مقالات مختارة

"البوركيني" و"ساركوزي"!

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600
خلافا لكل الانتخابات الرئاسية في البلاد الغربية المتطورة، ترفض فرنسا بكل أطيافها الثقيلة، إلا أن تعجن الصراع لأجل الجلوس على "عرش" الإليزيه، بالخميرة الشرقية، فهي تارة "تنفش" لحية الرجال، وأخرى تمزق أو تتجاذب خمارات النساء ذات الشمال وذات اليمين، وفي كل الحالات تقتنع بأن بلوغ العرش لا طريق له، سوى بالدوس على قيم هذا الشرق، البعيد عن العين والقريب من القطعة السوداء المخفية في قلوب الفرنسيين.

فبعد النقاب ولاعب الكرة كريم بن زيمة وبناء المساجد في فرنسا، وربط الإرهاب بالإسلام وبالمغتربين واقتراح إلغاء الجنسية المزدوجة، تحوّل اللباس "الذي لا علاقة له بأي دين" المسمى "البوركيني" المحسوب على أنه حجاب أو لباس إسلامي، إلى قضية دولة وشعب في فرنسا بلاد الحرية المزعومة، فخاض فيه عامة الناس وجعله المتسابقون إلى كرسي قيادة فرنسا من لوبين إلى ساركوزي، دعاية جاهزة لأجل استمالة هذا الطرف أو ذاك، بهدف كسب نقاط لم تعد تسجل إلا في سلة الإسلام والمغتربين والعرب، حتى يخّيل لمتتبع الشأن السياسي الفرنسي بأن لا مشكلة في هذا البلد، غير المغتربين.

وبغض النظر عن قرار مجلس الدولة الفرنسي الذي يزعم المٌنظرون لـ"حرية وعدالة ومساواة" فرنسا بأنه أنصف المسلمات قضائيا، وبصم على الديمقراطية الفرنسية، فإن إقحام المسلمين في كل مشهد يحدث في الشارع أو في السوق أو في الجامعة أو حتى على شاطئ البحر، هو تجاوز لكل الحدود، ولو سرنا على هذا النهج في بلادنا، في تتبع كل من يلبس "فرنسيا" أو يأكل أو يستحم أو يتكلم "فرنسيا"، لما توقفنا عن صنع مثل هذا "الهراء"، الذي يؤكد بأن فرنسا تعاني من عقدة "استعلائية ومُحقّرة للآخر"، ثلاثية الأبعاد تجاه كل ما هو مغترب ومسلم وخاصة جزائري، ولن يهنأ لها بال حتى تحقق أهدافا نفسية، هي تعلم بأنها لن تتحقق على أرض الواقع أبدا، ليس لأن المسلمين والعرب والمغتربين عموما، لن يتركوها تفعل، وإنما لأن لها في هؤلاء مآرب كثيرة جدا.

وإذا كان لفرنسا أهداف من هذا المدّ والجزر، الذي تستعمل فيه الدين الإسلامي من خلال فعل مقنّن لا تنتهي حلقة منه حتى تبدأ أخرى، فإن غير المفهوم هو ردّ الفعل من الجالية الفرنسية، وما يسمى بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذين يُصفعون دائما، ثم تُقدّم لهم الاعتذارات، فتراهم فرحين بها، كما حدث في حكاية "البوركيني"، حيث تسابقوا على مباركة مجلس الدولة الفرنسي، واعتباره صوت حق، وثمّنوا قرار القضاء الفرنسي، واعتبروه صوت عدالة، حتى إن أحدهم قال بالحرف الواحد، بأن دولا إسلامية كثيرة، لا تحقق الحرية للمسلمين، كما تحققها لهم فرنسا، وراح يروي تاريخا من نسج تأويلاته عما قدمته فرنسا للمسلمين دون غيرها من الأمم على مدار التاريخ.

مُقرف أن يتحوّل "البوركيني" الذي هو في الأصل من صناعة غربية، إلى حديث مصوّر وأحيانا إلى رسومات كاريكاتيرية، لدى المجتمع الفرنسي لأجل قذف المسلمات، ولكن الأكثر قرفا، أن تنتقل الصورة بأبعادها القبيحة والمضبّبة، إلى جهة المسلمين، فتحجب عنهم واقعهم الذي ساء بشكل مريع. 

الشروق الجزائرية
1
التعليقات (1)
سامي
الإثنين، 29-08-2016 04:53 ص
سيكتب التاريخ هذه الافعال لفرنسا باستهجان وسيشعر الفرنسيون بالعار من فعلة شرطتهم على شاطئ نىس