ملفات وتقارير

داريا "مفتاح" دمشق الغربي.. بانتظار المد القادم من الجنوب

واجهت داريا حملة عنيفة بالبراميل المتفجرة
واجهت داريا حملة عنيفة بالبراميل المتفجرة
لم يعد لمدينة داريا في ريف دمشق من اسمها نصيب، فالمدينة التي تحمل اسما سرياني الأصل، ويعني "المدينة ذات البيوت الكثيرة"، دٌمر أكثر من 80 في المئة من بناها التحتية (سكن، مرافق عامة، مناطق عمل)؛ بفعل استهداف المدينة بأكثر من 6000 برميل متفجر، وفي ظل حصار مستمر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

وقد استمرت مروحيات النظام بإلقاء البراميل المتفجر حتى ساعات ما قبل دخول هدنة "وقف العمليات العدائية" حيز التنفيذ في 27 شباط/ فبراير الماضي.

ويؤكد عضو المجلس المحلي في المدينة، إبراهيم خولاني، لـ"عربي21"، أن متوسط عدد البراميل التي استهدفت المدينة وصل في بعض الأيام إلى 70 برميلا متفجرا في اليوم، بالإضافة لصواريخ أرض - أرض من طراز فيل شديد التدمير".

وتبعد المدينة عن مركز مدينة دمشق ثمانية كيلومترات فقط، وتعد أكبر مدن الغوطة الغربية مساحة (30 كيلومترا مربعا). وكان يقدر عدد سكانها في العام 2011 بنحو 250 ألف نسمة، لم يتبق منهم -بحسب إحصائيات المجلس المحلي للمدينة- سوى 12 ألفا (1300 عائلة)، من بينهم 500 طفل.

ويضيف خولاني: "بعد تمكن النظام من الفصل بين مدينة داريا وجارتها معضمية الشام قبيل الهدنة، انتقل 4000 مدني إلى معضمية الشام، وبقي 8300 يعيشون سنتهم الرابعة تحت الحصار (في داريا)، يتناولون وجبة واحدة في اليوم، وغالبا ما تكون غير كافية".

وأوضح أنه "لم يدخل للمدينة أي مساعدات إنسانية، سواء من المنظمات الدولية أو الإنسانية منذ بدء الحملة العسكرية، رغم نداءات الاستغاثة"، مؤكدا أن آخر دخول للأمم المتحدة إلى المدينة كان في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وفق قوله.

إيران في داريا:

وداريا التي فقدت 235 ألفا من سكانها بين لاجئ ونازح ومعتقل وقتيل، لم تغب عن المخطط الإيراني وأدواته في محيط دمشق، حيث يقول خولاني: "عملت إيران على اختراع مقام السيدة سكينة بدعم وتسهيل من نظام بشار الأسد، وتم جلب مليشيات حزب الله اللبناني؛ بحجة دفاعهم عنه".

ويشير إلى أن "المقام لم يكن موجودا قبل 30 سنة، وقبل 10 سنوات تم تشييد مسجد بتكاليف عالية، وبدعم من إيران التي بدأت بمحاولات تشييع الأهالي منذ سنوات، عبر شرائهم بالأموال، وبعد الثورة قتلت الناس باسم الدين والطائفة"، كما قال.

تأخر فصائل درعا:

من جانبه، يرفض مؤيد أبو وائل، نائب قائد لواء "شهداء الإسلام" العامل في مدينة داريا، الطروحات التي تقول إن النظام ومعه المليشيات قادرون على اقتحام مدينة داريا، ولكنهم يريدون استمرار الوضع؛ بهدف تهجير المزيد من المدنيين من داريا ومحيطها.

فبينما يؤكد أبو وائل أن النظام يسعى بالفعل لتهجير الأهالي، يشير إلى أن النظام أيضا لم يوفر فرصة لاقتحام داريا.

ويقول لـ"عربي21: "داريا كانت عصية على النظام خلال هذه السنوات، وجرب كافة الوسائل من قصف واقتحام وحفر أنفاق بهدف تحقيق تقدم، ولكن دون جدوى، وذلك بفضل الله وخبرة المقاتلين التي اكتسبوها مع طول المعركة"، بحسب تعبيره.

إلا أن أبا وائل يرى أن التدخل الروسي قبل الهدنة كان له تأثيره على مجريات المعركة، وهذا ما جعل الثوار هناك يخسرون بعض النقاط.

وأرادت روسيا استثناء داريا من الاتفاق الروسي الأمريكي الذي أنتج هدنة "وقف الأعمال القتالية"؛ بحجة وجود فصائل عسكرية تصنفها روسيا كمنظمات "إرهابية"، مثل "جبهة النصرة"، وهو ما ينفيه أبو وائل، مؤكدا أن "التشكيلات الموجودة في المدينة هي لواء "شهداء الإسلام"، ويرابط على 80 في المئة من جبهات المدينة، بينما يرابط "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" على 20 في المئة منها"، فيما "جميع عناصر التشكيلين من شباب داريا ومن منطقة كفر سوسة القريبة"، وفق قول أبو وائل.

لكن، خضعت روسيا للرفض الشعبي والعسكري والسياسي لاستثناء داريا من اتفاقية "وقف الأعمال العدائية"، ودخلت المدينة في هدنة، لكنها لم تخرج عن نطاق الحراك الثوري المدني، كما شهدت اعتصامات مطالبة بإدخال المساعدات الإغاثية.

أما من الناحية العسكرية، فيستغلها المقاتلون، كما يقول أبو وائل، بتعزيز الدفاعات القادرة على صد أي هجوم مشابه للهجوم الأخير، داعيا المعارضة إلى أن تبقي عينها على دمشق وريفها؛ لأنها هي من تستطيع إضعاف النظام.

ورغم قرب مركز دمشق من داريا، إلا أنه بات آمنا، والسبب في ذلك، بحسب نائب قائد لواء شهداء الإسلام، "عملية فك الكماشة التي انتهجها النظام في الريف الدمشقي، والمتمثلة في إطباق الحصار على مناطق المعارضة، وتحويل معاركها من الهجوم إلى الدفاع، بالإضافة لتأخر الفصائل المقاتلة في حوران بتأمين طرق الإمداد للريف الدمشقي".

ويضيف: "لإعادة الإطباق على دمشق لا بد من الاعتماد على فصائل حوران بالتحرك؛ لأن القلمون ظروفه صعبة بسبب سيطرة مليشيات حزب الله على منافذ لبنان".

وأخيرا، فإن داريا التي أعلنتها مؤسسات الثورة السورية أكثر من مرة مدينة منكوبة، تعيش تجاذبات سياسية، وكر وفر عسكري، وبينهما، قدم للحياة 233 مولودا جديدا لم يتلقوا اللقاحات اللازمة، بانتظار أن يتمكن المجتمع الدولي من إدخالها للمدينة المحاصرة.
التعليقات (1)
ramy
الأربعاء، 23-03-2016 09:37 م
لكم الله يا أهل داريا .. وأسأل الله أن يمدكم من عنده وينصركم نصراً مؤزراً