مدونات

تجارة البرسيم في المعبد القديم

رفع العلم التونسي خلال مظاهرة
رفع العلم التونسي خلال مظاهرة


زهرة البرسيم الرباعية هي رمز الحظ الجيد في أغلب دول العالم، إذ تقول الأسطورة إن من يجد واحدة منها سيرافقه الحب والإيمان والأمل والحظ، وهي المعاني التي ترمز لها أوراق البرسيم الأربع، غير أن العثور عليها يكاد يكون مستحيلا؛ نظرا لكون نبات البرسيم ينمو عادة بثلاث بتلات فقط، ويشتهر هذا الاعتقاد خاصة  في حقول إيرلاندا الشاسعة، أين تنتشر حكايات كثيرة عن قزم أخضر يحقق الأمنيات. .

قصة يمكن ربطها بالواقع السياسي والاجتماعي في تونس، من خلال الحكومات المتعاقبة، كحكومة الترويكا التي رأى كثيرون أنها لم تحقق الأمنيات والمطالب، تماما مثل برسيمة بثلاث أوراق، ليتم التعجيل في تعويضها، عبر انتخابات رُوِّجَ لها على أنها قارب إنقاذ، بحكومة رباعية  أرادها  داعموها أن تكون برسيمة ببتلات أربع تجلب الرقي و السعادة، حكومتان لم تنجحا  في القيام بإصلاحات ملحة، ولم تحققا الحد الأدنى من أهداف الثورة، وتعللتا بالتحركات الاجتماعية في كثير من الأحيان للتغطية على ضعف الأداء، فكانتا مثل برسيمتين حبستا في معبد قديم، ألا وهو الاتحاد العام التونسي للشغل محرك التحركات الاحتجاجية في البلاد، وصاحب القول الفصل في المسألة الاجتماعية .

حكومات البرسيم 

منذ انتخاب حكومة الترويكا كانت الرهانات متعددة على المستويين الاجتماعي والسياسي، بما أن تلك الفترة الممتدة بين سنتي 2011 و 2013 قُدمت على أنها فترة التأسيس لمرحلة سياسية جديدة بدستور ضامن للحريات، ومؤسسات تستجيب لواقع ما بعد الثورة، فكان الائتلاف المكون من حركة النهضة الإسلامية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أمام حتمية الاستجابة لمتطلبات المرحلة، غير أن الملف الاجتماعي الذي طفا على السطح في تلك الفترة كان بمنزلة لجام السلطة، الذي مثل قوة ضغط على الأطراف الحاكمة عبر تحركات احتجاجية مسنودة باتحاد الشغل المنظمة النقابية العريقة، التي دعمت إلى حد كبير تتالي الاحتجاجات المطلبية والشعبية، في فترة حساسة من تاريخ البلاد تفرض دعم مقومات الـبناء والتأسيس دون خوض في التجاذبات السياسية، التي عادة ما تكون المحصلة الأولى للضغط النقابي والاجتماعي، وما إن دخلت البلاد مرحلة المشاحنات الحزبية والانفلات القطاعي، حتى بلغ الوضع الأمني مرحلة الخطر باغتيال القيادي في الجبهة الشعبية شكري بلعيد ثم القيادي في التيار الشعبي محمد البراهمي، اغتيالان سياسيان كانا بمنزلة رصاصة الرحمة التي أطلقت على فترة حكم الترويكا بمرحلتيها، مرحلة حمادي الجبالي ومرحلة علي العريض، لتدور بعدها رحى المعارضة في شقيها اليساري الذي لازال يحمل الترويكا مسؤولية الاغتيالات إلى اليوم  والدستوري الذي عاد للواجهة في خضم تلك الفترة، ليكون اعتصام باردو جامعا للمنادين بإسقاط  الائتلاف الثلاثي الحاكم، ما سرع بنزول أوراق البرسيم الثلاث قبل الأوان، وأعاد ترتيب أوراق سدنة المعبد القديم التي ضاعت سابقا في حشد الإرادة الشعبية .

لم يكن المرور من فترة البناء إلى فترة التأسيس مرورا هادئا ولا ديمقراطيا صرفا كما يرى البعض، فبعد نزول الترويكا عن صهوة الحكم، أنتجت انتخابات 2014 فرسان جددا أحسنوا الترويج لأنفسهم في حملة انتخابية، طافت فيها سلال الوعود بالأراضي المنسية لتوزع أحلاما لم تحققها الآمال الأولى، لنرى ائتلافا رباعيا أراده ناخبوه برسيمة بأربع أوراق تحقق الوعود والأماني، فاتحد كل من حركة نداء تونس،  وحركة النهضة الورقة القديمة الباقية في عود البرسيم، وحزب آفاق تونس، وحزب الاتحاد الوطني الحر في حكومة واحدة كشفت الأيام أنها عاجزة كسابقتها عن حل المسائل العالقة، وتحقيق الحد الأدنى من رهانات الأمس القريب، وكان الجواد الكاسب في هذه المرحلة  نفسه الذي قاد دوامة الضغط في زمن الترويكا، ألا وهو المعطى الاجتماعي الذي برز من معبده القديم مجددا بتحركات مطلبية واحتجاجات قطاعية، تديرها مركزية نقابية كانت ومازالت لجاما للسلطة ومحركا للشارع. ورغم تصريح الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، بأن  مرجع القرار في الاتحاد لا يتحدّد بمن يحكم بل بكيفية الحكم، إلا أن دعم المنظمة الشغيلة للتحركات الاحتجاجية على اختلاف درجاتها، أرسى بثقله على كاهل الحكومة، وألحق الاقتصاد بركب مستوى التأزم الكبير الذي بلغه الوضع الأمني والوضع الاجتماعي .  

المعبد القديم 

تعتبر المسألة الاجتماعية في تونس أمّ المسائل نظرا لكونها محور السلطة، في استبيان مدى نزوع الشعب إلى الاحتجاج ونسبة رضاه على سياستها في التعامل مع الملفات الاجتماعية المهمة، ولكونها أيضا سلاح المعارضة في الضغط على الحكومة عبر تحريك الشارع، والنفخ في نار المطالب الاجتماعية الحارقة، غير أن لا أحد يجيد العزف على أوتار الملف الاجتماعي دون مباركة المعبد القديم المسمى الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نفض غبار السياسة في وجوه أصحابها وقدم للناس برسيمة بأربع أوراق أسماها الحوار الوطني، شاركته فيها ثلاث منظمات وطنية هي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ليثبت أن الأمنيات لا يكفي تحقيقها لبرسيمة رباعية الأوراق، بل أيضا لمباركة المعبد القديم المتحكم في خيوط حظ السلطة في البلاد، وهو ما أكدته الأيام بعد تتويج الرباعي الراعي للحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام في لحظة تاريخية، برهنت على حجم الحظ الذي رافق المنظمات الوطنية الأربع بعد تشكلها في برسيمة لفتت انتباه العالم بتتويجها في أسلو، ليقف الناس بعدها على حقيقة وجود القزم الذي يحقق الأمنيات والمتمثل في الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي، الذي أدار رقاب المجتمع التونسي إلى معبده القديم منتج البرسيم  . 

وهكذا تتشكل صورة الواقع السياسي المحكوم بنزوات سدنة المعبد القديم، وتتضح تفاصيل تجارة الوعود المفلسة للبعض، والمربحة فقط لمن يحسن استثمارها في لعبة البرسيم.

 تظل المسألة الاجتماعية في تونس لجاما للسلطة وركابا للمعارضة، لكن حبالها لن تغادر يد الفارس الأول الذي يوزع من معبده البرسيم على الجياد المتسابقة في الساحة السياسية كما يشاء .
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل