مقالات مختارة

لماذا لا يضرب "داعش" إسرائيل؟

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600
طرحت إحدى الفضائيات الفرنسية سؤالا غريبا، اعتبرته مُحرجا لمليار مسلم، وألحّت على الإجابة عليه، وهو: لماذا لا يتظاهر المسلمون في الشوارع تنديدا بالإرهاب الذي يمارسه تنظيم الدولة، كما فعل ويفعل الغربيون بعد كل ضربة تتلقاها عاصمة أوروبية؟

ولا نظن بأن هذا السؤال غبي إلى درجة أنه ينتظر الإجابة، ولا نظن بأن الهدف منه هو دفع المسلمين للتظاهر على تسمّم "منتج" لم يُصنّع في أراضيهم، بالرغم من أن السؤال ظل معلقا لمدة ثلاثة أيام كاملة، يتداول الإجابة عليه بعض المحسوبين على المسلمين، وهم لا يدركون بأنهم في موقف المجيب المتهم، أو بصريح العبارة المُدان.

أما عن التنديد بالإرهاب، الذي يضرب الغرب بين الحين والآخر، فالمسلمون يُضربون بالثقيل من التنظيم ذاته ومن غيره بشكل يومي، ولم نسمع عن مسيرة في دولة أوروبية واحدة، تضامنا مع قتلى بغداد وسوريا، اللتين وجدتا نفسيهما في الجحيم، بعد أن جرّتهما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها إلى الموت. ومن حقنا أن نسأل لماذا "أنقذت" أمريكا العراق من "جبروت وديكتاتورية" صدام حسين، ولا تنقذه الآن من داعش؟ ولماذا حاولت أن "تنقذ" سوريا وليبيا من "جبروت وديكتاتورية" بشار الأسد ومعمر القذافي، ولا تحاول الآن إنقاذهما من داعش؟

والسؤال الذي من المفروض أن يطرحه المسلمون كلما ضرب تنظيم داعش ومن قبله القاعدة في دمشق أو بروكسل الجريحتين، هو لماذا يضرب هذا التنظيم في كل عواصم العالم، ويستثني تل أبيب؟

في السؤال الأول الذي طرحته القناة الفرنسية، تداول العشرات على الإجابة، بين من تحدث عن انسحاب المواطن المسلم من المشهد الحياتي، وبين من برّأ الإسلام من داعش، وقدّم آخرون محاضرات خاضوا فيها في التاريخ والجغرافيا، ومنهم من وصل إلى حدود الإجابة الصحيحة، عندما سأل لماذا لم يتظاهر الفرنسيون على مدار قرن وثلث قرن ضد الإرهاب الذي مورس على الجزائريين، ولم يتظاهروا أيضا ضد مجازر العشرية السوداء؟ بينما لا أحد تجرّأ على الإجابة على السؤال المؤرّق، وهو لماذا ضربت القاعدة في دار السلام وفي كابول وفي لندن ومدريد، وطارت آلاف الكيلومترات إلى قلب نيويورك، فأبانت عن قوة كبرى بتحطيم برجي التجارة الدولية، ولكنها لم تضرب أبدا في تل أبيب؟ ولماذا تمكنت داعش من تخريب الشرق الأوسط، وإقامة دولة لا إسلام فيها ولا أي دين في العراق والشام، وضربت باريس وبروكسل، ولكنها لم تضرب تل أبيب؟

عندما يصل الغربيون لأن يطرحوا سؤالا غريبا، ويفرضون علينا الإجابة عليه، ونتردّد نحن في طرح السؤال الواجب الخوض فيه، فمعنى ذلك أنهم نصّبوا أنفسهم في موضع القاضي والمحامي والنائب العام، ووضعونا في قفص الاتهام، ولم يبق أمامهم سوى النطق بالحكم الذي لن ينزل عن "الإعدام"، بينما لم نبلغ نحن مستوى الضحية الذي له الجرأة على رفع شكواه؟

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)