجدت دول الخليج نفسها بعد الخسائر التي تعرّضت لها جرّاء الهبوط الحاد بأسعار النفط، مجبرة على تغيير مصادر التمويل.
ولم يعد أمام دول النفط بدائل أو خيارات كثيرة لتوفير التمويل اللازم للإنفاق العام، فالتوقعات الحالية لا تشير إلى اقتراب انتهاء الأزمة، ولم يتبق أمامها سوى الاقتراض من البنوك المحلية عبر سندات أو أذون خزانة، أو طرح بعض الشركات التابعة للحكومات في البورصات، وربما خصخصة جزء من الشركات التابعة للحكومات.
وتوقع تقرير أصدره بنك "أتش أس بي سي"، أن تواجه دول الخليج تحديات في إعادة تمويل ديون بقيمة 94 مليار دولار، تستحق خلال العامين المقبلين، حيث يقف خلف هذه التحديات ضعف النمو، وتوجه معدلات الفائدة نحو الارتفاع، إضافة إلى تخفيض التصنيف الائتماني.
وعن حجم الديون، أشار البنك إلى استحقاق سندات قيمتها 52 مليار دولار خلال العامين المقبلين، إضافة إلى قروض مجمعة بقيمة 42 مليار دولار، تستحق غالبيتها على دولتي
قطر والإمارات.
ورغم ذلك، يرى البنك البريطاني أن تداعيات سداد هذه القروض لن تقتصر على هاتين الدولتين، إنما ستشمل الخليج ككل، فضلا عن أن سندات دول الخليج ستظل مغرية لمستثمري الدخل الثابت عالميا، متوقعة إصدارات كبيرة من السندات لتمويل العجز أو إعادة تمويل الديون.
ومن المتوقع أن يعيد إصدار سندات سيادية سعودية تسعير سندات المنطقة، وأن تشكل عملية إعادة تمويل أو تسعير السندات القائمة تحديا للحكومات، في الوقت الذي يستبعد فيه الوصول إلى اتفاق على تخفيض إنتاج النفط بين دول أوبك وخارجها.
إجراءات اتخذتها السعودية
وكانت السعودية قد بدأت مؤخرا في اتخاذ الاحتياطيات اللازمة لمواجهة الأزمات المالية الوشيكة من خلال تخفيض الدعم والإنفاق الحكومي، في الوقت الذي تستهلك فيه بوتيرة سريعة أموال صندوق الاحتياطات المالية، الأمر الذي يصعب معه بيع المزيد من السندات الحكومية والاقتراض من الأسواق الدولية.
فضلا عن أن السعودية تستمد نحو 90 في المئة من إيراداتها العامة من عائد بيع النفط، الأمر الذي جعل المملكة مرغمة على إجراء تعديلات مالية كبيرة وهيكلية قد تستمر لسنوات، مع ضرورة البحث عن موارد مالية جديدة قد تتمثل بتقليص النفقات في ميزانيتها.
وبالفعل، قامت المملكة بسحب المزيد من أموال من مخزونها من النقد وإصدار المزيد من الديون، وكانت الدولة قد باعت بالفعل سندات خلال فصل الصيف بخمسة مليارات دولار على الأقل، وكانت المرة الأولى التي لجأت فيها المملكة إلى سوق السندات في السنوات الثماني الأخيرة.
ولجأت كذلك إلى تطبيق ضرائب على المشروبات الغازية ومنتجات التبغ ضمن إعلان ميزانية 2016 للمملكة، واتجهت الخطة الاقتصادية إلى خصخصة بعض المرافق، حيث أعلنت هيئة الطيران السعودي اعتزامها خصخصة بعض المطارات، على وجه التحديد تخصيص مطار الملك خالد الدولي تحت مسمى "شركة مطارات الرياض" خلال الربع الأول من 2016، إضافة إلى تخصيص قطاع الملاحة الجوية تحت مسمى "شركة خدمات الملاحة الجوية" في الربع الثاني من عام 2016.
واستكمالا لتنويع مصادر التمويل أعلنت السعودية إدراج إحدى اللوحات التابعة لشركة "أرامكو" في سوق الأسهم، بعد الخسائر التي خلفها تهاوي أسعار النفط وتكبد الميزانية السعودية عجزا ضخما، تجاوز 20 في المئة من حجم الناتج المحلي.
وسحبت أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ آب/ أغسطس 2014، بل ودفعت الأزمات المتزايدة الحكومة السعودية نحو بيع سندات بقيمة 20 مليار ريال تساوي نحو 5.33 مليار دولار، وذلك لتغطية
عجز الموازنة الذي من المتوقع أن يتزايد خلال العام المقبل.
خيارات محدودة أمام سلطنة عمان
وفي سلطنة عمان، انضمت الشركات المملوكة للحكومة إلى المؤسسات المرشحة للحاق بقطار الخصخصة، عبر مجموعة واسعة من القطاعات التي تضم "الشركة العمانية لإدارة المطارات" و"الطيران العماني" وشركة "النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية" أوربك، و"بريد عمان"، بالإضافة إلى مؤسسات توليد الطاقة.
وتبدو الخيارات أمام حكومة البحرين محدودة، فإما أن تضاعف حجم الاقتراض لتسديد الرواتب وسد عجز الموازنة العامة، وما يتبع ذلك من تضاعف حجم الدين العام على مصروفات متكررة غير منتجة تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، أو أن تلجأ إلى خيار فرض ضرائب جديدة، وهو الخيار الأصعب في الوقت الحالي، بسبب الوضع المعيشي للمواطنين، إلى جانب الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد، وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية.
إجراءات عاجلة في الإمارات والكويت
في الوقت ذاته، أعلنت الإمارات استعدادها لطرح جزء من أسهم موانئ دبي العالمية في بورصات عالمية، علاوة على أن هناك العديد من الشركات الحكومية المؤهلة للتحول إلى مساهمة عامة سواء في دبي أو أبو ظبي.
أيضا، كانت إمارة دبي قد أعدّت برنامج سندات سيادية بالدولار عالميا متوسط الأجل، يبلغ حجمه خمسة مليارات دولار، تمهيدا لطرحه خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقا لنشرة الإصدار الخاصة بالاكتتاب.
وقال خبراء ماليون، إن السندات التي اعتزمت دبي إصدارها من المتوقع أن يُستخدم جزء منها لتسديد التزامات مالية، ويتم ضخ جزء آخر في المشروعات الاستثمارية والبنية التحتية التي تحتاجها الإمارة.
بينما شرعت الكويت في اتخاذ إجراءات عاجلة، لملاءمة أوضاعها المالية مع واقع تهاوي أسعار النفط التي أفقدت البلاد جزءا كبيرا من مواردها، علاوة على أن الحكومة عرضت في جلسة برلمانية خطة واضحة تغطي السنوات الخمس المقبلة، وتتضمن إصلاحات اقتصادية تشمل ترشيد الدعم، والاستثمار في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص.
وتتضمن الخطة مراجعة آليات تسعير السلع والخدمات العامة، التي يقدم معظمها مجانا أو بأسعار تقل بنسبة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية، وكذلك مراجعة شاملة للرسوم التي تتقاضاها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها، والأراضي التي تؤجرها.
وتعتزم الحكومة الكويتية فرض ضرائب على أرباح الشركات التي يقتصر تطبيقها حاليا على الشركات الأجنبية، لتمتد أيضا إلى الشركات الوطنية، فضلا عن أنه سيتم ربط معدلات الضريبة على أرباح الشركات، بمدى النجاح في إعادة تخصيص الاستثمارات الخاصة، لصالح الأنشطة غير النفطية.
وتشمل الخطة أيضا رفع سعر البنزين وإعادة تسعير الكهرباء، وفقا لنظام الشرائح، وخفض مخصصات العلاج في الخارج من 75 دينارا إلى 50 دينارا يوميا للمريض، ورفع رسوم تجديد الإقامة للوافدين، ورسوم إصدار وتجديد دفاتر سير المركبات.
توقعات بزيادة النمو في قطر
بينما ما تزال التوقعات بالنمو حاضرة مع الاقتصاد القطري، لكن مع انخفاض في التوقعات من 7.3 في المئة إلى 3 .7 في المئة، خاصة وأن الاقتصاد القطري يتجه منذ سنوات نحو التنوع، بالإضافة إلى أن الاستثمارات القطرية الخارجية تُعد مصدرا مُهما للدخل القومي.
لكن هذا لا ينفي تأثر قطر بشكل أو بآخر، وهو ما أظهره إعلان شركة قطر للوقود "وقود" زيادة أسعار البنزين بنسب تتراوح ما بين 30 في المئة إلى 35 في المئة، ومن المرجح اللجوء إلي سياسة تقليل النفقات في حال استمرت الأزمة لفترة أطول، وقد يشهد الاقتصاد الوطني للبلاد، تباطؤا حادا في النمو، بالإضافة إلى عجز الموازنة المتوقع استمراره مع محدوديته على أقل تقدير.
عجز الموازنات في دول الخليج
ولن يقتصر الوضع على الأزمات في مصادر التمويل، ولكن امتدت إلى ميزانيات الدول والحكومات، حيث توقعت الحكومة السعودية أن تبلغ الإيرادات العامة نحو 513.8 مليار ريال تساوي نحو 137 مليار دولار، مقابل نفقات تصل إلى 840 مليار ريال تساوي نحو 224 مليار دولار، ما يعني عجزا مقداره 326.2 مليار ريال.
ودفع عجز الموازمة الحكومة السعودية إلى تسييل أصول خارجية تتجاوز قيمتها 90 مليار دولار على مدى 12 شهرا الماضية لسداد التزاماتها.
لكن الحكومة الكويتية أقرّت ميزانية تقشفية تضمنت مصروفات أقل بنسبة 17.8 في المئة عما كان مقررا في السنة المالية 2014- 2015، بسبب الهبوط المستمر لأسعار النفط.
فالعجز المتوقع في ميزانية 2015- 2016 بعد استقطاع هذه النسبة سيكون 8.226 مليار دينار، علاوة على أن العجز الفعلي سيكون 7.021 مليار دينار في ميزانية 2015- 2016.
أيضا، من المتوقع انخفاض دخل البحرين 50 في المئة بسبب الهبوط الكبير في أسعار النفط، وذلك بسبب أن أسعار النفط المعتمدة في الموازنة هي 119 دولارا، ما يؤدي إلى عجز في الموازنة العامة البحرينية بأكثر من 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتتوقع قطر أن تسجل عجزا قدره 46.5 مليار ريال تساوي نحو 12.8 مليار دولار في عام 2016، وفقا لميزانيتها التي أعلنتها، وهو أول عجز تسجله البلاد في 15 عاما، ومؤشر على تأثير هبوط أسعار النفط على الاقتصادات الخليجية.
بينما أقرت الحكومة الإماراتية موازنة اتحادية لعام 2016 أقل من موازنة عام 2015 وتم خفض الموازنة الاتحادية للعام المقبل إلى 48.5 مليار درهم تساوي نحو 13.2 مليار دولار، مقابل نحو 49.1 مليار درهم في 2015.
ومن المتوقع أن يصل عجز الموازنة العامة العمانية إلى أكثر من 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل عمّان عجزا ماليا نسبته 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015، يزيد ليصل إلى 7.1 في المئة في 2018.
وأعلن صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره مؤخرا، أن حجم الخسائر التي من المتوقع أن تتعرض لها دول الخليج، قد تصل تريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، بسبب انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي يفرض عليها اتخاذ إجراءات للتكيف مع الواقع الجديد.
وأورد التقرير أن بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط خسرت نحو 360 مليار دولار خلال العام الماضي، بسبب انخفاض أسعار البترول، بحسب تقديرات الصندوق.