كتاب عربي 21

معجزة السبسي: حكومة فاشلة وزراء ناجحون

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
بنهاية هذا الأسبوع يعقد مجلس نواب الشعب في تونس جلسة ربما هي الأغرب في تاريخ الديمقراطيات قاطبة. حيث يتهيأ نواب أربعة أحزاب شكلت ودعمت حكومة يترأسها الحبيب الصيد، "مستقل" من إداريي نظام ما قبل الثورة، لسحب الثقة من حكومة تتشكل أساسا من وزراء يتبعون هذه الأحزاب وذلك لهدف واحد وهو إقالة رئيس الحكومة. فأثر مبادرة الرئيس السبسي لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" وهو ما يعتبر عمليا إقرارا رسميا بفشل الحكومة الحالية، أضحى المشكل الأساس هو كيفية تلبيس الصيد الفشل ونزع المسؤولية عن الأحزاب التي تؤثث غالبية وزراء الحكومة. 

سيصوت النواب ضد الحكومة، ومن ثمة سيسقطونها، على أساس أن رئيس الحكومة فاشل، في حين يتفاوضون حول حكومة جديدة ستتشكل أساسا من وزراء الحكومة ذاتهم على أساس أنهم ناجحون. معجزة السبسي، وهو غير القادر على شيء عدى إقامة تماثيل للزعيم بورقيبة وعدى "أنه لم يمت" على حد قوله، معجزته هو أن الحكومة التي شكلها منذ حوالي العام والنصف فاشلة، لكن وزراءها ناجحون يستحقون التفاوض حول تشكيل حكومة جديدة والتواجد فيها. 

وهكذا كان علينا أن نشهد على أغرب وضعيات وتصريحات في الأسابيع الأخيرة. منها أن وزراء يحضرون في اجتماعات رئيس الحكومة في النهار، ويتدارسون برامج الحكومة ويستعرضون مشاريع قوانين جديدة لإرسالها بالجملة للتصويت في مجلس النواب، في حين يتفاوضون في الليل، بصفاتهم قيادات في أحزابهم، على حكومة جديدة برئيس حكومة جديد يكونون أعضاء فيها. 

كان علينا أن نستمع إلى تصريحات لوزير التجارة، وقيادي في "الوطني الحر" أحد أحزاب التحالف الحاكم، يقول بالحرف ما يلي: " الأمر مطروح لكتلة الاتحاد الوطني الحر التي مازالت تدرس هذه الوضعية مرجّحا أنهم سيصوتون كبقية أحزاب الائتلاف الحاكم بعدم تجديد الثقة لحكومة الحبيب الصيد. واستدرك أن سحب الثقة من الحكومة لا يعني سحب الثقة من الوزراء، مصرّحا بأن هناك وزراء يرون أنفسهم متواجدون في الحكومة القادمة". 

قبل يومين من جلسة سحب الثقة، أصدر حزب "آفاق" وهو حزب آخر في التحالف الحاكم، بيانا أعلن فيه أنه سيصوت لسحب الثقة من الحكومة، بما يعني سحب الثقة تحديدا من رئيس الحكومة على أساس أنه سبب الفشل الأساسي. في حين يتفاوض مؤسس الحزب واحد أهم وزراء الحكومة ياسين إبراهيم على تشكيل حكومة جديدة. 

وزراء هذا الحزب تحديدا مسؤولون على وزارات ذات دخل مباشر في الملفات الاقتصادية والاجتماعية، منها التنمية الجهوية والاستثمار الدولي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، في حين أن أسوء حصيلة للحكومة هي في هذه الملفات حيث نسب النمو تراوح الصفر ونسب الاستثمار الخارجي في أضعف نسبها منذ الثورة. 

قبل أيام قليلة فقط تم عقد جلسة في البرلمان فضحت بشكل غير مسبوق الفشل الذي يصل لشبهة الفساد وإهدار المال العام لأحد وزراء الحزب، وتحديدا دوره في توريط شركة تونس للاتصالات في صفقة شراء شركة اتصالات مالطية لم تخدم المصالح التونسية. والحقيقة لم يعد ممكنا وصف ما ينطق به وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصال نعمان الفهري في هذه الجلسة حول الصفقة المشبوهة "GO MALTA" إلا بالمغالطة. الوزير تهرب مرتين من مساءلتين في البرلمان حول تورطه المباشر للسماح بشركة تونس للاتصالات بقرض (نحن متأكدون الآن) يصل إلى 300 مليون يورو ونسبة فائدة 8% (حسب وثيقة للبنك المركزي بتاريخ 17 يونيو) وتضارب مصالح واضح بما فيها اختيار بنك سويسري لإنجاز خدمات بمقابل أعلى في العروض من بنكين آخرين، وذلك لأن البنك السويسري هو بنك الشريك الإماراتي. وطبعا من المستحيل أن تعيد شركة تونس للاتصالات القرض في الخمس سنوات القادمة دون توريط الدولة التونسية وإلا ستتعرض هذه الشركة للبيع. يتهرب ويدفع ب ر م ع تونس للاتصالات للتغطية عليه.

وآخر هذه المغالطات قوله إن إدارة مجلس نواب الشعب لم تبلغه بموعدين للمساءلة. رئيس المجلس كذبه على المباشر وقال إن الوزير تهرب من تحديد موعد. الحقيقة كان سبب التهرب هو رغبة الوزير في تجاوز تاريخ 22 يوليو تاريخ إتمام الصفقة حتى لا تشوش عليها جلسة برلمانية.

الوزير ختم كل ذلك بالقول إن الصفقة "ادخار للأجيال القادمة"، اذ يعتبر قرضا بـ300 مليون يورو تورطت فيه المنشأة العمومية التونسية لإتمام الصفقة وبنسبة فائدة 8% ادخار للأجيال القادمة… نعم هو ادخار لكنه ادخار للديون ربما!!

طبعا هذا وزير آخر ينتمي لحزب "في الحكم" يطالب رئيس الحكومة بالاستقالة لفشله في حين لا يبادرون بالاستقالة... حكومة فاشلة ووزراء ناجحون؟! 

في الاتجاه ذاته وزراء الحزب الأغلبي "نداء تونس" في الانتخابات، حزب السبسي، عبروا بشكل واضح عن أنهم سيسحبون الثقة من الحكومة في حين أن غالبية الوزراء من هذا الحزب. بل إن عددا من الوزراء يقع تقديمهم كمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة. وأيضا كتلة حركة النهضة الحزب الأول الآن في عدد النواب ستصوت على الأرحج لسحب الثقة رغم أنها موجودة بوزير وكاتبي دولة في الحكومة الحالية. 

تنصل التحالف الحاكم برعاية السبسي من المسؤولية وتحميلها كلية لرئيس الحكومة مخل بأبسط الأخلاقيات، ولكن الأهم يبشر للأسف بتعميق الفشل في الحكومة القادمة. والأسوأ أن الحكومة القادمة إلى أن تتشكل، والأرجح سيكون رئيس حكومتها أضعف حتى وأقل حيلة أمام رغبات السبسي في التحكم في الأمور خارج صلاحياته الدستورية، ستواجه وضعا اقتصاديا أصبح أكثر سوءا بسبب أزمة تشكيل الحكومة. إذ إن المؤشرات من داخل كوليس الإدارة التي بصدد صياغة ميزانية سنة 2017 سيكون العجز في الميزانية أكبر مما كان متوقعا، وسيكون على الحكومة القادمة أن تبحث عما قيمته 9 آلاف مليار لتغطية العجز، وأيضا مراجعة عدد من الاتفاقيات النقابية وهو ما يعني أزمة قادمة مع اتحاد الشغل. في حين كان الهدف الأساس من مبادرة "حكومة الوحدة الوطنية" جلب اتحاد الشغل إلى مهادنة الحكومة الجديدة. 

أمامنا فشل مضاعف بمرات: حكومة فاشلة بوزراء فاشلين، يتم تغييرها بشكل فاشل، وستعمق من الفشل الحالي بسبب تطعل أداء الإدارة في مسار تشكيل الحكومة الجديدة الطويل والمعقد. أرادوا تغطية الفشل بحبيب الصيد فلم يعروا فشلهم السابق فحسب بل زادوا من احتمال الفشل القادم. 
التعليقات (1)
توفيق بنخليفة
السبت، 30-07-2016 12:18 م
صحيح راس الهم :داده عيشة ؛الصيد القربان ".هذه اول نتيجة حزب حاكم كاذب وفاشل ؛بمجرد ان بكى عجوز العقد التاسع وله خبرته في مجال ميكانيكيا الحيل ؛حتى صرح ان النساء هي اللي جاباته لسدة الحكم معناها ماثمش حتى راجل يحكي معاه والا يقرى له حساب يجيبوه وتوفى مهمته يمشي ،المهم سيظل الجميع يبكي حتى يفرج رب ولن تقوم لناقيامة للاسباب التالية:1 / فقدت تونس القرار السيادي المالي اساسا وصارت حاضنة الاملاءات الدولية 2/ تعمقت الهوة بين السياسيين ولن تجد تحالفا قويا يلبي مطالب الثورة المنكوبة 3/ ماكينة الفساد دارت باقصى سرعة وتعطيلها في الوقت الراهن وهم في وهم 4/اخر لبنة للديمقراطية الانتخابات البلدية سيجهز عليها اجلا ام عاجلا 5/بلاد تحتقر مثقفيها وتمجد الموتى والسامري في غياب موسى يقود الى الهاوية والجميع مطبل وراكب ... وا اسفاه:شعب تعلم الاضعان لن يرتجى منه خير اللهم معجزة اخرى تعيد له وعيه