قضايا وآراء

عسكر مصر ونظرية الحق الإلهي

شريف منصور
1300x600
1300x600
نظرية الحق الإلهي ظهرت في القرون الوسطى حيث تمخضت عنها عقلية الكنيسة، وحاول القساوسة أن يُفسروا ما نسبوه إلى المسيح عليه السلام من أنه قال: "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" فحاولت الكنيسة أن تزرع في عقول الناس أن الحكام مختارون من الله، وعليه فلا يجوز الخروج عليهم، وبناء على ذلك فلا مسؤولية على الحكام أمام أحد مهما كانت تصرفاتهم أو أفعالهم، وقد أصدر القساوسة مرسوما صاغوا فيه نظرية الحق الإلهي المقدس وجعلوه دستورا للدولة والكنيسة، فجعلوا السلطة الدينية للبابا في الكنيسة والسلطة الزمنية للملك أو الإمبراطور، بذلك حافظت الكنيسة على امتيازاتها، وحافظ الملوك على امتيازاتهم وسلطاتهم المطلقة، وبناء عليه عاث الملوك والقساوسة في الأرض فسادا وطغيانا، وتجرعت الشعوب مرارة القهر والذل.

ولكن ومع اندلاع الثورة الإنجليزية عام 1688 والثورة الفرنسية عام 1789 انهارت هذه النظرية الفاسدة، وأدركت الشعوب أن الحاكم بشر منهم يُخطئ ويصيب، وأنهم هم من يختارونه ولهم الحق في حسابه والخروج عليه بل ومحاكمته إن هو أفسد أو ظلم وجعلوا بينهم وبينه عقدا اجتماعيا يقيد سلطاته ويجعل الشعب هو مصدر السلطات وليس الحاكم الملهم.

انتهت نظرية الحق الإلهي الفاسدة في أوروبا وبقيت في مجتمعاتنا، فالحاكم في مجتمعاتنا يجمع حوله علماء السلطان الذين يوافقونه في ظلمه وطغيانه ويسيرون وفق هواه، بل وينزلونه منازل الأنبياء والمرسلين.

فالحاكم في بلادنا لا يُخطئ أبدا ولا يأتيه الباطل، فهو أب لكل الشعب، وهو وحده من يقرر قوى الخير والشر في المجتمع، وله كل الحق في شيطنة معارضيه بل وسحقهم وقتلهم والتنكيل بهم، والفتاوى دائما جاهزة ومعلبة، وهو وحده من يحدد ماهية وشكل تجديد الخطاب الديني، بل واحتكار الحديث باسم الدين حتى وإن لم يكن يعرف قراءة الفاتحة.

وقد اعتمد عسكر مصر بشكل رئيسي على علماء السلطان في تثبيت حكمهم وفسادهم منذ عبد الناصر إلى الآن.. أصدر جمال عبد الناصر قانون تنظيم الأزهر عام 1961 الذي حول الأزهر ماليا وإداريا إلى تبعية الدولة، فتحول شيخ الأزهر إلى موظف كبير يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية ويتقاضى راتبه حسبما تقرره له السلطة، وكان نتاج ذلك أن أصدر شيخ الأزهر في عهد عبد الناصر "عبد الرحمن تاج" فتوى بإسقاط الجنسية عن الرئيس محمد نجيب بدعوى أنه يتعاون مع قوى خارجية ضد بلاده، وفتوى أخرى باعتبار "الإخوان المسلمين" خوارج ويجب إقامة حد الحرابة عليهم، وغيرها من الفتاوى التي وافقت هوى الطاغية عبد الناصر لتثبيت حكمه المستبد، وإهدار دم كل من يعارضه أو يخالفه.

وكتب أحمد حسن الزيات في افتتاحية مجلة الأزهر، العدد الأول من السنة الخامسة والثلاثين الصادر في المحرم سنة 1883هـ/يونيو 1963 قائلا (إن الوحدة المحمدية كانت كلية عامة لأنها قامت على العقيدة، ولكن العقيدة مهما تدم قد تضعف أو تتحول، وإن الوحدة الصلاحية نسبة لـ"صلاح الدين الأيوبي" كانت جزئية خاصة لأنها قامت على السلطان والسلطان يعتريه الوهن فيزول، أما الوحدة الناصرية فباقية نامية لأنها تقوم على الاشتراكية في الرزق والحرية في الرأي والديمقراطية في الحكم، وهذه المقومات الثلاثة ضمان دائم للوحدة).. وهذا الكلام كفر واضح كما قال العلماء بتفضيل الوحدة الناصرية على الوحدة المحمدية.

فجعلوا الطاغية عبد الناصر في مقام أعلى من مقام الأنبياء والعياذ بالله، وكذلك فعلوا مع السادات ومبارك ويفعلونه الآن مع الخائن المنقلب عبد الفتاح السيسي، فشيوخ السلطة كانوا أول من أيدوا الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب من الشعب في 3 يوليو 2013 ومنهم من أفتى بإهدار دماء الأبرياء وقتلهم مثلما فعل علي جمعة وغيره، ومنهم من قام بوضع القاتل السيسي في منزلة الأنبياء والمرسلين مثل سعد الدين الهلالي وغيره، وبينما كان الخروج على الحاكم المنتخب من الشعب حلالا كان الخروج على الحاكم المستبد القاتل مغتصب السلطة حراما على مذهب أحمد الطيب، وعلي جمعة، وياسر برهامي، ومحمد حسان، وغيرهم من علماء السلطان، فحكم العسكر قائم بالأساس على تأليه الحاكم العسكري وتنزيهه عن الأخطاء، وتحريم الخروج عليه مهما أفسد أو قتل أو نهب، فهو الحاكم بأمر الله كما يروج المدلسون من علماء السلاطين.

يقول الشاعر أحمد مطر متحدثا عن علماء السلطان:

قال لنا أعمى العميان ..تسعة أعشار الإيمان
في طاعة أمر السلطان..حتى لو صلى سكران
حتى لو قتل الغلمان..حتى لو أجرم أو خان
حتى لو باع الأوطان..أنا حيران..فإذا كان..
فرعون حبيب الرحمن..والجنة في يد هامان
والإيمان من الشيطان..فلماذا أُنزل القرءان؟؟
ألكي يُهدينا مسواكا..نمحو فيه من الأذهان
بدعة معجون الأسنان..أم ليفصل دشداشات
تشبه أنصاف القمصان..ألذلك قد اُنزل؟ كلا
ما أحسبه أُنزل إلا..ليحرم قتل الإنسان

وأحسب أن الاستبداد والطغيان في مصر وفي مجتمعاتنا جميعا لن ينتهي إلا بسقوط حكم العسكر الذين يتعاملون مع البلاد كأنها إرث ورثوه عن آبائهم وأمهاتهم، ويتعاملون مع الشعب كأنه ملك يمين وعبيد إحساناتهم، وكذلك سقوط كل كهنة السلطان الذين يبررون لهم الاستبداد والقهر والظلم.
3
التعليقات (3)
مصري
السبت، 17-09-2016 12:28 ص
بداية الحل في ابتعادكم و ابتعاد كل الإسلاميين عن السياسة ... يا راجل ده أنتو أكتر ناس تاجرتم بالدين
فاضح الخرفان
السبت، 10-09-2016 05:55 م
هههههههههههه حينما تتكلم ؟؟؟؟؟؟ عن الشرف على اساس انكم ما جعلتم مرسي بمنزلة الامام المعصوم و نسيتم انكم من قال ان جِبْرِيل عليه السلام نزل في ميدان رابعة و نسيتم انكم من مدح اردوغان و جعلتموه خليفة للمسلمين بعدما طبع العلاقات مع اسرائيل و روسيا و الله اعلم غداً ماذا يفعل بالمسلمين
محمد
الجمعة، 09-09-2016 07:51 م
كلام في الصميم